يشكل القطاع السياحي اليوم أحد القطاعات الإستراتيجية على المستوى العالمي، إذ تشير آخر الإحصائيات إلى أنه يمثل 12 في المائة من الإنتاج الداخلي العالمي، وتزداد أهميته أكثر في المستقبل بالنظر لتنامي الطلب وتنوعه وتطور القاعدة الاجتماعية المقبلة على المنتوج السياحي بفعل توسع الطبقات الوسطى، خاصة في الأقطار الأسيوية وأمريكا اللاتينية الصاعدة وفي دول شرق أوروبا، ناهيك عن والأقطار الغربية المعروفة تقليديا بحجم إقبال مواطنينها على مختلف المنتوجات والأنشطة السياحية. إن بلادنا التي راهنت منذ المخططات الاقتصادية الأولى على هذا القطاع وحددت أجندات عمل واستراتيجيات قطاعية لتطويره، مدعوة بدون شك إلى تمثل هذا التطور العالمي واستيعاب دلالته وانعكاساته الاقتصادية والتكيف مع متطلباته حتى تتمكن من تحقيق الأهداف المتوخاة، وفي مقدمتها استقطاب واستجلاب 20 مليون سائح بحلول العام 2020 وفق الرؤية التي يحملها المخطط الوطني للسياحة. إن المتتبع للتطورات المتلاحقة للطلب العالمي على المنتوج السياحي خلال العشرية الأخيرة، يلاحظ ارتفاعا في منسوب الطلب على السياحة للأماكن والفضاءات المحملة بالذاكرة الثقافية والتاريخية للأمم والشعوب، حيث تبين الجداول والإحصائيات إقبالا متزايدا على هذه الوجهة السياحية التي تكاد تعادل الوجهات التقليدية الأخرى ( السياحة البحرية، الجبلية، الترفيهية) من حيث العدد والرواج الاقتصادي. وبالنسبة لبلادنا فإن مدينة فاس على هذا الصعيد باعتبارها أقدم حاضرة وأعرق مجال تاريخي ثقافي بالمملكة، تمتلك من الإمكانيات ما يجعلها مؤهلة لكي تكون من بين الوجهات السياحية الثقافية الأولى في المغرب، لكن نلاحظ أن هناك نوعا من التعثر في تحقيق الغايات المرجوة رغم ديناميكية الفاعلين في القطاع وحركية الفاعلين المؤسساتيين، وهو ما يطرح مقاربة جديدة في الوضع السياحي في هذه المدينة تروم التشخيص الدقيق في أوضاع السياحة بفاس، قصد إبراز عناصر القوة ومظاهر الضعف وعوائق التطور. وتتطلب هذه المقاربة في المقام الأول الوقوف على مختلف الرؤى والتشخيصات للفاعلين في الميدان استعراض معيقات تطور القطاع وتقيم الحصيلة ورصد الاختلالات التي تحول دون الاستغلال العقلاني الأمثل للرأسمال الثقافي والحضاري والمعماري التي تختزنه المدينة وجهتها سياحيا، بما يجعلها مدينة إقامة بامتياز بدل وضعها الحلي كمدينة عبور فقط. ومن أجل المساهمة في توفير مناخ للحوار التفاعلي بين مختلف الفاعلين في الميدان في جو هادئ غير مطبوع بالاكراهات الإدارية الضاغطة، ارتأت جريدة الاتحاد الاشتراكي تنظيم مائدة مستديرة استدعت لها جملة من الأطر والمؤسسات الفاعلة في الميدان لتقديم تشخيص موضوعي وصياغة تصور مستقبلي في موضوع مستلزمات تطوير هذا القطاع والنهوض بالمدينة في المجال السياحي بما ينعكس على الاقتصاد المحلي برمته. وإننا إذ نراهن على مساهمتكم في أشغال هذه المائدة بتدخل في حدود 10 إلى 15 دقيقة انطلاقا من زاوية النظر التي تتيحها موقعكم في المجال، نلتمس من سيادتكم قبول فائق عبارات احترامنا وتقديرنا. إمضاء عبد الرحمان العمراني مدير الجهوي لجريدة الاتحاد الاشتراكي