من الحقائق التي لا يجهلها أي صحراوي هو أن جبهة البوليساريو قامت باختطاف الجغرافية، إذ جعلت مواطنين صحراويين يعيشون بعيدا عن بلدهم، أو يولدون في بلد غير بلدهم.. يحكي مصطفى سلمة ولد سيدي مولود، في أول ندوة صحفية نظمها في السمارة بعد لقائه بوالده، أنه كانت لديه تسع سنوات، عندما اختطفته عصابات البوليساريو رفقة والدته، وفصلت العائلة إلى نصفين، نصف يعيش في أرض الأجداد ونصف في مخيمات الذل والعار.
وهكذا جعلت من الجغرافية عامل تمزيق للأسرة الصحراوية المعروفة بالحفاظ على تقاليدها، واليوم تريد تزوير التاريخ، حيث احتفلت يوم 12 من الشهر الجاري بما يسمى ذكرى الوحدة الوطنية، وهو في الواقع يوم للشتات التاريخي بين الصحراويين، لأنه تاريخ مهم في سجل الأحداث التي طبعت تاريخ الصحراء وتحاول البوليساريو أن تنسبه لتاريخها المزيف على غرار أحداث تاريخية أخرى، وتخلده البوليساريو على أنه إعلان لالتفاف الصحراويين حولها كحركة وتنعته انضماما كاملا لكل الصحراويين لمشروعها الانفصالي.
لكن الحقائق التاريخية تقول إن البوليساريو زورت الباب الأول من كتاب تاريخها إن لم تكن المقدمة والغلاف، لأن السياق التاريخي الحقيقي يعود ليوم 12 أكتوبر سنة 1975، الذي يُعرف في الذاكرة الصحراوية باجتماع عين بنتيلي وهو حدث مفصلي عرف بالانقلاب على الشيوخ الصحراويين وعلى مؤسسة الشيخ التي كانت أداة الحل والعقد بين الصحراويين، وعرف هذا اليوم بالتاريخ الأسود، الذي ركبته شرذمة من الشباب التائه، الذي كان يتبنى آنذاك الماركسية اللينينية، وهو شباب غير مؤهل علميا ومعرفيا، وثارت ضد الشرعية التاريخية لشيوخ الصحراء، التي بلغت حد حمل السلاح داخل الاجتماع وإطلاق الرصاص في الهواء داخل مجلس كبار السن، مما اعتبر آنذاك جريمة لا تغتفر من شباب متهور تنقصه الحكمة والتبصر وبعد النظر.
هذا الشباب هو الذي قاد الارتزاق وحمل السلاح ضد الوطن الأم، واختار القوة سبيلا لفرض رأيه على عامة الصحراويين، فأغرى العشرات واختطف المئات من العائلات الصحراوية واقتادهم عنوة للاستقرار في بلد غير بلدهم ووطن غير وطنهم، وهدد من بقي منهم بالتصفية والتشهير خاصة شيوخ القبائل الذين حاولوا بكل استماتة إقناع أبناء عمومتهم بالبقاء في أرضهم والسير على نهج أسلافهم ممن ورثوا بيعة ملوك الدولة العلوية الشريفة أبا عن جد.
وفي هذا الصدد قالت وثيقة لمنتدى دعم مؤيدي الحكم الذاتي بمخيمات تندوف "اليوم تكرر البوليساريو احتفالها بذكرى 12 أكتوبر في أسوا محطاتها وأصعبها على الإطلاق منذ تأسيسها، حتى صار تاريخ 12 أكتوبر بدل أن يكون شعارها المعتاد لإعلان وحدة الصحراويين المزعومة حولها، أصبح عبئا عليها، وحدثا يذكرها وأتباعها بمرارة التجربة الفاشلة لكيان البوليساريو، وتاريخا متجددا يخول للصحراويين لحظات صدق مع الذات للوقوف على حكمة شيوخ قبائلهم حين عارضوا تأسيس البوليساريو ووقفوا ضد الشباب الطائش لثنيه عن خيار الانفصال الذي صار وبالا عليه وعلى بني جلدته، وها هم أولئك الشباب الثائرين بالأمس بعدما صاروا شيوخا، هم اليوم بين من مات ضحية لاختيار غبي وغير مدروس، وبين من اكتشف الحقيقة قبل فوات الأوان وعاد إلى ارض الوطن، وحتى من بقي مع الطرح الانفصالي أغلبهم تحذوه الرغبة في وحدة وطنية مع البلد الأم المغرب، فيما قلة قليلة تورطت من رأسها إلى أخمص أرجلها مع القوى الدولية الراعية لانقسام المغرب، ولم يعد بمقدورها التراجع عن الطريق خوفا من التصفية أو الفضيحة".
فالبوليساريو، حسب المنتدى، غلطة تاريخية وجب تصويبها بعودة المياه إلى مجاريها، وتبني خيار العودة الشاملة لكل الصحراويين بمخيمات تندوف إلى ارض الوطن، آنذاك ستتحقق الوحدة الوطنية الحقيقية والمنشودة التي طالب بها الوطنيون الأحرار قبل أربعين سنة، بعيدا عن أكاذيب وتضليلات أعداء الوحدة الترابية للمغرب.