عرض الأستاذ: إدريس اليزامي الكتاب: الإسلام والأمازيغية - المؤلف: التجاني بولعوالي - الصفحات: 152 - الناشر: أفريقيا الشرق، المغرب - الطبعة: الأولى/ 2008 كلمة لا بد منها: في هذه الصفحات حاولت أن ألخص كتاب » الإسلام والأمازيغية نحو فهم وسطي للقضية الأمازيغية « الصادر عن مطبعة أفريقيا الشرق – المغرب سنة 2008، من توقيع الكاتب الدكتور التجاني بولعوالي، والكتاب من القطع المتوسطة، تربو صفحاته على المائة والخمسين. وقد ضمنه الكاتب أراءه في القضية الأمازيغية مستعرضا الطروح الأخرى بأسلوب خال من التعقيد، ولغة متينة سليمة، إضافة إلى منهج عقلي يعتمد على الحجج والبراهين في الإقناع، بالاعتماد على الواقع المعيش والتاريخ والجغرافياوهلم جرا في الطرح. وأرجو أن يقرب هذا التلخيص القارئ من الكتاب،و أعتذرله و للكاتب لأن القفز أحيانا على بعض العبارات أو المساحات من النصوص قد يسيء إلى العمل، ولذا فقراءة الكتاب ضرورية لتجنب ما يشوش على مضامينه هذا أولا ، و ثانيا لأهميته . الفصل الأول: في نقد مواقف النخبة الأمازيغية في مقدمة مركزة تناول الكاتب القضية الأمازيغية وعلاقتها بالإسلام من خلال تراكمات معرفية من البحوث والدراسات راكمها المثقفون السابقون وقد بينوا فيها المواقف والتوجهات التي تهين على خارطة الأمازيغية ثقافة ولغة، تاريخا وواقعا، وقد ركز الكاتب على تناولين لها قصد السبق، الأول للباحث حسن إدبلقاسم ” حول الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية” والثاني، الثقافة الأمازيغية، أحمد بوكوس، ملف الكتابة الأمازيغية ... ثم إغناء التناول بنقد ذاتي لمختلف مواقف التيارات التي تعج بها القضية الأمازيغية لفهم طبيعة خطاباتها فيما يتعلق بالإسلام، وذلك بطرح مجموع من الأسئلة: * كيف تنظر إلى هذا الدين، هل باعتباره مقوما ثابتا في الذات الأمازيغية، أم مكونا أجنبيا؟ * كيف تفسر فتح العرب لبلاد الأمازيغ، استعمارا أم فتحا؟ * كيف تفهم مكانة الإسلام ...؟ المبحث الأول: خطاب الآخر بين التماهي وتدنيس الأمازيغية. وفيه ثلاثة أنواع من التماهي: 1 – التماهي التغريبي: ويتبناه بعض المتماهين مع الفكر الاستعماري قلبا وقالبا وهي نظرة فرانكفونية تعود إلى فترة ما قبل الفتح الإسلامي للمغرب بلسان يقول نحن تبع للحضارة الأمازيغية باعتبارها كانت مهيمنة على شمال إفريقيا وهذا فيه شك في الذات وإنكار للدين والتاريخ والهوية وقد حاول استثمار المعطى التاريخي المتمثل في حركة محمد بن عبد الكريم الخطابي بل واحتكاره باعتبار أن الحركة الأمازيغية استمرار تاريخي لها. في حين أن حركة الخطابي تستوحي منها مختلف مكونات الشعب المغربي خاصة والشعوب العربية والإسلامية بل والثالثية، أفكارا تجيش بمشاعر النضال الشريف، والبطولة المنشودة ... وهذا يتنافى مع خط الحركة لأنها قاومت المحتل ويستشهد الكاتب برسالة الملك محمد الخامس في رسالة منه إلى الخطابي في منفاه بمصر ... تعامل التغريبيين الأمازيغيين بانتقائية مع التاريخ لخدمة أغراضهم خاصة مع الخطابي وابن زياد وابن ناشفين، غاضين الطرف عن خدمة هؤلاء بإسهامهم في صناعة التاريخ الإسلامي. التماهي البرغماتي ومسخ الأمازيغية: وهو أخطر من التماهي التغريبي، وهو مسكون بجنون المكيافيلية المبنية على مبدإ الغاية تبرر الوسيلة .. والغاية، كسب أصوات المواطنين، والوسيلة رفع شعار القضية وقد مثل الكاتب بحزب الحركة الشعبية ... ( ص 27)، أما الموقف الرسمي فجعل الأمازيغية في خدمة السياحة الوطنية لا أكثر . وقد تبلور من موقف الحركة الوطنية، الذي لم يعر أي أهمية لما هو أمازيغي ويعزر ذلك للسياق التاريخي الذي لم يفرض ذلك أنذاك للاندماج الوثيق بين العنصرين، العربي والأمازيغي، والذي ساهم الدين الإسلامي في تعزيزه ولحمه... التماهي القومي ونزعة الإقصاء: وينبني موقفه على أساس الفكر القومي العربي المستورد من المشرق المنطلق من الولاء اللاعقلاني لأيديولوجيا القومية العربية ... وذلك لاختزالها مكونات المجتمع فيما هو عربي مما كرس سياسة الإقصاء والتهميش والمسخ للثقافة الأمازيغية بعالم العروبة أحيانا والإسلام لخدمة هذا الطرح الذي لا يمثل العروبة ولا الإسلام، من طرف العقلية الحاكمة والمتملقين لها من المثقفين العروبيين. وهذا الموقف يتماهى مع سابقيه. المبحث الثاني: بين الواقعية الأمازيغية والبحث العلمي: في مستهل المبحث تناول الكاتب الاختلاف ... واعتبره سنة من سنن الله عز وجل في خلقه، وهو جوهر الوجود بسائر مكوناته، يمنح الأشياء والأحياء بهاءها وتميزها وتنوعها، وحين تتوحد تتراءى عادية لا تسترعي النظر .. وهذا يحيل على التباين داخل عالم القضية الأمازيغية ينزع إلى التنافر والتصارع والتشنج، مما يجهض الخدمة الواقعية للقضية أمام أنساق ثقافية واجتماعية متنوعة يتقاذفها موج التشتت الفكري، والتناحر الأيديولوجي ، مع أن معظمها يسعى إلى تحقيق نفس المقاصد. وعليه فإن قسما عظيما من النخبة الأمازيغية المغربية لم يول العناية الكافية والمعقولة للقضية الأمازيغية، وحتى إن أولاها،انعدمت منها الجودة والواقعية والصدق التاريخي ونوع من المثقفين خدمها لذاتها لا لأغراض خارجية، فاتسمت مواقفه بالواقعية والإيثار والتلقائية والاعتدال .. بوسائل محدودة، وهذا التوجه صنفان: الواقعي والعلمي. * الواقعية الأمازيغية وخطاب الازدواجية: صوت صرخ في وجه كل من سولت له نفسه تهميش الأمازيغية وإقصاءها، يحاول تلمس هموم الإنسان مباشرة وبعفوية في تبنيه لقضيتة متوفرا على خاصيتين: 1 – ارتباطه بواقع المواطنين. 2 – استمراره في الخط الحركي الخطابي. ويمثل الخط الواقعي جيل من الرواد على رأسهم: الأستاذ محمد بودهان، من خلال جريدته ( تاويزا) والأستاذ حسن إيدبلقاسم من خلال كتابه ( حول الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية)، والأستاذ إبراهيم أخياط من خلال كتابه ( لماذا الأمازيغية) وغيرهم. 1. بين الرفض والقبول أو التأقلم: إن تعامل الخطاب الواقعي مع الموقف الرسمي، يتراوح بين القبول المشوب بالتحفظ والرفض الذي يتخذ، طابعا شكليا، فيكون شبيها بالمعارضة البرلمانية. إن مثل هذه الازدواجية المهيمنة على جانب معتبر من رؤى المثقفين الأمازيغيين، هي نتيجة طبيعية للمخاض الواقعي الذي يشهده المجتمع المغربي .. وفيه دعوة إلى المثقفين الخروج من ضيق الازدواجية في مواقفهم إلى رحابة التأقلم البناء. 2 – الرؤية المبهمة حول ما هو ثابت: ... إن التعامل مع بعض مقومات الهوية الأمازيغية والمغربية، لا ينبغي أن يصطبغ بنفس الصبغة، ونخص بالذكر في هذا الصدد: العقيدة الإسلامية. إن شهادة التاريخ على إسلامية ساكنة شمال إفريقيا تظل قائمة – وإن نفاها بعض المتغربين المتماهين مع الاتجاه الاستشراقي – والتشبث بتاريخ الأمازيغ قبل الفتح الإسلامي، وخير من يؤرخ لذلك الباحث محمد شفيق الذي يعتبر من الأوائل الذين اشتغلوا على هذا التاريخ، من خلال كتابه المعروف ” لمحة عن 33 قرنا من تاريخ الأمازيغيين “، وأغلب مثقفي هذا الموقف لم يولوا الأهمية الكافية للإسلام باعتباره مقوما متأصلا في الذات الأمازيغية، ما عدا بعض الإشارات الطفيفة المنتقاة .. البحث العلمي بين الحياد والنجاعة: ساهم التوجه العلمي مساهمة فعالة، في استمرارية الأمازيغية داخل النسيج الثقافي الوطني والعالمي في خفاء وتنوعت حسب الحقول المعرفية وتدرج في العناصر الآتية: أ – البحث التاريخي. ب – دراسة اللغة. ج – الدراسات الأثرية الأركيولوجية. د – البحوث الجامعية والأكاديمية. المبحث الثالث: الموقف البديل أو خطاب التوازن والاعتدال: اتساع رقعة الأمازيغية: إن التعامل مع القضية الأمازيغية يتوجب أن يتم في شمولية، فلا يقصى مكون منها لصالح مكون آخر، ولا يغيب جانب منها، كيفما كان السبب، ثم يراعي السياق العام الذي تندرج فيه، بكل مستوياته الثقافية والبشرية والتراثية والمادية وغير ذلك .. معناه أن الأمازيغية تأخذ كلها وتتسع لتشمل مختلف العناصر الثابتة، مثل الانتماء واللغة والعقيدة والثقافة وغيرها وهي تتضافر برمتها لنسج الهوية الحقيقية للإنسان الأمازيغي. مما يثبت أن الأمازيغية أكبر أن تختزل في حرف تيفيناغ أو غيره من المكونات البارزة، في حين تهمش المكونات الخفية وإن كانت أجنبية وافدة .. كما حدث بالنسبة للإسلام في نغلغله في بنية المجتمع الأمازيغي والمغربي، بل وتسرب حتى إلى بنية التفكير المهيمنة على ذلك المجتمع. نحو توحيد مواقف النخبة الأمازيغية: إن النخبة الأمازيغية بكل مكوناتها البشرية والثقافية، يحكمها شعور عفوي يملي عليها لزوم إخراج القضية الأمازيغية، إنسانا وفكرا، من المأزق التاريخي والواقعي الذي تنحبس فيه، غير أن طغيان ما هو أيدلوجي لديها يحول دون تحقيق هذا المقصد، لذلك كان العمل على نقد الذات الأمازيغية لتوحد رؤاها وتلم أشتاتها وتتكتل حول الشعار الموحد لكل مكوناتها وذلك بحضور مثل ذلك الوعي لدى مختلف تيارات النخبة الأمازيغية في خضم المتغيرات العالمية الجذرية المحكومة بفكر العولمة الغربية. الأمازيغية أكبر مما هو لغوي أو ثقافي: يتبادر إليك إحساس بأنك توجد في واقع غير أمازيغي، إلا من حيث تجليات باهتة للثقافة الأمازيغية، تلمسها في أنشطة بعض الجمعيات وإسهامات زمرة من المثقفين، وفي بعض المعروضات التراثية التي تكتسيها السياحة بطابع تجاري بحث.. لأن مطالب الحركة الثقافية والسياسية الأمازيغية لا تخرج عن إطار ما هو لغوي وثقافي .. وبالرغم من الأهمية التي نالها الملف الأمازيغي، إلا أن ذلك لم يتسلل بعد إلى واقع الناس لينالوا حظهم من التنمية في مختلف مناحيها. الفصل الثاني: الإسلام والأمازيغية قراءة في المصطلح والتاريخ والإسهام والتهميش. المبحث الأول: البربر/الأمازيغ. ازدواجية التسمية ووحدة الأصل حقيقة مصطلح البربر: مقولة رومانية، تبناها أصحابها قصد تدعيم أغراض سياسية واستعمارية بحتة، فطوعها تعسفا لتسري على شعب بريء منها، ولانسأل أنفسنا ولو مرة واحدة ما إذا كان كل من يدافع عن أرضه، ويذود عن حياضه بربريا أو همجيا أو متوحشا أو غير ذلك؟ ! وقد استشهد الكاتب برأي الحسن الوزاني بخصوص كلمة بربر بمعنى همس لأن اللهجة الإفريقية كانت عند العرب بمثابة أصوات الحيوانات وهو ” التخليط في الكلام مع غضب ونفور”.. وقد دحض ابن خلدون هذه الأسطورة في مقدمته (ص 15) حقيقة مصطلح الأمازيغ: دلالة المصطلح تعني الرجل/ الإنسان الحر. وقد فصل ابن خلدون في أمرين مهمين: أولهما يتعلق بأصل الأمازيغ، وثانيهما يرتبط باسم أبيهم: ” والحق الذي ينبغي التعويل على غيره في شأنهم أنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح عليه السلام ... وأن اسم أبيهم أمازيغ” وبخصوص أصل الأمازيغ فقد نشب جدال ساخن انقسم فيه المتجادلون إلى ثلاثة تيارات: 1 – دعاة تأثروا بالفكر الاستعماري الغربي، رأوا أن الأمازيغ من أصل أوروبي ... 2 – التيار الثاني: حديث العهد ويتبنى وجهة نظرة على بعض الكشوفات الأركيولوجية، والقائلة بأصل الأمازيغ من أفريقيا ولم يهاجروا إليها. 3 – التيار الثالث وبربط سكان المغرب الأقدمين بالمشرق، باعتبار الأمازيغ عربا، وأن اللغة الأمازيغية ما هي إلا لهجة عربية. ولهذه التيارات ما يبررها، لكن ابن خلدون أعطى شهادته حية من شأنها دعم كل ما قيل عن نسبة الأمازيغ وأبيهم. تأملات في تاريخ الأمازيغ الإسلامي: إن ذاكرة التاريخ القديم لا تحفظ لنا من سيرة سكان المغرب الأقدمين إلا وقفات محدودة .. وكثرا ما تتخذ أبعادا ايديولوجية، وهي وقفات مخطوطة بأقلام المؤرخين الغربيين ذوي النزعة الكولونيالية علما بأن التاريخ لم ينقل لنا مما ألفه الأمازيغ قبل مجيء الإسلام إلا أسفارا وكتبا قليلة وأغلبها كتب باللاتينية، ولا تعطي صورة حقيقة وشمولية عن تاريخ شمال إفريقيا إذ أنها ذات تخصصات أدبية ودينية وفلسفية قحة، لا تحيل على واقع الناس، إلا بشكل خفيف وهامشي، ولأن معظم مؤلفيها كانوا ينتظمون في ظل ثقافة المستعمر. التاريخ الأمازيغي بين الطمس والجلاء: لقد أساء الكثيرون إلى تاريخ الأمازيغ والثقافة التي أنتجوها، فلم تخل آراؤهم من خلفيات إيديولوجية وأحكام ذاتية .. في حين أنصفهم الآخرون، من الأوربيين اعترافا بجميلهم على حضارتهم. ولعل الكتابات ذات المنحى المدرسي هي أكثر تشويها للحقائق التاريخية ... قراءة موجزة في الفتوح الإسلامية: اختلف الدارسون في نوعية المصطلح الذي يطلقونه على المد الإسلامي الذي طال شمال إفريقيا من المشرق لنشر العقيدة الإسلامية. منهم من اعتبره غزوا استعماريا عربيا لا يختلف عما سبقه من استعمارات تعاقبت على المنطقة ومنهم من سماه غزوا شاملا اعترى شتى نواحي المجتمع البربري الإفريقي، ومنهم من فضل أن ينعت ذلك بالفتوحات الإسلامية... وقد ضحد الكاتب ذلك بالحجة وتطرق للآيات الكريمة التي حفلت بمصطلح الفتح ذي الأصل القرآني.. ثم ذكر دواعي سببت في التنقيص من قيمة الأمازيغ عند العرب، ولا زال ذلك ساري المفعول رغم الامتزاج بين الجنسين إلى حد يصعب فيه التمييز بينهم. تلك الأحاديث الموضوعة التي نسبت إلى الرسول (صلعم) وهو بريء منها. واستعرض الكاتب بعضها ثم تطرق إلى ما نسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في نهيه لعمرو بن العاص عن فتح بلاد المغرب ( أفريقية) لا تصاف أملها بالغدر، وقد حاول الكاتب تشريح المقولة وتفنيدها عقليا. أما فيما يخص مقاومة البربر للإسلام في بداية انتشاره بأرض المغرب فأمر عادي، دفاعا عن بلادهم وهويتهم شأنهم في ذلك مع كل من سعى إلى استعمارهم لا عداء، ولما احتكوا بالمسلمين ووعوا نيتهم في فتح بلاد المغرب، سارعوا إلى وضع أيديهم في أيدي المسلمين بغض النظر عن بعض الجيوب ذودا عن عرشها ونفوذها. لأن الفتح الإسلامي معنوي أما الغزو الاستعماري فيسعى إلى استغلال البلاد والعباد بالنهب والاسترقاق. الإسهام الأمازيغي في الإسلام. 1 – الإسهام السياسي: “ومهما رجعنا إلى أوائل تاريخ إفريقيا الشمالية، يقول أندري شارل موليان، لاحظنا أن الأمور تجري كما لو أنه كتب على هذه البلاد أن تبقى قاصرة قصورا وراثيا عن التمتع باستقلالها، فلقد بقيت خاضعة لمدنيات واردة من الخارج (..) ولكن الحقيقة (...) فسلطان الطبيعة هنا عظيم”1 إلا أنهم في العهد الإسلامي فقد حكموا أنفسهم عبر مراحل تاريخية هامة، ولعل دول المرابطين والموحدين والبرغواطيين والمرينيين خير نموذج على ذلك . إضافة إلى بعض الدويلات والإمارات الأمازيغية، سواء الصنهاجية الأصل كبني زيري وبني حماد وبني غانية، أو الزناتية الأرومة كبني عاصم ومكناسة وبني مدرار... وقد تفاعلت مكارم الأخلاق الأمازيغية مع تعاليم الدين الإسلامية وتأثرت بتوجيهاته، فأتمرت عنصرا نموذجيا ساعد على نشر الدين والدعوة إليه في الداخل والخارج. * من الترسيخ إلى التوسيع: للأمازيغية دور فعال في توسيع قاعدة الإسلام سواء بشمال أفريقيا أو غربها جنوب أوروبا. فلما ترسخت العقيدة في النفوس فكر حكام المغرب في الامتداد والتوسع نحو المناطق المجاورة، فاتجهوا نحو الجزيزرة الأيبيرية، بجيش أغلبه من الأمازيغ ( 12 ألف أمازيغي) بإمرة طارق بن زياد. وهكذا تمكنوا من الخروج بالدين الإسلامي إلى مجاهل أوربا وفيافي أفريقية التي كان يستبد بها الضلال والجور.. * إدريس الهارب أو الفرار الناجع. احتفاء الأمازيغ الفريد بإدريس بن عبد الله وبالضبط من قبيلة أوربة وبايعوه أميرا عليهم، بعد معرفتهم بقرابته من رسول الله (صلعم) وهكذا شرع المولى إدريس في تشييد صرح الدولة المغربية وإرساء القوانين المنظمة لها وانطلق إلى غزو تامسنا وتلمسان بجيش مجهز كبير، فأسلم من أهلها وبايعوه ... ولما قتل المولى إدريس مسموما بايعوا ابنه إدريس الثاني وهو لا يزال جنينا في بطن أمه امتثالا لعقد البيعة. * الحقيقة البرغواطية: خصص د. محمود اسماعيل عبد الرزاق دراسة عن الدولة البرغواطية وخلص أن ” برغواطة قبيل من قبائل البربر على البحر المحيط”2 استنادا عل معلومات كل من ابن حوقل وابن خلدون. وفي نفس الوقت نقض الرأي الذي يسلم بيهودية أو مسيحية البرغواطيين وتبرئة ساحة صالح بن طريف من الشائعات التي أثيرت حول إدعائه النبوة وتأليفه للكتاب المقدس وإحداث صلوات جديدة في حين لم يكن الأمر إلا ترجمة القرآن الكريم إلى لغة البربر للضرورة... * الأمازيغية هذا الحضور المنتشر: ... المصادر التاريخية تخبرنا عن دراية الذين تناوبوا على الحكم باللسان الأمازيغي، أمازيغا وعربا ومعربين، وتضلعهم في ثقافة الأمازيغ تراهم في غير ما مناسبة يستعملون اللغة الأمازيغية. يروي ابن خلدون أن المهدي بن تومرت ” اجتمعت إليه الطلبة والقبائل يعلمهم المرشدة في التوحيد باللسان الأمازيغي.”3 ويذكر صاحب الاستقصا أن السلطان محمد بن عبد الله العلوي يكلم البربر بلسانهم .... ... ثم أن الأمازيغ كانوا أشد تمسكا بالدين الإسلامي ولغة القرآن من غيرهم، وهم الذين أسسوا خدمة لدين التوحيد دولة الموحدين، ومن أجل نشر الإسلام والدفاع عنه أسسوا دولة المرابطين”4 2 – الإسهام الثقافي: ... وهو نوعان، قسم يتعلق بالتراث المادي الذي وصل إلينا على شكل مجموعة من المآثر التاريخية، في صوامع ومساجد وقصور وقلاع وتحف أثرية.. والثاني فكري، يرتبط بالإنجاز المكتوب الذي وصل إلينا في شكل مخطوطات وكتب وأسفار ونصنفه عموما في ثلاثة محاور: علوم الدين والأدب فالتاريخ ، وهذا لا يعني كل ما أسهم به الأمازيغ في الثقافة الإسلامية، بقدر ما يعني أنها نماذج تعين على التمثيل لهذا الإسهام. الأمازيغية ومنطق التهميش: ... بعد استطلاع بعض الجوانب المضيئة والقضايا اللافتة في تاريخ الأمازيغ الإسلامي، وعرفنا حجم الاهتمام الذي يكنونه لدينهم الحنيف، والذي حاولوا دائما ترجمته في شكل أعمال وإسهامات، توخوا من خلالها خدمته بالدعوة السمحة” وبعد إدراك التعايش الفريد الذي انطبعت به علاقة العرب بالأمازيغيين والأمازيغيين بالعرب، والالتحام الكبير الذي لحمته تعاليم الإسلام فاستمر بينها قرونا عدة، إلى درجة لا نستطيع ونحن ندرس التاريخ المغربي أن نفصل بين ما هو عربي وما هو أمازيغي. فلماذا يحضر هاجس الوعي بالهوية الأمازيغية إلا أثناء العقود الأخيرة؟ ... إن الهوية الحقيقية ليست هي التي ينظر لها المثقفون والدارسون، وإنما هي التي يحملها الإنسان العادي الذي لا يعرف من هويته إلا أنه أمازيغي ينتمي إلى المغرب غير النافع، ومن الجانب الثقافي تلك الأشكال التي يمارسها، بشكل عفوي وروتيني. * الظهير الاستعماري لا البربري: من باب ” فرق تسد” أصدرت فرنسا الظهير البربري في 16 ماي 1930 واستثماره في جعل الأمازيغي ضد أخيه العربي لخلق الفتنة، وهو قرار استعماري والأمازيغ منه براء. و في محاولة إنشاء مدارس فرنسية بربرية بنواحي فاس ومكناس لا صلة لها بالمؤسسات التعليمية الإسلامية، تلغي فيها العربية وتستبدل الفقيه بالمعلم الفرنسي وتقصي كل ما يقترن بالإسلام. وفي هذا الصدد يقول والمارشال ليوطي في إحدى دورياته: ” إن العربية عامل من عوامل نشر الإسلام، لأن هذه اللغة يتم تعلمها بواسطة القرآن، بينما تقتضي مصلحتنا أن نطور البربر خارج إطار الإسلام”. إن الظهير الاستعماري شكل منعطفا خطيرا في التاريخ المغربي الحديث، حيث أسهم بشكل مكثف في خلخلة الروابط الوثيقة التي كانت تسود المجتمع ... فهو وبال على الكل، إسلاما وأمازيغية وعروبة. الفصل الثالث: الثالوث المنشود: الإسلام، والأمازيغية، والعربية. توطئة: إشارات لا بد منها: * العرب بريئون مما يلصق بهم ، من أنهم ضد الأقليات الأخرى، فاللوم يوجه إلى القوميين. * إن ثمة من يرى أن المغاربة توحد بينهم الأيديولوجية العربية، وهذا خطأ معرفي كبير، لأن فضل الإسلام على المغاربة ينفى، فالذي يوحد بينهم بكل تشكلاتهم هو الإسلام... * تشبث الأمازيغي بهويته الأصلية، والعربي بهويته الأصلية، شرف لكل منهما وليس تشنجا أو تعصبا... * الذين يقدحون في الإسلام بإلصاق بعض التهم به من الأمازيغيين، لم يستوعبوا حقيقة هذا الدين، لاختزالهم ما هو إسلامي في بعض الحقائق التاريخية الطارئة والمؤقتة.. * استلهام الجوانب الإيجابية في العلاقة بين الثالوث، الإسلام والأمازيغية، والعربية بدل الوقف عند السلبي المؤجج للصراع. * الأمازيغية والعربية معا: ... الأمازيغية والعربية، على حد تعبير امحمد جسوس، ” هما كالرجل اليمنى والرجل اليسرى بالنسبة لأي شخص عادي، إذا فقد أي واحدة منهما فلن تكون له القدرة على المشي بشكل عادي، وبالأحرى القدرة على السير بالسرعة والوثيرة التي تتطلبها تقلبات التاريخ المعاصر، لنقل – كما قال كانط في إطار آخر – إن المجتمع المغربي بدون نمو اللغة العربية أعور، وبدون الثقافة واللغة الأمازيغية أعمى”5 هكذا نتخطى تلك المغالطة التي تنصب التضاد بين الأمازيغية والعربية. أما كلام بعض النخبة الذي يجلي نوعا من الصراع بين الثقافة العربية والأمازيغية داخل المغرب فهو كلام يظل مأخوذا بالطوباوية.. * ثقافة الغير في الإسلام: اتسم هذا الدين في أثناء فتوحه أن راعى الآخر، ولم يقبل على تهديم ما شيد، وإحراق ما ألف، وإلغاء ما سن، كما فعل الكثير من المستعمرين وقد فاضل بين الناس في التقوى وليس في العرق أو اللون أو اللسان ، وقد وردت في القرآن الكريم مفردات كثيرة أجنبية عن العربية من هندية وفارسية وعبرية وحتى أمازيغية، عدها السيوطي في كتابه ( المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب) فمن اللغة الأمازيغية مثلا: الأب. من قوله عز وجل ” وفاكهة وأبا” سورة عس، أية: 31. آن: يقول عز وجل ” يطوفون بينها وبين حميم آن” الرحمن، آية: 44. * تنمية الأمازيغية تبدأ من تنمية الإنسان الأمازيغي: * ... عندما نتصفح القضية الأمازيغية، ندرك أن هذا المفهوم ينطبق عليها أكثر من غيرها، فالبرغم من أن جزءا عظيما من ساكنة شمال أفريقية وما يتاخمها من دول الصحراء الأفريقية، تنحدر من جذور أمازيغية، وتنتظم في نطاق الثقافة الأمازيغية، فإنها تعامل من الأجهزة الرسمية الحاكمة، وكأنها غربية في أوطانها، حيث التغييب التام للغة التي يتكلمونها، والطمس الممنهج للثقافة التي ينتمون إليها، والمسخ السافر للتراث الذي تناقلوه عن أجدادهم وأسلافهم، إلى درجة أن العديد من المشارقة أو الغربيين لم يكتشفوا إلا مؤخرا أن أغلب سكان الشمال الأفريقي، ليسوا عربا وإنما أمازيغ.. وتخصيص الحديث هنا حول الأمازيغية لا يعني تهميش العروبة أو المغاربة العرب، بقدر ما يتعلق بطبيعة الموضوع الرئيسي الذي نشتغل عليه في هذا المقام، وهو موضوع الأمازيغية. * وذيل الكاتب عمله بخاتمته مركزة حول مدى استيعاب القارئ لطرح الكاتب الواقعي غير المنحاز والذي يكشف أن ماهو نخبوي من المواقف و الأنشطة لا يعكس حقيقة الأمازيغية إلا بصيغة نسبية لانفصال الطروح عن القاعدة الشعبية باستثناء أنشطة الجمعيات الثقافية الأمازيغية، وإسهامات بعض المثقفين الأمازيغيين .. لذلك فلا يمكن رد الاعتبار للأمازيغية إلا بالاحتكاك المباشر والمستمر مع قضايا الانسان الأمازيغي الثقافية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية، وبحضور باقي المكونات الثقافية والتاريخية والدينية واللغوية والتي يتركب منها المجتمع.