بداية، لا بد من الإشارة إلى أن المملكة المغربية صادقت على اتفاقية الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والتي اعتمدت من جانب المفوضية السامية للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1984، ودخلت حيز النفاذ في 26 يونيو 1987. كما صادقت لاحقا على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، في الفاتح من نوفمبر 2012، هذه المصادقة التي تندرج في ملاءمة البنية التشريعية مع المبادئ الكونية لحماية حقوق الإنسان والانسجام مع دينامية تأصيل تجريم التعذيب في الدستور 2011، الذي يروم ضمان الحقوق الأساسية مثل الحق في الحياة والحق في السلامة الجسدية وضمان التناسق بين الوثيقة الدستورية وبين الممارسة القانونية للدولة. و ينبغي الاعتراف بأن السلطات المغربية اتخذت في السنوات الأخيرة قرارات جريئة بمعاقبة بعض مرتكبي جرائم التعذيب من مسؤولين على نفاذ القانون (رجال سلطة، رجال أمن، وغيرهم). وإذا حدثت ممارسات التعذيب أو ممارسات مهينة وحاطة من الكرامة في بعض الحالات، فإنها تبقى ممارسات فردية ومعزولة، ولا يمكن اعتبارها أعمال ممنهجة تتعمدها أجهزة الدولة . وبما أن المغرب صادق على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب ، فقد عمل على إرساء آلية للوقاية من التعذيب، وهو ما تم بالفعل، من خلال التنصيص على الآلية الوطنية المستقلة لمناهضة التعذيب في القانون الجديد المنظم للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو إنجاز كبير حققه المغرب من بين الإنجازات في مجال حقوق الإنسان . وهذه الآلية المهمة التي ستعمل من أجل الوقاية من ممارسات التعذيب ، لن تحقق النتائج المرجوة من إنشائها إلا من خلال تنفيذ برامج تدريبية لضباط الشرطة القضائية من رجال أمن ودرك ملكي، وحراس السجون، حول كيفية التعامل مع المحتجزين داخل مراكز الشرطة و الدرك، والمعتقلين في السجون، بما يضمن احترام كرامة المواطن و حقوقه و حرياته الأساسية التي كفلتها نصوص الدستور والقانون، وذلك بالمواكبة مع تدريس مادة حقوق الإنسان ، بجانب القانون الجنائي و المسطرة الجنائية ، في مناهج التعليم والتدريب بأكاديميات الشرطة والقوات المسلحة، مع ضرورة خلق علاقات تعاون بين الدولة و المجتمع المدني، تنبني على الثقة، من خلال تعاون السلطات المختصة مع المنظمات الحقوقية بشأن التحقيق حول مزاعم التعذيب واطلاعها على نتائج التحقيقات. و في نفس السياق ، ينبغي على المنظمات الحقوقية التأكد والتحري الدقيق حول مزاعم التعذيب قبل اتخاذ أية مبادرة؛ لأنه في بعض الأحيان تكون لدى هذه الهيئات معلومات مغلوطة وغير دقيقة حول تعرض محتجزين للتعذيب ، هم أصلا لم يتعرضوا له، ويضعونها في موقف حرج. وبالمناسبة، لا بد من الإشارة إلى أن بعض المنظمات الحقوقية أشارت في تقاريرها حول أحداث مدينة الحسيمة إلى تعرض بعض الموقوفين لأعمال تعذيب، دول الإدلاء بأسماء هؤلاء وما إذا كانوا فعلا قد تعرضوا للتعذيب أم فقط ادعاءات غير صحيحة؛ وهو ما قد يعرض مصداقية هذه المنظمات في التقصي والتحري إلى المساءلة من لدن الحقوقيين أنفسهم. كما لا يفوتنا أن نذكر بأن فعل التعذيب له تعريف خاص وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان ، وعلى رأسها الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، حيث لا ينبغي وصف بعض الممارسات من قبيل استعمال العنف في حق المشاركين في مظاهرات أو تجمعات عمومية بأنها أعمال التعذيب. فالعنف اللفظي أو الجسدي في حق الموقوفين في مراكز الاعتقال أو المحتجين في التظاهرات و التجمعات السلمية تصرف مخالف للقانون و مرفوض من الناحية الحقوقية؛ لكنه لا يرقى إلى فعل التعذيب، وقد يحدث حتى في الدول الديمقراطية كبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدةالأمريكية. إن المغرب قام بمجهودات مشرفة في مجال مناهضة التعذيب ، كما أن الآلية الوطنية المستقلة لمناهضة التعذيب التي أحدثت سيكون لها دور إيجابي و فعال في تحصين المكتسبات الحقوقية ببلادنا و تكريس الممارسات الفضلى في هذا الشأن .