يسعى النظام العسكري الجزائري إلى اختراق حاجز القطيعة في منطقة القبائل من خلال استقطاب شخصيات جديدة، يأمل في أن يردم بواسطتهم ولو جزءا من الهوة المتراكمة بينه وبين المنطقة وأهاليها. وكشف العدد الجديد من الجريدة الرسمية للجمهورية، عن تعيين القيادي والوزير السابق حميد لوناوسي، في منصب مستشار لدى رئاسة الجمهورية، مكلف بالمنظمات الوطنية والدولية والهيئات غير الحكومية، في خطوة تستهدف استمالة منطقة القبائل بواسطة الشخصية الجديدة التي شغلت منصبا قياديا في حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، ووزيرا للنقل خلال السنوات الماضية. وجاء تعيين لوناوسي، في المنصب الجديد، مع استقبال الرئيس المعين عبد المجيد تبون، لوفد النواب المستقلين برئاسة النائب عن محافظة تيزي وزو عبد الوهاب آيت منقلات، رغم اللغط الذي أثير حول مسرحية الانتخابات التشريعية، وتسجيل القبائل لنسبة مشاركة هي الأضعف وطنيا حيث لم تتعد الواحد في المائة. ويبدو أن نظام الجنرالات من خلال هذا التوجه يريد تكرار تجارب سابقة لاختراق جدار القطيعة بينه وبين المنطقة التي توصف ب"المتمردة"، عبر توظيف بعض أبنائها في المؤسسات الرسمية والسيادية، لإضفاء انخراطها في المجموعة الوطنية. ومنذ بداية احتجاجات الحراك الشعبي في البلاد العام 2019، شكلت المنطقة وعاء رئيسيا للاحتجاجات المناهضة للنظام العسكري، وتشكل الآن القاعدة الأخيرة للحراك، حيث لاتزال المسيرات والمظاهرات الأسبوعية مستمرة بشكل لافت في محافظات تيزي وزو وبجاية والبويرة، عكس العاصمة وباقي المحافظات الأخرى التي تطبق فيها السلطات قبضة أمنية غير مسبوقة وتمارس فيها قمعا شرسا في حق النشطاء والمعارضين. وازداد تمسك المنطقة بالقطيعة مع النظام العسكري خلال مسرحية الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، حيث سجلت أقل نسبة على المستوى الوطني في الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر 2019، والاستفتاء على الدستور في نوفمبر 2020، الأمر الذي حمل مخاوف كبيرة لدى نخب سياسية في البلاد من مخاطر عزل المنطقة ووضعها على عتبة الانفصال الذي تطالب به "حركة استقلال القبائل"، في ظل إصرار النظام العسكري على تمرير أجندته رغما عن إرادة قطاع عريض من الجزائريين. ومع إطلاق حملات قوية من طرف دوائر خفية منها ما نسب إلى السلطة، بواسطة حرب إلكترونية لتشويه المنطقة وربطها بالتيار الموالي لفرنسا (الطابور الخامس)، وبتغلغل تنظيم "ماك" المصنف مؤخرا من طرف الحكومة كتنظيم إرهابي، يبدي السكان إصرارا على الاستمرار في مناهضة السلطة والتمسك بمطالب التغيير الشامل ورحيل النظام العسكري في إطار وطني موحد. واشتدت القطيعة بين الطرفين خلال الأشهر الماضية، مع إعلان الأحزاب السياسية المحسوبة على المنطقة، كالتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية، والحزب الاشتراكي للعمال، عن مقاطعة الانتخابات النيابية المبكرة التي جرت خلال هذا الشهر. وبعيدا عن صدقية وشرعية هؤلاء لدى الشارع القبائلي، فإن النظام العسكري بات مجبرا على اختراق القطيعة ولو بأشخاص لا تأثير لهم في التعبئة الميدانية، لأن المهم بالنسبة له هو إضفاء حالة من التوازن الجهوي وكسر تهمة عزل النظام لمنطقة بكاملها. وحسب نسخة من محضر الانتخابات التشريعية في محافظة تيزي وزو، فإن رئيس كتلة النواب المستقلين عبد الوهاب آيت منقلات، لم يحصل إلا على 78 صوتا فقط، غير أن منطق الانتخابات والفوز بمن حضر، جعل منه نائبا برلمانيا على ولاية تيزي وزو. والرجل معروف بمواقفه الموالية للسلطة، فعلاوة على شغله في وقت سابق لمنصب رئيس بلدية، فإنه شغل أيضا منصب مدير حملة انتخابية للمرشح الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، خلال استحقاقات رئاسية ماضية. عن موقع جريدة "العرب" بتصرف