في محاولة مفضوحة من طرف المشرفين على قناة " الجزيرة " القطرية لإعادة شيء من النفس لطغمة " البوليساريو " المتحكمة في رقاب المغاربة المحتجزين بمخيمات النازي عبد العزيز ورهطه ، تم بث تقرير بالانجليزية حول الصحراء المغربية بشكل فضح سوء نية أصحابه الذين قاموا بإعداد هذا الملف. أولا، تؤكد قناة " الجزيرة " القطرية، يوما بعد يوم، أنها فعلا جزيرة لا تعرف ما يجري حولها، ولا ترى من الواقع إلا ما يريده السياسيون المتحكمون في صرف أجور وتعويضات من يكون قادرا على كراء خده ليشبع أصحاب " الجزيرة " نزوتهم في الصفع والضرب، ويفرغوا مخزون مكبوتاتهم على الآخر.
ثانيا، تظهر قناة " الجزيرة " مرة أخرى أنها تجهل الكثير عن موضوع الصحراء والسياق الذي ظهرت فيه القضية بعد تنظيم المسيرة الخضراء لتحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني.
ثالثا، تأبى قناة " الجزيرة " إلا أن تقدم نفسها (الغريب أنها لم تدرك ذلك بعد) بأنها قناة الإرهاب بامتياز.
حين نقول أن هذه القناة هي فعلا جزيرة تعيش في عالمها المخملي الخاص، فذاك لكونها تريد أن تقدم " الحقيقة" التي يريدها أصحابها، الجالسين على حقول النفط والغاز والذي لا يستطيع أحد من القطريين محاسبتهم على ما استحوذت عليه يمينهم وشمالهم من خيرات يتم تسخيرها لخدمة أجندات خارجية لا فائدة للقطريين منها.
رغم العلاقات الأخوية الممتازة بين الرباط والدوحة، فإن قناة " الجزيرة " تتدخل في الوقت الذي تراه مناسبا لتوجيه ضربة لهذه العلاقات والتشويش عليها، بدليل أن التقرير الذي قدمته عن الصحراء المغربية جاء بعد الزيارة التي قام بها مؤخرا العاهل المغربي محمد السادس رفقة وفد كبير لقطر خلال جولته الخليجية ، و بعد الموافقة المغربية المبدئية على عودة القناة لفتح مكتبها بالرباط؛ كما أنه يأتي بعد الاقتراح الذي عبر عنه الأشقاء لضم المغرب والأردن لمجلس التعاون الخليجي؛ ونضيف أيضا أن التقرير جاء بعد التحول الذي يعرفه المغرب على المسار السياسي والحقوقي عقب المصادقة على دستور جديد للملكة، وإجراء انتخابات تشريعية ، شهد لها القريب والبعيد بالنزاهة، وتشكيل حكومة جديدة يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وفي الوقت الذي يستعد فيه المغرب للدخول في تجربة نظام الجهوية الموسعة ، وبعد كسب المغرب وضعا متقدما في علاقته مع الاتحاد الأوربي ،وإقامة شراكة إستراتيجية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ، وتجسيد حضوره في القارة الإفريقية بشكل أثار حفيظة الخصوم، وبعد أن أصبح عضوا في مجلس الأمن . . لكن ممولي التقرير ومعديه لا يعنيهم في المغرب لا التطور الديمقراطي المهم الذي يعيشه ، ولا المجهود الكبير الذي يقوم به المغاربة – حكومة وأحزابا ونقاباتا وإعلاما ومجتمعا مدنيا – من أجل إعطاء التجربة المغربية توهجها وتألقها على المستوى الإقليمي والجهوي والقاري والعربي كما يغضون الطرف عن الحضور القوي للمملكة المغربية على الصعيد العربي و الدولي.
أكثر من ذلك، تتعمد " الجزيرة "، منذ يومها الأول، أن تبخس جهود ومنجزات المغرب وشعب المغرب على مختلف الأصعدة كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو إعلامية أو اجتماعية أو رياضية. ولا تعوزنا الأمثلة في هذا المجال، فهي كثيرة.
وبدل أن تسلط كاميرات قناتها على هذا الجانب وتمنح للمشاهد فرصة رؤية الجانب المخفي من الواقع ، يتم تحويل عدساتها نحو ما تريد هي ومن يغذيها بسخاء من أموال الشعب القطري، ولا يتم سوى التركيز على الوجه السلبي؛ وبذلك تعطي هذه القناة صورة مشوهة وممسوخة عن بلد عريق ومتحضر اسمه المغرب. ولا تتردد هنا في البحث عما نسميه في المغرب ب" كاري حنكو" الذي يمد خده لأصحاب القناة كي يوجهوا صفعاتهم – من خلاله – للمملكة المغربية في مقابل بعض الدولارات الملوثة برائحة النفط.
فيما يتعلق بجهلها التام لموضوع الصحراء، تكفي الإشارة إلى التقرير المذكور (إلى جانب التقارير والأخبار التي لا تبخل القناة إياها بقصف المشاهد بها بين الفينة والأخرى).
إن الموضوع ، ياسادة ، يعتبر بالنسبة للمغاربة قضية تصفية استعمار. فالمغرب هو البلد العربي والإسلامي والإفريقي الوحيد الذي خضع لثلاثة أشكال من الاستعمار: الاستعمار الإسباني في شمال المملكة وجنوبها – بما فيها الصحراء – والاستعمار الفرنسي فيما تبقى من خريطة البلاد ، بينما كانت مدينة طنجة تخضع لوضع دولي . لقد كان استقلال المغرب ناقصا سنة 1956. ومنذ هذه السنة وهو يطالب باسترجاع ما تبقى من أراضيه المحتلة التي كانت في حوزة الإسبان.
وبناء على مفاوضات عسيرة، سيتمكن من استعادة بعض المدن في منطقة آيت باعمران (جنوب مدينة أكادير) ما بين نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي ، فيما ظلت سلطات الاستعمار الإسباني تماطل في إعادة الصحراء إلى المغرب الذي ظل يطالب بها منذ حصوله على الاستقلال في وقت لم يكن فيه وجود لما سيطلق عليه فيما بعد ب " جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب " (البوليساريو ) ولا حتى لما سيسمى فيما بعد بالجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية – أقصد كدولة - .
إزاء التلكؤ الإسباني، ما كان على المغرب – الذي حصل بالمناسبة على تأييد الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين من أجل دعم الرباط والوقوف بجانبها لاستعادة الصحراء – سوى التوجه لمحكمة العدل الدولية التي قضت بأن الصحراء لم تكن أبدا أرضا خلاء، وكانت تربط سكانها روابط البيعة مع سلاطين المغرب وملوكه؛ وقتها، سيقرر الملك الراحل الحسن الثاني تنظيم المسيرة الخضراء لاستعادة الصحراء . وكانت بحق أعظم حدث لاسترجاع ارض محتلة بطريقة سلمية في القرن العشرين، شارك فيها 350 ألف مغربي ومغربية من جميع أنحاء الوطن. بعدها ستظهر المناورات والدسائس من طرف الأشقاء لدعم صنيعتهم " البوليساريو " بالمال والسلاح من طرف النظام الليبي بقيادة العقيد معمر القذافي الذي لم يتوان لحظة واحدة في مساعدتهم قبل أن يعلن عن تخليه عنهم ليتلقفهم النظام الجزائري الذي ما زال يغدق عليهم من خيرات وأموال الشعب الجزائري الشقيق بدون حسيب ولا رقيب، ليس حبا فيما يسميه بالشعب الصحراوي، بل لفصل الصحراء عن مغربها والمغرب عن صحرائه، وبالتالي إيجاد ممر آمن نحو المحيط الأطلسي، وخنق المغرب وإلهائه عن مسيرته التنموية والديمقراطية.
هذه خلفية الصورة التي تتعمد قناة " الجزيرة " القطرية إخفاءها عن المشاهدين لحاجة في نفس ممولي ومغذي قناة تسريب السموم ، وإشاعة الكذب ، ونشرالفكرالإرهابي في كافة أنحاء العالم العربي الذي دخل عصر التجزئة والتفتيت والتقسيم ( ولم ينتبه العربان إلى ذلك بعد ) بدعم وتشجيع ورعاية أموال عربية.
وبعد، ألا تخجل قناة " الجزيرة" من نفسها وهي تسمح لكل من هب ودب (من جاهل ) في أروقتها بنعت المغرب ب " سلطة الاحتلال " بينما لم يعمل سوى على إعادة جزء من وطنه المغتصب إلى السيادة الوطنية في انتظار عودة مدينتي سبته ومليلية والثغور المحتلة في أقصى الشمال المغربي بإذن الله ؟
ألا تستحي قناة التضليل القطرية من مقارنة ما قام به المغرب من جهود جبارة، بفضل من الله وبمقاومة شرسة من طرف المغاربة لاسترجاع أرضهم في الصحراء، بالاستيلاء الإسرائيلي على فلسطين ؟
فلتفعل ما تشاء ما دام ليس في وجهها ووجه أصحابها ذرة حياء . فالمغرب في صحرائه والصحراء في مغربها . ولتبق القناة في ضلال جزيرتها. فالمغاربة فقدوا ثقتهم فيها منذ زمان.