من المؤكد أن الزيارات المتوالية التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله ، منذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين ، للعديد من البلدان الإفريقية قد أضفت دينامية جديدة على الخيار الاستراتيجي للمملكة ، من خلال الدفع بالتعاون جنوب- جنوب في إطار شراكة فعالة ومتضامنة. وقد حرص جلالة الملك ، أشد ما يكون الحرص ، على القيام بزيارات منتظمة إلى عدد من الدول الإفريقية الشقيقة والصديقة ، بهدف ترسيخ نموذج للتعاون جنوب- جنوب ، باعتباره السبيل الأنجع لتحقيق التنمية والاندماج في الفضاء الإفريقي.
وتندرج الجولة الإفريقية الجديدة لجلالة الملك ، التي تشمل كلا من مالي ، وغينيا، والكوت ديفوار ، والغابون ، في سياق هذه الرؤية الاستراتيجية للعمق الإفريقي للمغرب، وذلك من أجل تعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق التنمية والاندماج على صعيد القارة السمراء. وتروم هذه الجولة مزيد تقوية البعد الإفريقي للمملكة والرفع من وتيرة ومستوى التعاون مع البلدان الإفريقية وتوطيد العلاقات الثنائية مع هذه البلدان في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية والروحية والاجتماعية.
ومن البديهي أن يطال هذا الزخم ، الذي تشهده العلاقات المغربية الإفريقية على جميع المستويات ، جمهورية غينيا كوناكري ، التي سيزورها جلالة الملك محمد السادس لأول مرة منذ تربع جلالته على العرش في سنة 1999.
وكما قال محمد دياني مدير ديوان الرئيس الغيني ألفا كوندي فإن غينيا ، قيادة وحكومة وشعبا، تنتظر هذه الزيارة الملكية الميمونة منذ مدة طويلة حيث ستشكل فرصة لقائدي البلدين لتعزيز علاقات التعاون الثنائي ،متوقعا " أن تساهم هذه الزيارة في إطلاق عدد من المشاريع المغربية في غينيا".
لذلك فإن الزيارة الرسمية لجلالة الملك لغينيا تكتسي أهمية بالغة في مسار تقوية العلاقات بين البلدين لاسيما أنها الأولى من نوعها منذ اعتلاء جلالة الملك العرش، علما بأن هذه العلاقات ظلت دائما ممتازة ومميزة منذ حصول البلدين على استقلالهما .
وقد حرص البلدان على الحفاظ على هذه العلاقات المثالية، وهو ما أكده الرئيس ألفا كوندي خلال استقباله يوم 9 دجنبر الماضي في كوناكري لوزير الشؤون الخارجية والتعاون السيد صلاح الدين مزوار ، حيث عبر له عن استعداد بلاده للمزيد من المساندة للمغرب في كل قضاياه الوطنية وفي مقدمتها قضية وحدته الترابية التي ظلت غينيا في طليعة البلدان المدافعة ، بكل صدق وإخلاص ، عن مغربية الصحراء في المحافل الإقليمية والقارية والدولية.
كما أعرب الرئيس الغيني لوزير الخارجية المغربي عن شكره لجلالة الملك محمد السادس على الدعم الذي منحه المغرب لغينيا من أجل تنظيم الدورة 40 لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي التي احتضنتها غينيا ما بين 9 و11 دجنبر المنصرم.
وأكد السيد مزوار بالمناسبة حرص المغرب على مواكبة دعم غينيا في مشاريع الاستثمار والتنمية، وتقديم المساعدة الضرورية لها لتكوين الأطر في مجالات الأمن والفندقة والدبلوماسية.
ويرتبط المغرب وجمهورية غينيا بالعديد من الاتفاقيات في مجالات شتى ، حيث تم التوقيع في ثاني مايو 2002 على سبع اتفاقيات ، في ختام أشغال الدورة الخامسة للجنة العليا المشتركة للتعاون المنعقدة بالرباط، همت ميادين الإعلام والسياحة وإنعاش وحماية الاستثمارات والتعليم العالي والبحث العلمي والثقافة والصناعة وبروتوكول تعاون حول إحداث معهد عالي للتجارة وإدارة المقاولات بغينيا.
كما وقع البلدان اتفاقيات للتعاون في مجال الإدارة العمومية والملاحة الجوية والصحة.
وتم التوقيع بكوناكري في 6 مارس 2008 على اتفاقية يضع المغرب بموجبها رهن إشارة غينيا مبلغ 2ر1 مليون درهم كمساهمة في مشروع إعادة تأهيل شبكة تزويد العاصمة الغينية بالماء الصالح للشرب.
ووقع البلدان في 26 أكتوبر 2004 على على مذكرة تفاهم بين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارة الرابطة الإسلامية الوطنية في غينيا تقضي بتشكيل لجنة مشتركة يرأسها وزيرا القطاعين تجتمع بالرباط وكوناكري بالتناوب مرة على الأقل في السنة وذلك لمتابعة تنفيذ البرامج المقررة.
وسيتعزز التعاون الثنائي في الشأن الديني بتكوين أئمة غينيين بالمملكة بعد تفضل أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس،أيده الله ، بإعطاء أمره السامي المطاع بالموافقة المبدئية على طلب تقدت به الأمانة العامة للشؤون الدينية بجمهورية غينيا في الموضوع بما يخدم قيم الاعتدال والوسطية ويكرس مبادئ الدين الإسلامي السمحة.
كما أعطى أمير المؤمنين موافقته المبدئية على طلبين مماثلين من الجمهورية التونسية والجمهورية الليبية،علما بأن مالي تستفيد حاليا من تكوين 500 إمام بالمغرب.
وكان المركز المغربي لإنعاش الصادرات قد أرسى أسس شراكة بين المغرب وغينيا مربحة للجانبين تعتمد على تبادل التجارب وتوطيد العلاقات بين الفاعلين الخواص.
وفي هذا الصدد أكد المدير العام للمركز سعد الدين بنعبد الله، خلال يوم دراسي حول المبادلات بين المغرب وغينيا أقيم العام الماضي في كوناكري، استعداد رجال الأعمال المغاربة لتقاسم مهارتهم وخبرتهم مع نظرائهم من غينيا بهدف تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين.
واعتبر بنعبد الله أن نقط قوة الشراكة بين غينيا والمغرب تتمثل في تواجد مجموعة أخرى من الفاعلين الاقتصاديين المغاربة في إفريقيا من بنوك وشركات تأمين ونقل جوي.