من أسرار خيبة أمل موسكو في النظام الجزائري إن من يعتقد أن العلاقات الروسية الجزائرية "سمنا على عسل" هو في الحقيقة خاطئ. إذ لم يعد مقبولا التعامل مطلقا بالكليشيهات القديمة المترسخة في الأذهان، والزاعمة بكون "الجزائر حليف تقليدي لروسيا"، وبالنتيجة فإن فيلادمير بوتين سيدعم النظام الجزائري. لقد اتضح أن هذه الكليشيهات ليس لها أي أساس في الواقع السياسي، فالجزائر اليوم لا تمثل أكثر من زبون جيد لصناعة الأسلحة الروسية. لكن من الناحية السياسية لدى روسيا الكثير من اللوم ضد الجزائر بشأن العديد من القضايا الاستراتيجية. مؤخرا تساءل تقرير إعلامي روسي: "لماذا لن تقدم روسيا أبدا دعمها للجزائر مثل سوريا؟"، وكان الجواب أن موسكو لم تكن تنظر بعين الرضا إلى الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة والنظام الذي شكله في الجزائر على مدار العشرين عاما الماضية. "فبالنسبة لموسكو بوتفليقة هو مؤيد للغرب. ويمثل شخصية عرقوب الذي يعد بالكثير من الوعود ويخلف باستمرار وعده، ونادراً ما يفي بكلمته"، كما تحدث بذلك عسكري ودبلوماسي جزائري سابق، عمل لفترة طويلة في السفارة الجزائرية في موسكو. مضيفا: "نعم، تشتري الجزائر الكثير من الأسلحة من الروس ، لكنها ظلت دائما تمنع شركة النفط الروسية Gazprom "جازبروم"، الراغبة في دخول السوق الجزائرية. فعندما راح مسؤول شركة النفط الروسية العملاقة "جازبروم" إلى الجزائر لم يستقبله أي مسؤول كبير في الجزائر. وكان شكيب خليل قد تعمد السفر إلى الخارج حتى لا يستقبل وفد شركة "غازبروم" الذي حضر لمقابلته. يقول نفس المصدر. هذا الموقف قد أفسد العلاقات الروسية الجزائرية"، و قد ظل حتى اليوم مدخلاً أساسيا لفهم أسرار التعاون الجزائري الروسي. "بالنسبة للروس ، كانت الإشارة واضحة: احتفظت الجزائر بجميع المواد الهيدروكربونية لفرنسا والولايات المتحدةالأمريكية. ولم يكن هناك شك في تغيير هذا المبدأ. "إن بوتين نفسه لم يستسغ أبدًا الموقف الجزائري المزدوج: فمن ناحية، يدعي أنه موال لروسيا، من ناحية أخرى يقدم كل شيء للغربيين". إن تاريخ العلاقات الجزائرية الروسية حلقة تتعلق بالديون الروسية الشهيرة في مارس 2006 ذهب فلاديمير بوتين إلى الجزائر لإغلاق المفاوضات حول سداد الجزائر لديونها لروسيا. هذا موضوع شائك ومعقد للغاية. كانت المفاوضات صعبة جدا، وعلى هامش زيارة بوتين للجزائر في ذلك الوقت، وقع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونظيره الجزائري محمد بجاوي على اتفاق لتسوية الديون العسكرية التي تعاقدت عليها الحكومة الجزائرية في الستينيات والسبعينيات، وتقدر ب 4.7 مليار دولار. ويمثل مبلغ الديون التي أسقطتها روسيا حوالي 25٪ من إجمالي الدين الخارجي للجزائر، والذي بلغ 16 مليار دولار في بداية عام 2006. وكانت مسألة الديون في قلب زيارة رئيس الدولة الروسية بدعوة من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وقبل أسبوع ، كان وزير المالية الجزائري ومحافظ بنك الجزائر في موسكو للتفاوض على هذا الدين العسكري، لكن المحادثات تعثرت، و وصفتها الصحافة الروسية بأنها "صعبة". أراد الروس حساب الدين على الروبل بسعره التاريخي، والجزائريون على الروبل الحالي، على الأقل (10 آلاف روبل مقابل دولار واحد). ونتيجة لذلك، لم يتم تقديم أي رقم دقيق حتى الآن، حيث يتراوح المبلغ بين 1 و 5 مليارات دولار. ويبدو أنه كما أراد الروس منذ البداية، تم محو الديون مقابل بيع الأسلحة. وأعلن المدير العام لشركة تصنيع الطائرات "ميج" أليكسي فيدوروف، في وقت لاحق أن البلدين وقعا عقود لتسليم الطائرات المقاتلة، بأكثر من 3.5 مليار دولار. "في ذلك الوقت ، لم يكن بوتين قد أبدى تقديره لشطارة بوتفليقة على الإطلاق. لقد شعر الروس أن الجزائريين أرادوا خداعهم في تاريخ الدين. وكان الفهم الصعب التغلب عليها. في النهاية، وافق بوتين على صفقة مع بوتفليقة. لكن بالنسبة لمستشاريه المقربين، فإنه لم يخف خيبة أمله من أن روسيا قد ساعدت دائما الجزائر"، يقول ذات المصدر، لكن بوتفليقة اليوم خارج السلطة. فهل ستوافق روسيا على النظام العسكري الحالي الذي يحل محله؟ الإجابة بلا. ولسبب وجيه، تدرك موسكو جميع التطورات في الوضع السياسي في الجزائر، "المخابرات الروسية قوية جدا، ولديها ملفات كل ضباط الجيش الجزائري الموجودين اليوم في السلطة، إذ تم تدريب الغالبية العظمى من جنرالات الجزائر في الأكاديميات الروسية. وموسكو على اطلاع على ملفاتهم الشخصية ونقاط قوتهم وضعفهم. لكن روسيا لم تنسَ أن الجيش الجزائري هو الذي وضع عبد العزيز بوتفليقة في السلطة. ويعرف القادة الروس جيدًا أن الجنرالات الجزائريين لا يشبهون الزعماء السوريين أو الإيرانيين، "إن لديهم خوفًا أزرق من الغرب"، فلا يزال يتم تشفير الروس للمؤسسة العسكرية الجزائرية كونها "طيعة" أمام الغرب. بقربها المقلق من القيادة العليا لحلف الناتو ومن القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم). حتى فيما يتعلق بالتبادلات مع أجهزة المخابرات الجزائرية، فإن الروس لا يثقون تمامًا في الجزائريين. "كان ينظر إلى باطرون المخابرات السابق الجنرال توفيق على أنه رجل موال للغرب، فتح كل الأبواب أمام وكالة الاستخبارات المركزية والاستخبارات الفرنسية. والذين حلوا محله منذ عام 2015 على رأس دائرة الاستعلام والأمن لم يغيروا من عقيدة الاستخبارات الجزائرية. "إنهم يتعاونون بنشاط مع الأجهزة الغربية. وروسيا ، باعتبارها قوة منافسة كبيرة للغرب ، لا تستطيع الرهان على نظام يظهر الكثير من الازدواجية "، يؤكد المصدر المذكور. في الختام ، الجزائر بعيدة كل البعد عن سباق الخيول الذي ستراهن عليه روسيا بكل أموالها للفوز في شمال إفريقيا. في وجه الحراك الذي تشهده، ويفضل بوتين ومستشاروه الترقب والانتظار. علاوة على ذلك، وعلى عكس ما تعتقد وسائل الإعلام، فقد كانت موسكو العاصمة الرئيسية الوحيدة التي رفضت تأييد ولاية بوتفليقة الخامسة، وهو مشروع كان يدعمه في البداية الجيش الجزائري، ثم خريطة الطريق، بعد اقتراح تمديد حكم بوتفليقة عندما تم إلغاء الانتخابات الرئاسية في أبريل 2019. "عندما جاء رمضان لعمامرة إلى موسكو في 19 مارس الماضي من أجل بيع خارطة طريق نظام بوتفليقة ، والتقى بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، وهما صديقان يعرفان جيدا بعضهما البعض، لم يخف الوزير الجزائري دهشته وراء الكواليس. لقد تم إخبار العمامرة أن رجلاً مثله يجب أن يفكر في خلافة مريض وعاجز مثل عبد العزيز بوتفليقة، بدلاً من بذل جهود محرجة للحفاظ على رئيس ميت سياسيًا. لكن العمامرة لم يجد إجابة مقنعة لتقديمها إلى نظيره الروسي. بعد بضعة أسابيع، عندما قام الجيش الجزائري بتنحية عبد العزيز بوتفليقة، ستعلم موسكو أنه تم الاقتراب من العمامرة منذ البداية لخوض الانتخابات الرئاسية في أبريل 2019. لكن أفراد الجيش الجزائري هم من رفضوا التحقق من صحة هذا الخيار. يقول المصدر الدبلوماسي:"على الجانب الروسي، كانت خيبة الأمل كبيرة مرة أخرى".