يخلد الشعب المغربي، بعد غد الاثنين، الذكرى 436 لمعركة وادي المخازن، التي جسدت أروع صور البطولة والصمود من أجل الدفاع عن حوزة الوطن وإعلاء راية الإسلام. إن تخليد الشعب المغربي، وفي طليعته أسرة المقاومة وجيش التحرير، لذكرى معركة وادي المخازن، في غمرة احتفالاته بالذكرى 15 لاعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه الميامين، والذكرى 61 لملحمة ثورة الملك والشعب، يتوخى منه إبراز معاني الاعتزاز بالملاحم التاريخية الوطنية والتعريف بها، واستلهام قيمها في مسيرات إعلاء صروح المغرب الجديد، بقيادة باعث النهضة المغربية، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي يواصل مسيرة الجهاد الأكبر، ارتقاء بالوطن في مدارج التقدم والحداثة، وترسيخ الديمقراطية، وتعزيز النهضة التنموية الشاملة والمستدامة بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والبشرية، وإذكاء الإشعاع الحضاري للمغرب كقلعة عريقة متمسكة بقيم السلام والإخاء وفضائل التضامن والتعاون والاعتدال والتسامح والمبادئ الإنسانية المثلى.
وفي استرجاع تاريخي لفصول هذه المعركة، أبرزت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في بلاغ لها، أنها وقعت في ظروف إقليمية ودولية دقيقة تميزت بدخول العثمانيين في سلسلة من المواجهات العسكرية ضد الأوروبيين، وفي تحالفات عدة، مستغلين أوضاع الشمال الإفريقي وخاصة الوضع بالمغرب، بهدف استغلال المراسي والموانئ الأطلسية ومرسى العرائش بوجه خاص.
وقد شكل مرسى العرائش الذريعة التي استخدمها البرتغاليون لتبرير حملتهم على المغرب، بدعوى أن الأتراك كانوا عازمين على احتلالها مهما كان الثمن، وقد علق أحد المؤرخين الإسبان على أهمية العرائش بأنها تعادل سائر مراسي المغرب.
وفي حمأة الأطماع الخارجية على المغرب، ونهج السلطان عبد المالك السعدي خطا متوازنا بذكائه السياسي وفهمه الحقيقي للظرفية الوطنية ولنوايا الأطراف الأوروبية ومعرفته الدقيقة بآليات القوى الدولية خلال منتصف القرن السادس عشر، استطاع المغرب الحفاظ على استقلاله وسيادته، غير أن ملك البرتغال ركب أطماعه مغامرا في حملة كبيرة مستهدفا الهيمنة وبسط نفوذه على الكيان المغربي الحر المستقل والقوي.
واستعان السلطان عبد المالك السعدي في الإعداد للمعركة بحنكته السياسية وأدرك منذ البداية أهمية عامل الزمن بالنسبة للمغاربة. وهكذا، كاتب دون سبستيان ويعرض عليه السلام والتفاوض لربح الوقت والاستعداد للمواجهة المحتملة. وعندما تحرك دون سبستيان ووصلت جيوشه إلى منطقة طنجةأصيلة، كاتبه السلطان عبد المالك السعدي بغير أسلوبه العادي، وبما يؤدي إلى جر جيوش دون سبستيان إلى معترك اختاره عبد المالك بكل عناية، ألا وهو سهل وادي المخازن. ومما جاء في رسالته الموجهة إليه "إن سطوتك قد ظهرت في خروجك من أرضك وجوازك العدوة، فإن تبت إلى أن نقدم عليك، فأنت نصراني حقيقي شجاع ...".
واستطاع السلطان عبد المالك السعدي أن يجر الجيش البرتغالي إلى سهل وادي المخازن ما كان له أكبر الأثر في تحديد مصير المعركة قبل أن تقع.
وكانت القوات البرتغالية التي عبرت إلى المغرب تضم أسطولا يفوق عدد وحداته 500 قطعة بحرية تقل على متنها جيشا نظاميا وكثيرا من المرتزقة، والحشود الحليفة الداعمة، فضلا عن وضع الملك الاسباني رهن إشارة ملك البرتغال وحدات بحرية أخرى انضمت إلى الجيش البرتغالي.
ولما بدأت الجيوش الغازية تتوغل شيئا فشيئا بعيدا عن ميناء العرائش، برهن المغاربة على ذكائهم عندما استدرجوا الجنود وتركوهم يتسربون إلى أن عبروا وادي المخازن واستقروا في السهل الموجود على يمين نهر اللوكوس. وفي يوم الاثنين 4 غشت 1578 دارت معركة حامية الوطيس بوادي المخازن في منطقة السواكن بعد أن حطم المغاربة جسر النهر لمنع تراجع القوات الغازية نحو ميناء العرائش، ومني البرتغاليون بخسارة جسيمة حيث قتل ملكهم، والملك المخلوع محمد المتوكل، كما توفي السلطان عبد المالك السعدي إبان المعركة بسبب تسمم تعرض له من الأعداء. وقد أخفى خلفه السلطان أحمد المنصور الذهبي نبأ وفاته ليواصل تدبير وقيادة المعركة التي اصطلح على تسميتها بمعركة الملوك الثلاثة والتي أكسبت المغرب مجدا تليدا، وحقق فيها المغاربة نصرا مبينا زاد من هيبة المغرب ومكانته في إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، وظلت باعث عز وشرف له كدار للإسلام والسلام والأمن يحتمي به المسلمون كافة ويحظى بتقدير سائر أقطار المعمور.