صادق المجلس التأسيسي في تونس امس الأحد 26 يناير 2014، على الدستور الجديد للبلاد بأغلبية ساحقة من أعضائه، بعد ثلاثة سنوات من الثورة التونسية مهد الربيع الديمقراطي. وصوت مائتان من أعضاء المجلس التأسيسي لصالح نص الدستور الجديد، مقابل 12 معترضين، و4 أعضاء ممتنعين. وأشاد رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر بروح التوافق التي سادت عملية المصادقة على الدستور التونسي الذي صاغه المجلس المنبثق عن انتخابات 23 اكتوبر 2011.
ويتكون الدستور الجديد من "توطئة" (ديباجة) و149 فصلا. وفي الاصل فانه في حال لم يصوت ثلثا أعضاء المجلس التأسيسي (145 نائبا من أصل 217) على الدستور في "قراءة أولى"، يعرض مجددا بعد شهر على التصويت "في قراءة ثانية". وإن لم يحظ الدستور بالأغلبية ذاتها في "القراءة الثانية" يتم طرحه على استفتاء شعبي. وكان المجلس التأسيسي شرع في التصويت على الدستور "فصلا فصلا" في الثالث من يناير الحالي لينتهي من هذه العملية في 23 من الشهر نفسه.
وسيعوض الدستور الجديد دستور سنة 1959 الذي تم تعليق العمل به بعد الإطاحة في 14 يناير 2011 بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وبعد انتخابات 23 اكتوبر 2011 ، وقعت أبرز الاحزاب الممثلة في المجلس التأسيسي ومن بينها حركة النهضة الاسلامية الفائزة في الانتخابات وصاحبة أغلبية المقاعد في المجلس (90 مقعدا من إجمالي 217) على التزام بالانتهاء من صياغة الدستور خلال عام واحد من تاريخ الانتخابات.
لكن المجلس التأسيسي لم يلتزم بذلك بسبب التجاذبات السياسية بين الاسلاميين والعلمانيين، والأزمة السياسية الحادة التي فجرها في 2013 اغتيال المعارض العلماني شكري بلعيد والنائب محمد البراهمي وقتل نحو 20 من عناصر الجيش والأمن في هجمات نسبتها وزارة الداخلية إلى جماعات "تكفيرية".
وكان مهدي جمعة أعلن مساء الأحد أنه قدم للرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي تشكيلة حكومته المؤلفة من مستقلين والتي يفترض أن تخرج تونس من أزمة سياسية عميقة وتحصل على ثقة المجلس التأسيسي هذا الأسبوع. وقال جمعة "سلمت الرئيس قائمة بأعضاء الحكومة المكلفة للحصول على ثقة المجلس الوطني التأسيسي".
وقال جمعة في مؤتمر صحافي "قدمت له تشكيلة الحكومة الجديدة المرشحة لنيل ثقة المجلس الوطني التأسيسي وان شاء الله تنال ثقة المجلس في أقرب وقت". وأضاف "الحكومة شكلتها على أساس ثلاثة معايير هي الاستقلالية والكفاءة والنزاهة" مؤكدا ان فريقه الحكومة يضم "أحسن الكفاءات". وأبقى جمعة في حكومته التي تضم 21 وزيرا و7 كتاب دولة (وزراء دولة)، لطفي بن جدو وزير الداخلية، رغم انتقادات أحزاب المعارضة.
وعين رئيس الوزراء، منجي حمدي وهو دبلوماسي مخضرم وزيرا للخارجية والاقتصادي حكيم بن حمودة وزيرا للمالية. وشغل بن حمودة وهو ذو توجه ليبرالي منفتح منصب المستشار الخاص لرئيس البنك الافريقي للتنمية. وسيتولى غازي الجريبي وهو رئيس سابق للمحكمة الادارية وزارة الدفاع. وأعاد الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي الأحد، تكليف المهندس مهدي جمعة (52 عاما) تشكيل حكومة مستقلين من المفترض أن تقود البلاد حتى إجراء انتخابات عامة، وذلك غداة فشله في تقديم تشكيلة حكومته إلى المرزوقي في الأجل القانوني الأقصى المحدد السبت. وكان يفترض أن يقدم جمعة فريقه الحكومي السبت وهو آخر أجل محدد بخارطة الطريق لرباعي الحوار الوطني لكن تعذر ذلك بسبب إبقائه على وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة لطفي بن جدو في منصبه.
وتمسكت المعارضة حتى آخر لحظة من ليل السبت / الأحد بتشكيل حكومة جديدة انطلاقا من "ورقة بيضاء" بينما دعم الائتلاف الحاكم الحالي بقيادة حركة النهضة الإسلامية الإبقاء على لطفي بن جدو ما اضطر المهدي جمعة لإرجاء تقديم فريقه الحكومي إلى اليوم بحثا عن التوافق بين الفرقاء السياسيين.
وتحل حكومة المستقلين محل الحكومة المستقيلة التي كانت تقودها حركة النهضة الإسلامية، وذلك وفقا لبنود "خارطة طريق" طرحتها المركزية النقابية القوية لإخراج البلاد من أزمة سياسية حادة استمرت شهورا.
من ناحية أخرى رفع المجلس الوطني التأسيسي التونسي مساء الأحد، النصاب القانوني اللازم لسحب الثقة من الحكومة. وصادق المجلس في جلسة عامة على تعديل الفقرة الثانية من الفصل 19 من "التنظيم (القانون) المؤقت للسلط العمومية" المعروف باسم "الدستور الصغير"، التي تحدد النصاب القانوني اللازم لسحب الثقة من الحكومة أو أحد أعضائها.
وأصبحت هذه الفقرة تقول في صيغتها المعدلة "تشترط لسحب الثقة من الحكومة أو أحد الوزراء موافقة أغلبية ثلاثة أخماس أعضاء المجلس" التأسيسي الذي يعد 217 نائبا؛ أي 132 نائبا. وكانت الفقرة ذاتها تنص في صيغتها الأصلية على إمكانية سحب الثقة من الحكومة بأكملها أو من أحد أعضائها في حال وافقت على ذلك "الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس" أي نصف الأعضاء زائد واحد (109 نواب).