المكان: مقبرة الشهداء بالرباط المطلة على المحيط، الزمان: بعيد صلاة الجمعة. يوم ديسمبري مشمس، زوار يغادرون وآخرون يصلون لزيارة قبور ذويهم، رجال القوات المساعدة وأعوان السلطة من المقدمين يحرسون ويراقبون المكان، متسولون على جنبات الطريق، جلهم نساء، بعضهم يتحلق حول أطباق الكسكس التي جلبها المحسنون. أمام قبر المرحوم عبد الله باها المتوفي تحت عجلات قطار يوم الأحد المنصرم، والذي دفن يوم الثلاثاء الموالي، وقفت شابتان في مقتبل العمر، إحداهما تحمل مصحفا صغيرا تقرأ منه، والأخرى بسروال الجينز الأزرق تضع منديلا على رأسها اتقاء من شمس الظهيرة، لما شاهدت الثانية الكاميرا، طلبت منا عدم تصويرها وصديقتها، سألناها، فردت أنها من أقرباء الفقيد.
لم يتم بعد تبليط وتزيين القبر، ما زالت أكوام التراب عليه، وقد وضعت باقة من أزهار الريحان فوقه، وخشبة صغيرة مكان الشاهدة كتب عليها: "هذا قبر المرحوم عبد الله باها" وتاريخ وفاته. يقع القبر جنب قبر المرحوم عبد الكريم الخطيب مؤسس الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية ومحتضن اسلاميي البيجيدي لاحقا، وقبر إحدى بنات عائلة حصار الرباطية، وغير بعيد عن قبر وزير الشؤون الإسلامية السابق أحمد رمزي، وقبر محمد بنعبد الرزاق، وقبر السياسي والوزير التهامي الخياري مؤسس جبهة القوى الديمقراطية، ثم قبر الفنان الممثل حميدو بنمسعود، إلى جانب قبر البرازيلي خوسيه فاريا الذي كان يدرب المنتخب الوطني لكرة القدم وحقق معه إنجاز سنة 1986 في مونديال المكسيك، وقد سمى نفسه "المهدي" بعد اعتناقه الإسلام، وخلفه يطل قبر وزير الداخلية السابق إدريس البصري، وبمحاذاته قبر جديد، قال لنا حفار القبور حسن، إنه قبر حفيد الوزير القوي، وقد تمت مواراته الثرى في نفس يوم دفن عبد الله باها، الشاب حمزة حصار ولد ابنة إدريس البصري، وقد دفن عصرا بعد دفن نائب بنكيران ظهرا..
وأضاف حسن أن السيدة فتيحة السليماني أرملة الوزير إدريس البصري تحجز أربعة قبور إلى جانب قبر زوجها، وقد جاؤوا يوم الثلاثاء الماضي بجثمان الحفيد الذي توفي نهاية الأسبوع الماضي في ظروف غير معروفة، وهو في التاسعة عشرة من عمره، بعد سفره إلى اسبانيا لحضور إحدى مباريات الفريق الأسطوري برشلونة في "الليغا" أي الدوري الاسباني في كرة القدم ، وقد عثر عليه ميتا في شقة سكنية ببرشلونة من أملاك وزير الداخلية السابق.
مثل قبر عبد الله باها، لا يزال قبر حمزة حصار ترابا ولا علامة أو اسما عليه، ربما لأنه مؤشر بالقبر الذي بجانبه، أي قبر جده إدريس البصري..
سألنا حفار القبور كم أخذ مقابل دفن الوزير الإسلامي، فأجاب: لا شيء يذكر، لقد أدوا الثمن العادي للقبر والدفن، وكان هناك أحدهم يوزع على كل واحد من المساكين وحفظة القرآن ورقة من فئة خمسين درهما.
أما عندما تم دفن إدريس البصري فقد أجزلت أسرته العطاء للحفارين والحفار حسن واحد مهنم. ثم أضاف: "الأمر واضح، أنت تعرف أن الحزب، ويقصد حزب العدالة والتنمية، لا يمكن أن "يتفوبر" على المساكين".
في الصف الموازي يرقد الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد، وأمامه شاهدنا أمين عام حزب الإصلاح عبد الرحمان الكوهن، وهو يتلو آيات من القرآن على قبر زوجته المرحومة فاطمة الحيحي، التي توفيت عام 2000. بعد ذلك مشى الكوهن ووقف قليلا أمام قبر المرحوم باها، ثم ظهر لنا في الجانب الأخر من القبر، وهو يقف على قبرٍ لم نعرف صاحبه.
ترقبوا فيديو زيارة "تليكسبريس" لمقبرة الشهداء في اليوم الثالث بعد مواراة الثرى لجثمان الراحل عبد الله باها.