ذهول عن المقاصد …خلط بين السياسي والتاريخي والثقافي واللغوي…. اعتماد الأوهام كحقائق دامغة …افتعال صراع غريب بين مكونات المجتمع لم يكن بينها أصلا أي صراع ، ادعاء التهميش الكاذب والمظلومية الزائفة ، تلك بعض سمات الخطاب العنصري والعرقي الجديد / القديم الذي يتلفع بشعارات الحقوق الثقافية والسياسية والاقتصادية ظلما وعدوانا ( وهي حمالة أوجه طبعا ) وحين تتحول الحقوق هذه إلى عقوق لا تجاه الوطن فقط بل تجاه الذات أيضا فهنا تبدأ المشكلة كي لا تنتهي … رب شباب غض الاهاب لا يفرق في دراسته بين الألف و " الزرواطة " أحيانا يخطئ في كتابة اسمه سليما ولا يركب جملة واحدة صحيحة ولا يستطيع حتى ارتجال كلمة مقنعة في مجمع يستوفي الحد الأدنى من شروط الاحترام ويلوك في أحسن الأحوال لهجة ما دون أن يفهمه أحد … شحن ( للمجهول ) المسكين كما كان يشحن شريط صوتي أو كما تشحن حاليا مختلف آلات تسجيل وضبط الأصوات حتى لا نقول بشحن البارود في المواسير أو أكياس الخيش بالتبن ، قلت تم شحن بعض الشباب المغربي ( والتبعة تقع على جهات معلومة بينها رموز مخزنية داخل النظام نفسه كالياس العمري على سبيل المثال لا الحصر ) لا بنقاش مفيد أو نقد بناء أو تحليل مستفيض حول الهوية مثلا ومختلف التباساتها ، حول الشخصية المغربية وثقافتها الغنية ، حول التعدد اللغوي القائم ، حول المجتمع المغربي وطبيعته المركبة وما إلى ذلك ، بل فقط بركام من الخرافات والأباطيل … بحقد أعمى البصائر والأفئدة وكلام مضحك مبك عن" الأعراب "و " الغزو العربي الإسلامي" لأرض " الأمازيغ " وهي أرض يبدو أن هؤلاء الشباب ( المتحمسين فوق الحد ) سجلوا حولها وثيقة التحفيظ العقاري التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ( أنا من أصول بربرية امازيغية وافتخر بمغربيتي )ما دام بصم عليها يوغرطا وختمها ماسينيسا البطل وقبلهما الأمبراطور الأمازيغي الذي قيل انه هزم أحد الفراعنة عند حدود مصر ايه والله وبه تؤرخ السنة الأمازيغية التي توافق أزيد من 2500 سنة بمعنى أنها تفوق بكثير سنوات الميلاد المجيد للسيد المسيح التي يؤرخ بها أكثر العالم المتحضر اليوم .. ايه والله مرة أخرى ، كيف تشك في الأمروهذه الأمة العريقة التي أنجبت جوبا الثاني وكسيلة والكاهنة قد كشفت الكتابة ونظام التقويم قبل سكان الرافدين ؟، سبق تاريخي مجيد كفيل بمحو كل متاهات بروديل وحفريات فوكو وتفكيكيات دريدا فضلا عن مادية ماركس الجدلية واستجابات توينبي لتحديات الثورة الرقمية الكاسحة والهبة العرقية القادمة باسم حقوق الشعوب التي هضمت طويلا دون أن يرد لها أحد الاعتبار… إذا كان الشرق العربي قد ابتلي بالحروب والصراعات الطائفية بما هي اقتلاع لمفاهيم المواطنة والدمقرطة ونقيض كامل لدولة الحق والقانون والعدالة وحماية الحريات وبما هي عودة كاملة إلى الفتنة الكبرى بكل تداعياتها الكارثية ، فان مغربنا ومعه المنطقة المغاربية بهذه الدرجة أو تلك قد ابتلي بشعوبية جديدة تتخذ طابع نعرات عرقية وعنصرية عند بعض دعاة المسالة الامازيغية ( هناك التطرف الديني والمذهبي في المقابل طبعا ) من باحثين حديثي العهد بالبحث العلمي والجامعي في المجال الإنساني وفتية تلقوا مبادئ " التسنطيح " والتطرف والجهل من مدرسة الفيسبوك الفقيرة البائسة ( وفق توجاهتهم وطرائق توظيفها بالطبع ) ونحن لا نتحدث عن الناشطين المتزنين وإسهاماتهم التي لا تخلو من فوائد وروح موضوعية ومواطنة صادقة ، عبر إقرارنا الواضح أن الثقافة الشعبية في شقها الأمازيغي تعرضت فعلا لنوع من الإقصاء ساهمت فيه العديد من العوامل المركبة والحديث هنا لا يهم الباحثين الأمازيغيين المحترمين المنقبين في التراث الشعبي المغربي بل حديثنا يخص ما يمكن وصفه بالهوس الإيديولوجي والعصاب النفسي عند بعض الكتبة ومن يجايلهم من شباب و فتية مغررين تلاعبت بهم العولمة المتوحشة وصادرت منهم السياسوية والشعبوية كل نقد أو فكر أو نظر . نكتفي في هذا المقام ببعض الأكاذيب والأدلوجات ( بتعبير المؤرخ عبد الله العروي وبما هي تفكير زائف ) تلك التي يروجها هؤلاء الفتية حديثي العهد بالثقافة والسياسة في بعض المواقع الاليكترونية خاصة والتي تجهل أو تتجاهل بأنها تلعب بالناروتعبث بتماسك الشعب والمجتمع المغربيين ، التطرف المقيت ألوان وأشكال أهمها ما تعلق بالدين والطائفة والعرق والجنس وهو نقيض الممارسة الديمقراطية والدولة الديمقراطية وجوهر المواطنة كما لا يخفى على أحد ، ولنبدأ بالمفهوم ذاته فلا يختلف اثنان من أبناء المغرب بأن سكان البلاد الأصليين هم البربر أبناء مازيغ والمرجح أن أصلهم أيضا من اليمن والشام جاؤوا إلى شمال افريقيا عن طريق مصر والحبشة ( عبر ما سمي بشجرة الأنساب السامية مثل العرب واليهود والفينيقيين والأحباش ….؟؟و تنتمي اللغة البربرية المفترضة أنها الأصل إلى المجموعة الحامية السامية ) علما بأن أصول كل الشعوب فيها أخذ ورد ونقاش ونقد وما يمنع من افتراض أن أقواما آخرين عاشوا بالمنطقة قبل مجيء هؤلاء ، في كل الأحوال هذا ما أجمع عليه الباحثون الموضوعيون … يعلمنا المنهج التاريخي أنه إذا عزت الوثيقة المكتوبة نلجأ إلى وسائل أخرى تعزز فرضية ما انطلاقا من مؤشرات سليمة وهي تتعلق بالبشرة ( اللون – الشعر – الجمجمة …) والطباع بشكل عام والتنظيم الاجتماعي والموقع الجغرافي فضلا عن المستوى الحضاري والثقافي المحدد للانتماء ، وهذه كلها تؤكد الحقيقة المذكورة خاصة مع تكافؤ تيارات الهجرة أو الغزوات من الشرق ( الفينيقيون – القرطاجيون – العرب المسلمون ) أو الشمال ( أوربا خاصة الرومان والوندال والبيزنطيين ) أما فرضيات الأصل الأوربي أو الإفريقي للبربر فهي ضعيفة جدا ، أقرب إلى خرافة لا تثبت أمام البحث العلمي النزيه والمتجرد . مفهوم " البربر" كان هو السائد عند كل مؤرخي الدول العربية والإسلامية المتعاقبة منذ البلاذري وابن عبد الحكم مرورا بابن حيان وابن خلدون والمقريزي وابن الخطيب والمقري وانتهاء بمؤرخينا المحدثين ونفس المفهوم نجده عند أغلب الباحثين والمؤرخين الأجانب كروبير مونتان وتيراس وشارل أندري جوليان وجاك بيرك وب ستورا وغيرهم كثير وهو لا يعني بالضرورة المدلول القدحي الروماني الذي أطلق على كل ما هو غير روماني بل إن ترجمته الفرنسية هي لفظ berbère ونادرا ما يوظف الفرنسيون لفظ " أمازيغ " المشحون بحمولة إيديولوجية تثير الهوس والاندفاع والصراع المفتعل أكثر من أي شيء آخر ، ومما لا شك فيه أن التواجد البشري في منطقة شمال افريقيا قديم ضارب في القدم ولكن هذا لا يعني انعزال الساكنة الأصلية في جبالها وهضابها وسهولها ، إن التفاعل مع مختلف الشعوب وهو قانون كوني لا يتخلف ، قد حصل على مر المراحل التاريخية مما يقوض تماما فكرة عزلة سكان الجبال مثلا عن العالم الخارجي ، حصل التفاعل عن طريق الصراعات والمعارك والحروب والهجرات الناتجة عنها أو عن الأوبئة والمجاعات وغيرها ، مفهوم العزلة جد نسبي ولا يمكن الحديث عنه حتى في ظل المجتمعات شبه المغلقة ثقافيا أو جغرافيا كاليابان وبعض قبائل افريقيا ….تماما مثله مثل العرق الخالص المرفوض علميا ومنطقيا والذي حملت لواءه النازية وزعيمها أدولف هتلر . المغرب مزدوج الهوية وحد الإسلام بين عنصريها عبر التاريخ ومنذ 14 قرنا : نقصد المكون العربي الإسلامي ثم المكون الأمازيغي ( وهناك الروافد وأهمها اليهودي والاورومتوسطي والإفريقي ) وفيما يمثل العنصر الأول الثقافة العالمة وجوهره الدين واللغة والرأسمال الرمزي من زوايا ومؤسسات اجتماعية وثقافية وتعليمية وسياسية ودينية واقتصادية يجسد المكون الثاني العنصر الشعبي بلهجاته ورقصاته وأهازيجه ورموزه ووشمه وشعره الشعبي فيما أطلق عليه المفكر الراحل عبد الكبير الخطيبي " المغرب المتعدد " أو " المجتمع المركب " بتعبير بول باسكون … إذا انتقلنا – في إطار المقاربة العمودية – من المفاهيم إلى الأسماء والرموزنجد نفس الازدواج على مستوى الطوبونيميا فأسماء الأماكن أغلبها أمازيغي على صعيد الجبال والسهول المجاورة ( زلاغ – أرفود – أبركان – أكلمان – تزي – تازة – أفورار – أزيلال – أمليل – أكادير – تافوغالت – تافراوت …) أما المناطق الحضرية وما يجاورها فتغلب عليها الطوبونيمياالعربية / الاسلامية كفاس ووجدة والدار البيضاء والرباط والمحمدية والحسيمة وأصيلا والعرائش وأسماء الأولياء والسلاطين والزعماء والفقهاء وكثير من القبائل ( درب البخلاء – الصياغين –الطالعة الكبيرة والصغيرة – السمارين – الأندلس – دار المخزن – درب السلطان – العريصة – المصلى – باب المنصور- باب أبي الجنود – البرانس – التسول – أم الربيع – هوارة – ميمونة ….) ليس هناك أي صراع أو تجاذب على هذا المستوى وهو ما يغني الهوية المغربية ويدفعها للتفاعل الايجابي مع البيئة الطبيعية والثقافية جميعا… الطوبونيميا تحفزنا على طرق المسألة اللغوية علما بأن الموضوع متشابك حقا ويمكن أن يستغرق بحوثا أكاديمية بكاملها فهل تشكل اللهجات الأمازيغية لغة قائمة بذاتها تتوفر على أنظمة صوتية وصرفية وتركيبية ودلالية ؟ وهل يمكن الحديث عن ثقافة أمازيغية عالمة ؟ ذلك ما سنحلله في المقال المقبل ...