عقد رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، السيد شكيب بن موسى، اليوم الخميس بباريس، جلسة استماع مع مغاربة من الجالية المقيمة في فرنسا، وذلك قصد تحديد مساحات للتفكير وتغذية النقاش الدائر حاليا حول النموذج التنموي الجديد الذي يريده صاحب الجلالة الملك محمد السادس من خلال مقترحات ملموسة. وسيلي جلسة الاستماع هاته، الأولى من نوعها خارج المغرب، لقاءات أخرى مع الجالية المغربية، حيث جرت بحضور مجموعة من الكفاءات المغربية والفاعلين الجمعويين المقيمين بفرنسا. وتقوم اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، منذ 02 يناير الماضي، بمشاورات مع مختلف التمثيلات الاجتماعية والسياسية على المستوى الوطني. وطوال مهمتها، تتوخى اللجنة المساهمة في إطلاق "نقاش عمومي وتشاركي" في جو من "الشفافية والانفتاح"، بما يفسر أهمية انخراط مغاربة العالم في هذا النقاش. وخلال اجتماع باريس، الذي جرى بحضور الرئيس المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط، السيد مصطفى التراب، وهو أيضا عضو في اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، أكد السيد بنموسى بعد تقديمه للمحة حول المهمة التي كلفت اللجنة بإنجازها، أن بلورة نموذج تنموي لا يمكن أن يتحقق في معزل عن انخراط مجموع الفاعلين، مؤكدا أنه تم وضع مجموعة من الآليات التي تتيح "إقرار هذا البناء المشترك على أرض الواقع". وهكذا - يضيف بنموسى- تم إطلاق سلسلة من جلسات الاستماع منذ إحداث اللجنة، والتي تمت توسعتها لتشمل العديد من الفاعلين. كما تم القيام بزيارات ميدانية، على غرار تلك التي تم القيام بها لتارودانت، وذلك بغية شد الرحال إلى قرى صغيرة سعيا إلى الالتقاء بالمواطنين وتجميع وجهات نظرهم حول النموذج التنموي اللذين يرغبون فيه لبلادهم والإنصات لآرائهم واقتراحاتهم. وأشار رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، أيضا، إلى الشروع مؤخرا في لقاءات مواطنة، حيث وجهت الدعوة للمواطنين قصد الانخراط بدورهم في هذه المشاورات. فقد تم اختيار مائة من المشاركين على أساس معايير محددة بغية تمكينهم من تقديم وجهات نظرهم، مشيرا إلى أن هذا الإجراء نفذ في مدينة العرائش ليتم بعد ذلك توسعته ليشمل مدنا وبلدات مغربية أخرى. وأعرب رئيس اللجنة، في هذا السياق، عن أمله في أن تتمكن الجمعيات على غرار تلك الحاضرة في لقاء باريس، من تنظيم لقاءات سميت ب "لقاءات التصديق"، والتي ستعرض نتائج نقاشاتها على اللجنة. وأشار في هذا الصدد إلى أن الموقع الإلكتروني للجنة سيشتمل على "خانة للمساهمات المباشرة"، المخصصة للمشاركة في انبثاق هذا النموذج التنموي. وبخصوص مساهمة مغاربة العالم في انبثاق النموذج التنموي الجديد، أكد السيد بنموسى على تصور "البناء المشترك"، قائلا إن "مغاربة العالم يمثلون 15 بالمائة من الساكنة. إنه منجم هائل للكفاءات. فهذه الجالية التي تعد بمثابة جسر بين بلدان الأصل وبلدان الاستقبال، تساهم لا محالة في نمو المغرب، لكن لديها طلبات خاصة بها"، بما يحتم الإنصات لها واستقاء وجهة نظرها. وأضاف رئيس اللجنة، أنه وفضلا "عن الانتظارات الخاصة بهذه الفئة من الساكنة المغربية، هناك الفكرة التي تتعلق بالمساهمة المباشرة في بلورة هذا النموذج. فهناك أيضا البعد المتعلق بالمصاحبة، على اعتبار أن هذه التجربة المعاشة والمختلفة بوسعها أن تكون مهمة بالنسبة للمغرب إزاء هذه القفزة صوب المستقبل". واستطرد قائلا "نعتقد أنه يمكن لمغاربة العالم أن يشكلوا جزءا من إجابة النموذج التنموي"، مضيفا "قناعة اللجنة أنه كلما تم بناء النموذج بشكل مشترك وجرى تملكه من طرف مغاربة العالم، كلما استطاع النموذج بلوغ أهدافه". وأعلن رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي في هذا السياق أن اجتماعات أخرى سترى النور مع أعضاء اللجنة، داعيا ممثلي الجمعيات المغربية إلى التفكير في المواضيع التي ترغب في التدخل بشأنها. وشكل هذا الاجتماع الأول للاستماع إلى مغاربة العالم فرصة للعديد من الكفاءات والفاعلين الجمعويين المغاربة المقيمين بفرنسا لتقديم رؤيتهم حول النموذج التنموي، وكيفية اعتزامهم المساهمة فيه، عبر تمكين بلدهم الأم من الخبرات المكتسبة في المهجر، مع توجيه أصابع الاتهام للثغرات ومكامن الضعف التي تشوب النموذج الاقتصادي والاجتماعي الحالي. الاستلهام من النماذج الاقتصادية الناجحة في جميع أنحاء العالم من قبيل سنغافورة أو الهند، وتثمين مساهمة المجتمع المدني وجعله طرفا فاعلا في هذا البناء المشترك للنموذج التنموي، وتعزيز وتشجيع الشركات الصغرى والمتوسطة، وجعل المغرب رائدا في المجال الصناعي والرقمي، وتطوير صناعة الطيران في مختلف مناطق المغرب، إحداث مشاريع كبرى ذات قيمة مضافة عالية وذات تأثير قوي على إحداث فرص الشغل وخلق الثروة، إحداث صندوق استثماري للجالية المغربية المقيمة بالخارج، تسويق المغرب على نحو أفضل دوليا... هي العديد من المسارات المشار إليها من طرف مغاربة العالم خلال هذا اللقاء. كما تم التطرق خلال جلسة الاستماع هاته، لمسألة هجرة الأدمغة والتنقيب عن الكفاءات أينما كانت وكيفية إقناعها بالعودة إلى المغرب، إلى جانب مسألة الحق في التصويت بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج. كما تطرقت أصوات أخرى للقضايا المتعلقة بالاستثمار في المغرب، وذلك في ما يرتبط بتبسيط الإجراءات بالنسبة للجالية المقيمة في الخارج. ومن بين ما أثير، أيضا، خلال هذا اللقاء، ضرورة منح الصوت للشباب، وتحصينهم ضد كل الانحرافات، وتمكينهم من التعليم والتكوين وإدماجهم في المنظومة الاقتصادية، ووضع برامج لمصاحبة مقاولة الشباب انطلاقا من التعليم الإعدادي والثانوي في جميع المناطق. من جهة أخرى، أجمع مغاربة فرنسا الحاضرون في جلسة الاستماع هاته على تأكيد ضرورة توحيد الجالية المغربية، التي تعتبر "منجما هائلا للكفاءات". ولهذه الغاية، اقترح بعض المتدخلين الاستلهام من النماذج الناجحة لعدد من البلدان وتنظيم يوم عالمي للجالية، بينما اقترح آخرون إحداث أرضية للمبادرات والأعمال. وفي معرض حديثه عند نهاية هذا اللقاء، أكد السيد التراب أن "مغاربة العالم والمغاربة بأرض الوطن ينبغي عليهم تعلم التعرف على بعضهم البعض، وأن يتجاوزوا "صراع الثقافات"، الذي دعا إلى ضرورة تبديده، قائلا "كلنا مغاربة. وعلى مستوى اللجنة، فإن بعد الجالية مهم على اعتبار أن المغاربة المقيمين في الخارج هم صناع حقيقيون للثروة". وأكد التراب أنه جرى تقديم مشاريع خلال هذا اللقاء وحاملوها يبحثون عن روابط فعلية ملموسة مع المغرب. "كيف يمكن أن نترجم إلى الواقع كل هذه الأفكار الموجودة لدى الجالية والمغرب على حد سواء، لكنها لا تجد رابطا يجمعها ؟، إنها واحدة من بين النقاط الرئيسية التي تعمل عليها اللجنة". وقال التراب إن الأفكار المنبثقة عن مختلف جلسات الاستماع التي عقدتها اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي تصب في الحاجة إلى بروز "قطاع ثالث". "القطاع الذي لا ينبغي أن يعتمد على القطاعين العمومي أو الخاص، لكنه سيعمل في تناغم معهما. القطاع الذي يتعين عليه أن يكون قويا على نحو ذاتي، حيث تجد كل هذه المشاريع الحياة"، مضيفا أن "بلورة هذا القطاع الثالث يشكل جزءا من هذا النموذج التنموي الجديد الذي نريده لبلدنا".