كنت باسم نقابة مفتشي التعليم من المحظوظين الذين تشرفوا بالمشاركة بجانب ثلة من الأقلام المغربية من العيار الثقيل في حقول معرفية مختلفة تتكامل وتتقاطع في الحقل التربوي الذي يرفد من جميعها، في موضوع ” بعد العدول عن بيداغوجيا الإدماج، أي بديل بيداغوجي مرتقب؟ ” وهو موضوع اللقاء الوطني الرابع المنظم من طرف مؤسسة العمل البيداغوجي للتربية والتكوين APEF الكائنة بالدار البيضاء أيام 16 و17 و18 و19 أبريل 2013. وهي المؤسسة الأولى المغربية التي طرحت رسميا سؤال الفراغ البيداغوجي بعد العدول عن ” بيداغوجيا الإدماج ” التي شكلت لي ولبعض الباحثين المغاربة أوراق نقد من داخل بنيتها، فكانت أوراقا مؤسسة لمداخلات هذا اللقاء الوطني الذي قدم: ” إشكالية الإصلاح البيداغوجي في منظومة التربية والتكوين ” ورقة للدكتور محمد الدريج الذي يرفع لواء التجديد التربوي ومغربة طرحه من خلال رؤيته حول الملكات، وتجذيرها في تربة التراث الذي يحمل الكثير من الطرح التربوي الممكن تطويره نحو التجديد والبعث من رفات الأموات، والتي يمكن لها أن تتقاطع مع أرواق أخرى لتشكل أرضية خصبة؛ يمكن تشييد مقاربة بيداغوجية عليها أو تأسيس براديغم تربوي تعليمي مغربي محض بأيدي خبراء مغاربة من أمثال هؤلاء الذين شاركوا في هذا اللقاء. ” الفراغ البيداغوجي: الحال و المآل ” تدخلت في هذا المحور المركزي أوراق وسمت ب: * ” تطور المقاربات البيداغوجية في المدرسة المغربية” للأستاذ حسن شاكر؛ * ” البيداغوجي والسياسي: ملاحظات سوسيولوجية في شأن المد والجزر ” للدكتور السوسيولوجي أحمد شراك؛ * ” من بيداغوجيا الإدماج إلى بيداغوجيا المدرس الخبير ” للدكتور مصطفى حدية أستاذ علم النفس التربوي؛ * ” في التيه التربوي: بحثا عن براديغم الانتماء ” للدكتور السوسيولوجي عبد الرحيم العطري؛ وهي أوراق أرقها كهذه المؤسسة الفراغ البيداغوجي وطرح عليها أسئلة جوهرية حول الكائن والممكن وهي أسئلة استنكارية قبل أن تكون استفهامية، وتشكل عناوينها تكاملا نحو طرح البديل الغائب في قرار الوزارة العدول عن بيداغوجيا الإدماج الذي ربما أحد ملامحه ملمحا سياسيا، وقد كنت أقررت أن التخلي عن بيداغوجيا الإدماج جاء دبلوماسيا لا علميا، فحينها لم أكن البتة في موقع الدفاع عن بيداغوجيا الإدماج، فأنا غير معني بذلك خاصة أني ناقدها وطالب تصحيحها؛ ولكن كنت أطلب قرارا محصنا من المزاجية والعاطفية والذاتية والتسرع ، وأريده أن يكون في مستوى الفكر العلمي ومعطياته الموضوعية، والذي ترمي المنظومة تأسيسه وبناءه عند المتعلم! وهنا؛ من خلال قراءة العناوين يمكن استقراء الوجوه التي تشكل زوايا رؤية هذا الفراغ من حيث بعده البيداغوجي والسوسيولوجي والسياسي والحقوقي المواطني مقابل وجود تقاطعات كثيرة بين هذه الأوراق تشكل توافقا بينها تبنى على مقتضاه دعوة إلى طرح البديل البيداغوجي ضمن إطار المعطى الوطني الخبير بمجال التربية والتكوين دون تهميش أو إقصاء بدعوى الاتجاه نحو الخبرة الخارجية. كما أن بين هذه الأوراق والأوراق الباقية مناطق اختلاف قليلة، وهي اختلافات طبيعية في التعاطي الفكري لزاوية الرؤية وإطار الاشتغال يمكن التداول فيها. لذا يجب توحيد جهود الباحثين المغاربة في أطر قانونية ومؤسساتية للانطلاق في صناعة براديغم تربوي تعليمي مغربي مستقل بذاته. فيه يساهم كل باحث وفق اختصاصه وحسب رؤيته وزاوية اشتغاله داخل إطار الحقول المعرفية التي يشتغلون فيها وعليها مما يكثف ويركز جهودهم لتحقيق نفس الهدف أو الغاية، وهي إصلاح وتطوير وتجديد وتأهيل المنظومة التربوية والتكوينية لأداء دورها ووظيفتها وفق متطلبات ألفية المعرفة، ولأجل بناء منظومة تربوية وتكوينية ذات كفاءة وجودة عالية. ” تطور براديكمات البحث ومناهج التدريس: المنهاج المندمج والتدريس بالملكات نموذجا” وهي ورقة الأستاذ الدكتور محمد الدريج التي كانت محط لقاء مفتوح، ولا أخال كل مهتم بالحقل التربوي والتعليمي المغربي إلا قارئا لها خاصة أنها منشورة على الشبكة العنكبوتية، وتستحق النقاش والمقاربة من زوايا مختلفة نظريا وعمليا ونقديا لتطويرها وإغنائها وفتحها على التوسع نحو تشكيل قاعدة متوافق عليها من قبل الفاعلين التربويين والمتدخلين في الشأن التعليمي وعلى رأسهم الوزارة. وهي بالمناسبة ورقة تتكامل في بعدها الغائي مع ورقة الأستاذ الدكتور مصطفى حدية التي تخلق المحرك الرئيس في الفعل التعليمي، الذي دونه تفقد العملية التعليمية التعلمية المؤسساتية محركها الأساس ” المدرس الخبير ” مع ما يحمل مصطلح الخبرة من مسؤولية وتكوين متين وراق وعميق وخبرة وتجربة لا يمكن اكتسابها إلا من خلال الذات السيكولوجية القوية الواعية وعبر زمن قد يمتد طول العمر. هذا التكامل يقع ضمن الحقل السوسيولوجي في بعده التربوي التفاعلي بمعنى في إطار سوسيولوجيا التربية. والتي لا تفسر الفعل التربوي والتعليمي إلا داخل نسقية اجتماعية جماعة القسم الجماعة السوسيولوجية الأولى في المجتمع المدرسي التي ترفد وجودها وسياق ورودها من المجتمع العام الكبير، وتحمل عمقا وسطحا ما يموج ويروج في هذا المجتمع من علاقات وسلوكات ومسلكيات وقيم … ” المنظومة التربوية المغربية وسؤال المقاربة البيداغوجية ” ورقة لي؛ تتلاقى مع الأوراق الأخرى في وجود الفراغ البيداغوجي تحت سقف تعريف محدد للمقاربة البيداغوجية، وتستهدف نفس الغاية المنشودة لتلك الأوراق. وهي تختلف مع بعضها في المنحى الإجرائي من حيث مستوى الخطاب والرؤية ارتكازا على الواقع المهني المعيش والتجربة الميدانية في بعدها الديداكتيكي، مما حال دون أكاديميتها وأبقاها في المجال التطبيقي. وقد نأت بنفسها عن تحديد مقاربة بيداغوجية بعينها في المقابل أدلت ببعض المقترحات صوى للطريق فقط نحو المقاربة البيداغوجية. وهي تعي وعيا كليا بأن الاشتغال الديداكتيكي خاصة النقل الديداكتيكي مدعاة تنزيل التنظير إلى التطبيق في إطار من المرونة الفائقة وفي بعض الأحيان في إطار من الإكراه الديداكتيكي الذي ليس المجال لتبيانه حيث يطول شرحه. وليس كل نظري قابلا للتطبيق والإجراء، ومن ثمة قد يبدو من السهولة بمكان إجراء النظري تطبيقا والأمر حقيقته عكس ذلك. ” La pédagogie de L'erreur : Malades de L'orthographe , accumuler Les fautes n'est pas une fatalité ” ورقة للأستاذة A M GAIGNARD؛ وهي مداخلة حول الخطأ وبعض مبادئ علم النفس المعرفي والعصبي التي تفيد أن في غياب البعد المعرفي للأشياء عند المتعلم يرى هذه الأشياء وقائع بصرية شكلية يغيب عنها المعنى، وأن الفرد تتشكل لديه المعرفة البصرية هي الأولى كما تقر بذلك بعض الدراسات الميدانية. ” تجربة مؤطرة في تدبير مرحلة ما بعد الإدماج ” ورقة للأستاذة فاطمة الكمراوي أدلت بمعالم ديداكتيكية كبرى يمكن التدبير بها مرحلة الفراغ البيداغوجي، وقد اتفقت الورقة في بعض مقاطعها مع تحديد الهدف المنشود من الفعل الصفي وتسميته كما اتفق والاشتغال عليه بحرية. المهم ومن منطلق المؤطر والمفتتش التربوي الغاية هي تحقيق هدف الدرس وبناء المهارات عند المتعلم. وهذه الورقة تقاطعت مع الأوراق الأخرى في طرح سؤال الفراغ البيداغوجي على المقاربة والبحث عن سد هذا الفراغ بما يتناسب مع المرحلة الراهنة. وقد وردت هذه المداخلات وورشتا عمل ” بناء الفريق ؛ المهارات الحياتية ” من تأطير الدكتور عبد الرحيم عطري والأستاذة رجاء الإدريسي الأزمي في ثلاث جلسات علمية ترأسها كل من الأساتذة القطيشي ولحسن الأمين والعزيز الحسين. استمعت إلى تدخلات المشاركين في الندوة العلمية النوعية التي أغنت الموضوع ورفعته إلى سقف إصدار تقرير عن الندوة كان في محطة الختام بعدما ألقى مدير المؤسسة الأستاذ حسن الوخشاشي كلمته الختام إزاء كلمة للمشاركين عبرت عن المعيش التربوي المعتل القائم بيننا والمتفاقم أعراض اختلالاته، التي لن تزيدها حسب رأيي قرارات القائم عليها إلا تساؤلات كبرى؛ أعظمها وأدقها وأعمقها سؤال المصير؟!. هذا هو سياق هذه الندوة التي دارت جلساتها العلمية في إطاره، وفي هذه المحطة الفاصلة من حياة منظومتنا التربوية والتكوينية بعد تعثر الإصلاح وفقدان بوصلة أجرأة الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وضياعها بين بيداغوجيات مستوردة وفراع بيداغوجي وتنظير من خارج منظومة العقل العلمي والضبط المنطقي لحقل الاشتغال. فهمها كان الاجتهاد وطنيا فهو عند البعض ضرب من الهوس والخرف لا يمكن مقاربته ما لم يصادق عليه خبير من هناك أو مكتب خبرة من هنالك. وأستغرب كيف العودة إلى ما نقدناه البارحة ووسمناه بالقصور حتى صرنا في منهجية بين بين. وصرنا على تعبير إحدى المشاركات في الندوة نجلس بين مقعدين! لا نحن من هنا ولا من هناك؟! فالفراغ البيداغوجي الآن مسؤول عنه الفكر التربوي الرسمي وهو مطالب بالجواب عن أسباب الفراغ التي تقتل أبناءنا معرفيا ومهاريا وقيميا وتحنط فكرهم، ولنا في الواقع المعيش من الدلائل والحجج الشيء الكثير. لذا أطالب بتنظيم ندوة وطنية للتداول في سؤال المقاربة البيداغوجية وفي التفكير في نموذج تربوي تعليمي مغربي يجد فيه المتعلم نفسه داخل سيرورة فعل تقوده نحو المستقبل ولا تجره وتشده إلى الوراء بهمروجات قولية مازالت تتلمس طريقها الوجودي في عالم القول العام المطلق الذي يلغي الآخر وينصب نفسه إلاه القول والقيل والصواب، وما دونه لا يفقه في القول معنى ولا دلالة. يبشرنا بمنطوقات؛ وواقع الحال يفيد عكسها، ويدعو إلى تأمل الذات من خارج الذات حتى تستقيم الرؤية ويتضح القرار الصائب. إن المؤسسة التعليمية المغربية ومن منطلق العارف بأوضاعها الراهنة وما آلت إليه من إكراهات بيداغوجية وديداكتيكية ومتنية، بل وسيكولوجية لتستنجد بخالقها لتخليصها من هذا اليم المتلاطمة أمواجه بين المد والجزر، المزاجي العاطفي الخائف المتخوف من انفتاح المؤسسة التعليمية على عصر المعرفة عصر الحضارة الإنسانية المتطورة تكنولوجيا ومعلوماتيا. الذي تعشش في رأسه مدرسة تقليدية يسيطر عليها العقل الإداري لا التربوي، الممسك برقبتها التعاقب الحدثي والزمني جوهرا لا شكلا، الحاضن للتناقض المنسجم مع نظرية الفوضى في بعدها الفوضوي وليس العلمي الذي يحاول تفسير تعقد الأشياء وعدم الإمساك بها وضبطها! هنا لا يمكنني إلا أن أفصح عن رغبتي في الدعوة إلى ندوة علمية لمقاربة أثر قرارات الفكر التربوي على الواقع التعليمي ونتائجها على المتعلم لنقف عند علمية القول في هذه المسألة التي أصبحت تشكل خبزا يوميا للمغاربة على اختلاف أطيافهم السياسية والعقائدية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية حتى لا يطالعنا فكرنا التربوي وخطابنا المدرسي أن مؤسستنا التعليمية بخير في حين تستحق آخر درجة من رتب سلم التنقيط في نفس الوقت دون وسطية تربط الظواهر بسياق إنتاجها وبأسبابها وتداولها وبأمكنتها وبأزمنتها وبشروطها ومتطلباتها. فكثيرا ما تسمع تعميما ما ينفك الواقع التعليمي المعيش ينسفه بمثال مضاد أو تسمع تخصيصا ما يفتئ يعمم بحكم الاطلاق؟! فعجبا لزئبقية الخطاب التربوي التعليمي! وهو الخطاب الذي يفترض فيه العلمية والموضوعية والضبط لأنه مدخل بناء المتعلم ومدعاة اقتدائه وتمثله في الحياة. المهم؛ فراغ بيداغوجي يتبعه فراغ قولي ينتظر أن يمتلأ من القول الفلسفي: من أنا ؟ ما أقول؟ كيف أقول؟ ما أثر ما أقول؟ … وإلى حين أن يستشعر الفكر التربوي ما يقول؛ أقول تلكم الندوة الوطنية التي نظمت بمدينة مراكش شرحت ورما من أورام المنظومة التربوية والتكوينية بمشرط التحليل والتساؤل علها تجد لقاحا يطبب ذلك الجرح الغائر في جسدها … عبد العزيز قريش