أشرتم في كتاب "سبتة و مليلية حتى لا ننسى" إلى قضية جزيرة المعدنوس أو جزيرة تورة أو جزيرة ليلى .. فهل يمكنكم تسليط المزيد من الضوء على هذه الجزيرة التي تنافست على احتلالها عدة بلدان أوروبية كإسبانيا و فرنسا و انكلترا؟ إن ما قيل عن هذه الجزيرة في كتابنا "سبتة و مليلية حتى لا ننسى" بمعية الأستاذ جعفر بنعجيبة مختصر جدا و سأحاول الإجابة عن سؤالك بنوع من التفصيل. بتاريخ 26 فبراير 1986 نشرت الجريدة الرسمية الإسبانية تحت عدد 1. 191 مشروع قانون يضم جزيرة المعدنوس إلى دائرة تراب سبتةالمحتلة. وبعد اطلاعي على هذا المشروع حاولت الإتصال على عجل بالمسؤولين في وزارة الداخلية، و كنت إذاك مستشارا بمقر الشؤون القروية، مطالبا بمقابلة مع السيد الوزير الذي لم أتمكن من الاتصال به، و هنا تذكرت ما قاله لي صاحب الجلالة بالحرف، أثناء حديثه معي حول قضية الحدود: "المعزوزي، أينما كنت سواء في الوظيفة أو خارجها، عليك أن تبقى دائما مهتما بقضية حدود بلادك.."، و عندئذ بادرت ببعث رسالة إلى السيد وزير الدولة المكلف بالشؤون الخارجية بتاريخ 15 يوليوز 1986 هذا نصها:
الرباط في 15 يوليو 1986 إلى السيد وزير الدولة المكلف بالشؤون الخارجية أتشرف بأن ألفت نظركم إلى قضية جزيرة المعدنوس الواقعة غرب سبتة.
من المعلوم أن هذه الجزيرة لم يسبق لها أن اٌحتلت من بين الجزر الشمالية المستعمرة من طرف الإسبان، و التي هي موضوع نزاع بين المغرب و اسبانيا. و نجد هذه الجزيرة في بعض الخرائط تحت اسم "ليلى"، و أما الأسبان فيسمونها "جزيرة ذوبيريخيل" بينما تعرف لدى سكان المنطقة باسم "تورة". و يمكن للمرء أن يتساءل لماذا بقيت مهجورة، علما بأن الجزر الأخرى وقعت تحت سيطرة الإسبان، و التاريخ هنا يذكرنا بأمثلة أخرى مثل بعض المناطق الجنوبية التي احتلتها الجزائر بعد استقلالها بسبب عدم التنبه من جانبنا، و رغم تحذير الغيورين والمهتمين بمناطق الجنوب و قد قامت السلطات الاسبانية مؤخرا بوضع مشروع القانون الخاص بمدينة سبتة (البند الثاني من الجريدة الرسمية للكورتيس، رقم 1-191 بتاريخ 26 فبراير 1986) و نصت فيه على " أن منطقة مدينة سبته بما فيها جزيرة بينون دو فوليز دو لا كوميرا، وجزيرة ذوبيريخيل تعتبر داخل الحدود الحالية لدائرتها البلدية". و لا شك أن الأسبان استغلوا سكوتنا، و أرادوا جعلنا أمام الأمر الواقع بإلحاق هذه الجزيرة بباقي الجيوب الأخرى المحتلة، ولو تم لهم ذلك لبقينا مكتوفي الأيدي، فكان من الواجب على السلطة المحلية أن تأخذ التدابير اللازمة منذ استقلال المغرب لتعمير الجزيرة ومنح بعض الإعانات المادية للمقيمين بها، لتجنب الخيبة و المشاكل التي قد تحدث من جراء هذه اللامبالاة. و في تصوري فإن الأسبان لا محالة هم مقبلون على احتلال الجزيرة إن لم نفعل شيئا. و نظرا لخطورة الحالة و بصفتي أحد الأشخاص الأحياء الذين شاهدوا عن كتب كيف مر اقتطاع جزء من أراضينا الجنوبية و الشرقية، فإنني ارتأيت أن أراسلكم بكل استعجال لأخبركم بهذا الواقع و ذلك لكل غاية ترونها صالحة. و سأبقى رهن إشارتكم لإعطاء كل المعلومات الإضافية إن اقتضى الحال ذلك.
وتقبلوا سيدي الوزير أسمى التحيات و التقدير. محمد المعزوزي
و بعد ستة أيام و نظرا لخطورة القضية بعثت رسالة أخرى إلى السيد المستشار أحمد رضا كديرة، هذا نصها:
إلى الأستاذ أحمد رضا كديرة مستشار صاحب الجلالة أتشرف بأن أثير انتباهكم إلى قضية جزيرة المعدنوس الواقعة غرب مدينة سبتة وعلى بعد 200 متر من الشاطئ المغربي، فالإسبان يسمونها "دوبيريخيل" و المواطنون يطلقون عليها إسم "تورة" و هي من الناحية الجغرافية امتداد لمرتفعات جبل موسى قرب بليونش. إن هذه الجزيرة لم يسبق أن اٌحتلت من طرف الإسبان. نعم لقد سبق لها أن كانت موضوع محاولات احتلال من طرف انكلترا (1808 و 1848) التي كانت تعتبرها مركزا استراتيجيا، قد يمكنها من مراقبة الشاطئ المغربي، و مدخل البحر الأبيض المتوسط. أما اسبانيا فكانت تبرر مطامعها بادعائها أن الجزيرة تابعة لسبتة، و باءت كل مساعيها بالفشل. و فيما بعد قامت بمحاولات أخرى مدعية أن الجزيرة تعتبر أرضا خلاء، و من تم يمكن تملكها بالاحتلال، و لذلك قامت بمحاولة بناء فانوس و نصب عمود فوقه علَم (1883) لكن السلطات المخزنية بطنجة تصدت إلى هذا التطاول، و أرسلت بعض الجنود لإزالة العمود وتركيز حامية لحراسة الجزيرة، و في سنة 1902 طلب الإنكليز من المخزن رخصة لاستخراج الأحجار قصد استعمالها في أوراش جبل طارق. و مهما كان الأمر فإن الإسبان و الإنجليز والفرنسيين لم يكونوا يجهلون مغربية الجزيرة، لكنهم كانوا يسعون بكل الطرق لإيجاد مخرج يمكنهم من حماية ملاحتهم على طول الشواطئ المغربية، و إفشال محاولات الغير من احتلال الجزيرة المذكورة. هذه هي وضعية الجزيرة التي لا يشك أحد في مغربيتها. وماذا وقع بعد ذلك؟ أنها بقيت مهجورة منذ الاستقلال بينما الواجب كان يفرض علينا إقامة و إثبات وجودنا بالفعل وبصفة قاطعة كي لا يطمع فينا طامع. و الآن نشعر بأن خطرا يلوح في الأفق، و لأول مرة بهذه الطريقة، ألا وهي إضفاء الشرعية على هذا الاحتلال بالالتجاء إلى ضمها قانونيا، و ذلك لأن اسبانيا التي قررت وضع قانون خاص للمدينتين المغتصبتين، تحاول علانية إدماج جزيرة المعدنوس ضمن تراب سبتة بغية توسيع نفوذها بالمنطقة الشمالية- وها هو ذا نص مشروع القانون المنشور بالجريدة الرسمية للكورتيس رقم 1 – 191 بتاريخ 26 فبراير 1986: "إن منطقة مدينة سبتة بما فيها جزيرة (بينون دو فوليز دو لا كوميرا) و جزيرة "ذوبيريخيل" تعتبر داخل الحدود الحالية لدائرتها البلدية". فكيف يمكن أن نواجه هذه المناورة الإسبانية ذات العواقب الوخيمة؟ و كيف يمكن إحباط هذا المشروع الاستعماري، إلا بالوجود الفعلي بهذه الجزيرة، في الحين و بدون انتظار ؟ أينبغي لنا دائما أن نلتزم السكوت أمام الحوادث المفاجئة و الخطيرة إلى أن يصادق الإسبان على نص التشريع المقترح؟ يعني الشروع في بتر جزء من ترابنا الوطني؟ و لا شك أن إسبانيا عازمة على هذا الأمر في وقت قريب، الشيء الذي سيعطي لهذه القضية أبعادا أخرى. و ليس من الصدف أن يحاول الإسبان جس نبضنا بمحاولة استخراج الأحجار من الجزيرة شهورا قليلة قبل نشر القانون المشار إليه. و ما ذا عسانا نفعل إذا تركناهم ينفذون خطتهم و يجعلوننا أمام الأمر الواقع ؟ أيكفينا أن نرفع الاحتجاجات ونظهر غضبنا؟ بينما الواجب كان يفرض علينا اليقظة و الحزم في مثل هذه القضايا المصيرية. و أمام هذا الخطر المحدق بترابنا ارتأيت من الواجب أن الفت نظركم لاتخاذ ما ترونه مناسبا. وتقبلوا سيدي المستشار أسمى عبارات التقدير. محمد المعزوزي.
و بعد خمسة أشهر على رسالتي الموجهة إلى السيد المستشار بعث هذا الأخير رسالة إلى السيد وزير الشؤون الخارجية هذا نصها:
المملكة المغربية الديوان الملكي مستشار صاحب الجلالة 4/6884 السيد عبد اللطيف الفيلالي وزير الشؤون الخارجية و التعاون السيد الوزير نشرت الجريدة الرسمية للمملكة الاسبانية مشروعين للمصادقة على القانون المتعلق بمدينتي سبتة و مليلية. و يشير المشروع المتعلق بالقانون الخاص بمدينة سبتة في بنده الثاني إلى إدماج جزيرة "تورة" (جزيرة دوبيريخيل بالإصطلاح الاسباني) في دائرة المنطقة البلدية لسبتة. إن المظهر الخادع لهذا الادعاء الاسباني يبدو جليا كادعاءاتهم الأسبنة المزعومة للجيوب المحتلة. و بمجرد ما أخبر جلالته بهذا الادعاء من طرف اسبانيا، أمر جلالته فورا بإعطاء التعليمات لتقوموا بالإجراءات الضرورية لدى السلطات الاسبانية. أما مشروع المذكرة الشفوية التي تنوون توجيهها إلى سفارة اسبانيا و التي بعثتم بها إلي، فإنها تضع الأمور في موضعها ولا تثير أية ملاحظة خاصة. أحمد رضا كديرة
و بتاريخ 5 يناير 1987 بعثت وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الخارجية مذكرة شفوية إلى سفارة اسبانيا هذا نصها:Note verbale
الرباط في 5 يناير1987 المملكة المغربية وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الخارجية و التعاون رقم11 م.ش.ق.م "تهدي وزارة الشؤون الخارجية و التعاون أطيب تحياتها إلى سفارة اسبانيابالرباط وتتشرف بأن تنهي إلى علمها أن حكومة صاحب الجلالة بعدما اطلعت على محتوى مشروعي القانون المتعلقين "بالموافقة على وضع مدينة سبتة" و"الموافقة على وضع مدينة مليلية " و المنشورين على التوالي في الجريدة الرسمية للبرلمان الإسباني – غرفة النواب- الدورة التشريعية الثانية رقم 191 – 1 و 192 -1 لا يسعها إلا أن تكرر للحكومة الإسبانية أشد تحفظاتها على أي تشريع من جانب واحد، قد يحاول كليا أو جزئيا ، تغيير معطيات النزاع الترابي المتبقى بين البلدين الصديقين بشأن الجيوب التي ما زالت توجد تحت الإدارة الإسبانية بالساحل الشمالي المغربي، و ذلك على الرغم من عودة الجزء الأكبر من تلك المنطقة إلى المغرب المستقل منذ أزيد من ثلاثين سنة خلت. إن مشروع القانون المودع لدى البرلمان الإسباني بشأن مدينة سبتة تحت العنوان المذكور أعلاه ، "الموافقة على وضع مدينة سبتة" " قد أثار بكيفية خاصة انتباه حكومة صاحب الجلالة حيث أنه يرمي، بصفة مؤسفة في مادته الثانية إلى اعتبار الجزيرة الصغرى المغربية "تورة" – المعروفة "بجزيرة المعدنوس" في الاصطلاح الإسباني – جزءا مما سماه مشروع قانون الحكومة الإسبانية" الدائرة الترابية لبلدية سبتة". غير أنه لا يخفى على الحكومة الإسبانية أن جزيرة "تورة" (المعدنوس) هذه التي يطلق عليها السكان المحليون اسم "جزيرة ليلى" لا توجد سوى على مسافة 250مترا فحسب من اليابسة، و على حوالي أربعة كيلومترات غرب جيب سبتة فهي بالتالي تقع ليس فقط في نطاق المياه الإقليمية بل و في نطاق المياه الداخلية للمملكة المغربية وذلك بموجب مقتضيات المرسوم رقم 2-75-311 بتاريخ 21 يوليوز 1975 الذي يحدد خطوط انسداد الخلجان على الشواطئ المغربية والإحداثيات الجغرافية لحدود المياه الإقليمية للمملكة المغربية الصادر بالجريدة الرسمية رقم 3275 بتاريخ 4 شعبان 1395(13غشت 1975)، و هو النص الذي سواء بسواء كمثيله الإسباني (ألا وهو : المرسوم الملكي رقم 627 – 1976 بتاريخ 5 مارس 1976 كما تم تعديله و تتميمه و الصادر في الجريدة الرسمية للدولة رقم 77 بتاريخ 30 مارس 1976) قد تم تسجيله رسميا لدى الأمانة العامة لهيئة الأممالمتحدة التي أشعرت به جميع الدول الأعضاء. و بالإضافة إلى ذلك، فإن أيا من المصادر الرسمية أو شبه الرسمية الاسبانية – وخاصة منذ1976 - سبق له أن أشار بأي شكل كان إلى جزيرة "المعدنوس" الآنفة الذكر من بين ما يعرف "بالمعاقل الصغرى" التابعة لجيب سبتة و المعهودة قائمتها جيدا في جميع المحافل الدولية و الجهوية التي طرحت على أنظارها قضية "المعاقل الإسبانية بشمال المغرب" أو تلك التي اتخذت موقفا لا يشوبه أي التباس بشأن حقيقة وضع هذه المعاقل. هذا و لقد أبرز، كما هو معروف،التصريح المشترك الاسباني المغربي المؤرخ في 7 أبريل 1956 بين الحكومة الاسبانية و المغفور له جلالة محمد الخامس و الذي أعيد على إثره الجزء الأكبر مما كان يسمى سابقا المنطقة الشمالية إلى الغرب المستقل، "الرغبة في التعامل في ما بينهما بصفة حبية للغاية على أساس المعاملة بالمثل بغية تقوية أواصر الصداقة العريقة بين البلدين و تعزيز السلم في المنطقة..." و بنفس المناسبة أكدت الحكومة الاسبانية "عزمها على احترام الوحدة الترابية للمغرب" كما " التزمت باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لجعلها حقيقة ملموسة". و الحالة هذه، فإن حكومة صاحب الجلالة حسبها أن تأمل أنه سوف لا يتم اتخاذ أية مبادرة من شأنها أن تعقد بصفة غير محمودة النزاع الترابي المستمر بين المملكة المغربية والمملكة الإسبانية، و أن إرادة الوفاق المتقاسمة و كذلك روح المسئولية، اللذين تشبع بهما التصريح المشترك المؤرخ في 7 أبريل 1956، ستسودان دوما و في كل حين العلاقات بين البلدين المتشاطئين بمضيق جبل طارق اللذين وعيا منهما كامل الوعي بالواجب التي يمليه عليهما حسن الجوار، قد التزما بالتصرف، تصرف الأصدقاء، و ذلك مهما كانت الظروف. و تنتهز وزارة الشؤون الخارجية و التعاون هذه الفرصة لتجدد لسفارة اسبانيابالرباط عبارات فائق تقديرها واحترامها.