يفيد مضمون المذكرة الوزارية 37/12 بتاريخ 16/02/ 2012 المتعلقة بتفعيل أو عدم تفعيل بيداغوجيا الإدماج في الممارسة الصفية. أنه محمول على معطيات علمية ووقائع ميدانية تثبت عدم تأثير التفعيل أو عدمه على الدرس المدرسي. بمعنى سواء قدمنا الدرس المدرسي ببيداغوجيا الإدماج أو بدونها لا يؤثر في نتاجه. وبذلك يكون الأمران سيان بينهما في النتائج. ذلك، أن هذا المضمون علميا لا يمكن القبول به إلا بموجباته العلمية وشروطه الموضوعية والواقعية والمعيشة المؤكدة له. وإلا نكون أمام مجازفة عقلية وعلمية تتساوى مع ما كان يجريه الخبير الدولي من تجارب في حقل ديداكتيكا الدرس المدرسي المغربي، ونأخذ الخبرة من التجربة لا أن نجري خبرتنا على الواقع! ومنه؛ يكون الدرس المدرسي المغربي حقل تجارب بشكل مستمر، وربما بشكل مطلق لا يراعي الكائن والممكن! وبدل أن يكون التجريب وفق قواعده وضوابطه، يصبح المجتمع المدرسي المغربي كله حقل تجريب وتجارب. وأعتقد أن التجريب ليس عيبا بل مطلبا ولكن بشروطه وقواعده وظروفه. وبالتالي؛ ستظل السياسة التعليمية المغربية غير مستقرة وليس لها برنامج محدد، وإنما هي تبعا لكل سياسي رست عنده الوزارة. ويشكل السياسي ظاهرة سياسية لا ترتبط في الغالب بفلسفة الحزب السياسية، الذي ينتمي إليه، ولا ترتبط عضويا ببرامج حزبه السياسي، لأن هذا الأخير أي الحزب لا يملك أصلا برامج سياسية ولا عملية لإنزالها إلى الواقع المعيش! فغالب الأحزاب السياسية تمتلك رؤوس أقلام إن أحسنا الظن بها. وهي رؤوس أقلام غالبا ما تفارق الواقع والمستقبل معا في نفس اللحظة. ومنه، نجد كل سياسي يغني على هواه، ويسبح في مسبحه الخاص. ومن حوله جوقة وجمهرة من الأتباع أو المبتدعين أو المتفرجين. كل؛ مع أو ضد أو محايد، متساه أو غافل أو غير مكثرت أو قاصد أو متعمد أو محتكر ... وبالجملة، فاللاحق كثيرا ما يلغي السابق ويبدأ من جديد، وربما من الصفر. ولعل البحث عن أجرأة المدخل الديداكتيكي في ” وثيقة الإجراءات الاستعجالية ” الخاصة ب ” برنامج عمل وزارة التربية الوطنية برسم سنة 2012 ” لا يجد لها مقاما ولا مستقرا في هذه الإجراءات الاستعجالية!؟ التي مازال الاستعجال يراود الوزارة فيها؟!. والقراءة الأولية لهذه المذكرة تطرح أسئلة جوهرية، بل؛ وحاسمة تجاه الدرس المدرسي. منها على سبيل المثال: ما أثر الاشتغال ببيداغوجيا الإدماج على ناتج الدرس المدرسي، خاصة في المدرسة الابتدائية؟ ما أثر عدم الاشتغال بيداغوجيا الإدماج على ناتج الدرس المدرسي، خاصة في المدرسة الابتدائية ؟ ما المنهج الأكثر نجاعة للدرس المدرسي في المدرسة الابتدائية ؟ أيمكن الذهاب إلى الوسطية في الهندسة البيداغوجية للدرس المدرسي في المدرسة الابتدائية بين بيداغوجيا الإدماج ولا بيداغوجيا الإدماج ؟ ألا يمكن للمدرس انتقاء المنهج المناسب لدرسه المدرسي؟ هذا المضمون المطروح في زمنه هذا، وداخل سيرورة السنة الدراسية، ألا يؤثر على ناتج الدرس المدرسي؟ سؤال المجهودات التربوية والبيداغوجية التي تمت في هذا المشروع، وسؤال المناهج المستقبلية أو الجديدة التي ستتم بناء على هذا الطرح: أي مصير، وأي موقع، وأي فعل وتفاعل؟ ... ألا يمكن أن تطرح الكتب الجديدة مقاومة ما دامت قائمة على الوضعيات؟ أم يتم العدول عن ذلك؟ سؤال: اصعد إلى الشجرة، انزل من عليها، من قال لك اصعد ؟ وهو سؤال المراوحة في المكان وحرق الزمن والطاقات بدل ترشيدها!؟ ألا يشكل إرهاصا لأزمة الدرس المدرسي بل لأزمة المدرسة المغربية؟ ما ذنب المتعلم التواق إلى أنجع الطرق والوسائل والأهداف، وإلى أرفع النتائج، وإلى أمتن الكفايات والمهارات والقيم والسلوكات، وإلى أرحب مستقبل وأوسعه، أن نوقفه في نصف الطريق مع إلزامه أداء ضريبة مخالفة قانون السير؟ ما ذنب المسكين في معمعة شد الحبل بين الوزارة وموظفيها والربيع العربي؟ ألا يعتبر يتيما يتعلم السياسي والموظف في رأسه الحلاقة؟ ما ذنب الغض الطري، أن نمارس عليه فكرا قروسطيا وأداء متخلفا عن ألفية المعرفة؟ أيظل المسكين المركب الذي يحملنا ولا نحمله؟ بل، ولا نقوم بأدنى صيانة له؟ وأي مدلول لهذا المتعلم لدينا؟ وأي موقع يحتله من فعلنا السياسي والتعليمي؟ ... آه ثم آه، لو يعلم أهل مهنتي موقعه من كبدي ومن مستقبل بلادي ومن هويتي ومن حضارتي، لسعوا إلى بنائه وأنسنته وتكوينه وتعليمه حبوا. فإنه جزء مني لا منهم. هم أبعد منه بسنين ضوئية لا شمسية ولا قمرية ... أنينه يصدر من صدري وجسمي، وأنا، عن آهاته تائه في لجة الأخذ والرد! وأسفاه أن يظل المسكين حبيس الأنفاس، قابعا في الظل، يفعل فيه وبه باسم السين والياء والألف والتاء ... !؟ أسئلة أثيرها من واقع الممارسة الإشرافية والتأطيرية، ومن واقع حال التعليم والتربية، التي أفادت ارتباك الهندسة البيداغوجية للفعل التعليمي. حيث وقفت على وسطية البين بين في الاشتغال المدرسي! بأن ذهب طرح بيداغوجي إلى هندسة أسابيع إرساء الموارد وفق بيداغوجيا الإدماج وفي إطار الكفايات الأساسية والمرحلية المقررة دون استكمال دورتها بالإدماج. واعتمد في الهندسة على توزيع الموارد المتطلبة للكفاية وللوضعيات الإدماجية على ست أسابيع. وقد نحتها من المنهاج الحالي. وهو منهاج متمركز حول الوحدات الدراسية وتيماتها المتنوعة. التي تتضامن بنيتها المعرفية المدرسية والمنهجية والمادية والسلوكية والسيكولوجية والاجتماعية والثقافية لأداء وظيفتها التعليمية عبر تبئير المعرفة بالدرجة الأولى في هذا المنهاج ومركزتها دائرة الاهتمام والهدف والاشتغال في الفعل التعليمي التعلمي. والذي يتأطر بالأساس بأدبيات منهاج المواد المدرسية مهما حاولنا إسقاط الأنواع الأخرى من المناهج عليه. فأسسه المدخلية والبنائية والتقويمية وأهدافه وسيرورته ونتائجه لا تخرج عن أسس منهاج المواد المدرسية، ولنا عدة مؤشرات على هذا الانتماء وهذا التصنيف تدحض أي ادعاء مخالف. وبالتالي فإن الاشتغال عليه من منطلق بيداغوجيا الإدماج هو اشتغال صياني أكثر منه اشتغال وظيفي. وبالتالي منطقه التعليمي وبنيته العضوية تتكسر على أعتاب النحت الديداكتيكي والهندسة البيداغوجية ببيداغوجيا الإدماج وهذا خطأ فادح ذهبت إليه التجربة التربوية والتكوينية المغربية في تطبيق بيداغوجيا الإدماج، ما دامت ذهبت إلى تبني السترجة التجريبية بدل السترجة الوضعية في إصلاح المدخل الديداكتيكي للدرس المدرسي الابتدائي، فهو لا ينسجم مع مذهبها الإجرائي. وزادته كارثية عندما زاوجت بين نمطين في تعميم الاشتغال بها، حين أخذت باطراد التعميم في التجريب، والتعميم دفعة واحدة في الإقرار، ما ساهم في ردود فعل قوية، فضلا عن عدم توفير شروط تدبيرية للتطبيق ولا يمكن لمنهاج الوحدات أو المجالات الدراسية الاحتفاظ ببنيته ووظيفته في ظل هذا الاشتغال. ومن ثمة، فإن هذا الطرح الذي يعتمد على إرساء الموارد دون الذهاب إلى الاشتغال عليها بالإدماج. طرح يقف في نصف الطريق إجراءً وهدفا. لا هو حقق هدف منهاج الوحدات الدراسية، ولا هو حقق هدف الإدماج. وبالتالي؛ فهو بين بين!؟ وأقصى ما يذهب إليه هذا الطرح في هذه النصفية هو أنشطة الدعم والدعم الخاص بعد التقويم بالطريقة التقليدية. التي في أقصى أهدافها هي الأخرى بالارتباط مع طبيعة المنهاج هو التطبيق للمعرفة على مواضيعها. ما يرتقي بالمتعلم إلى مهارة التطبيق تتويجا للسيرورة الذهنية التعلمية المرتبطة هنا عضويا بطبيعة أنشطة الدعم والدعم الخاص، التي تفيد معطى تقليديا ونمطيا في الأنشطة وطريقة مقاربتها ويمكن أن نفتح بابا للنقاش مستقبلا في هذا الشأن مبنيا على الوقائع التجريبية وليس على القول النظري طلبا للدليل في موضوعه ومقولاته وهنا، حين نذهب إلى أنشطة التقويم، والدعم، والدعم الخاص. لا نجدها ترتكز في حقيقتها وموضوعيتها على ما سجل من ملاحظات ومن نتائج التقويم أثناء بناء الموارد أو تقديم التعلمات. وإنما، هي ممتحاة مما سطر في الكتاب المدرسي، وهو تسطير مفترض لا واقعي. وبالتالي، فإن الغرض أو الغاية من هذه الأنشطة لا يتحقق ولا تتحقق. فتبقى مكامن الخلل الحقيقية والواقعية دون تصحيح ومعالجة والضعف قائم مادام لم يستهدف بالدعم الحقيقي، مقابل بقاء مواطن القوة غير معززة. وعليه، فنحن لا نستكمل دورة بيداغوجيا الإدماج بما لها وعليها. وأما الطرح الثاني، فهو العودة في ظل هذه الهندسة إلى الوحدات الدراسية. غير أن الهندسة البيداغوجية التي فتت بنيتها ووظيفتها على أسابيع إرساء الموارد، لم تضمن لها وحدة البنية والوظيفة. وبذلك، نجد مكونات الوحدة الدراسية مشتتة على الكفايات المرحلية. فلا تكتمل دورتها هي الأخرى. حيث الهيكلة المعرفية لتيمة الوحدة انشطرت وتوزعت موارد على الكفايات المرحلية. وبالتالي، فالمتعلم لا يقف على بنية عضوية معرفية ومنهجية وموضوعية وثقافية واجتماعية وسيكولوجية وسلوكية متكاملة ومتضامنة ومتفاعلة فيما بينها. فيمكن لنا حينئذ السؤال عن وحدة الموضوع الإبستيمي، وعن وظيفته في إكساب المتعلم الكفاية المقررة في هذا المنهاج أو على الأقل ما يسمى في دروسه بالأهداف؟ ونحن نعلم بأن الدرس المدرسي ليس معلومات ووقائع تعليمية معيشة فقط وإنما هو منهج وطريقة ونمط تفكير ومهارة وقيم وسلوك. بل، هو وجود مادي ومعنوي آني ومستقبلي، وتشكيل مستقبلي لنمط معين من الإنسان. نسلك فيه أنواعا من البيداغوجيا والديداكتيكا والاجتماع ... ومنه، فإن الدرس المدرسي له سطح وعمق أو له بنية سطحية وبنية عميقة، الأولى معلنة والثانية خفية. وليس جميع أهل التربية والتعليم على قدم المساواة في معرفتها والإمساك بها وقراءتها وتأثير فيها. ولعل ما خفي في بنية الدرس المدرسي من غايات سياسية أشد وطأة على الدرس نفسه، بله نتائجه! وعليه، فالوعي بخطورة الفعل واللافعل في نفس الوقت، سيجنبنا شر شطر التفكير إلى الفعل واللافعل! وإقلاقه وإرباكه في أخطر مرحلة يبنى فيها. والتفكير وأي تفكير له منهج، وله موضوع، وله آليات وأدوات، وله ميكانيزمات ... فإذا التبست هذه المداخل أو هذه الأسس لم يعد تفكيرنا تفكيرا سليما، ولم يستقم لنا، وتهنا من حيث نريد التوجه السليم نحو الهدف. وهذا الاشتغال بالبين بين، هو اشتغال نصفي، يمكن أن يوسم ويوصف بالشلل البيداغوجي النصفي. حيث نظل داخل وخارج بيداغوجيا الإدماج ومنهاج الوحدات في نفس الوقت! لا نحقق به الغاية التي وضع من أجلها كل من المنهاج وبيداغوجيا الإدماج، ولا نحقق المدخل المنهجي الصحيح للدرس المدرسي المغربي ولا المدخل الديداكتيكي المقرر بالمقاربة بالكفايات، والتي تقر الجهات الرسمية أن ما في كتبها المدرسية سوى منطوقات غير الكفايات. ونحن نعيش في ألفية المعرفة التي تتطلب منظومة تربوية وتعليمية قوية ومتجددة في نفس الآن. ما يوجب علينا التفكير في اشتغالنا، ومساءلته يوميا عما حققه من أهداف وغايات، وما أنتجه من منتوج معرفي وسلوكي ومهاري واجتماعي وثقافي واقتصادي وإنساني ... فحين المساءلة، نذهب إلى البحث عن أنجع منهاج ومنهج وهندسة وأداء، فيتحقق لدينا التجدد اليومي للدرس المدرسي، وتبعا لتجدده تتجدد النتائج. وهنا، يمكن أن نستحضر البدائل التي طرحها بعض الباحثين والمهتمين بالحقل التربوي والتعليمي المغربي ونتأملها ونناقشها وندرسها ونجربها. وهي بدائل في غالبها مستقاة من التجربة لا بدائل مبنية داخل مشروع فكري متطور، يتأسس على معرفة دقيقة بالمتعلم المغربي وبواقعه وبمستقبله، وبمستقبل المغرب الحضاري والإنساني وبمآلات التطورات العالمية في مختلف المجالات الحياتية والمؤسساتية، وبمتطلبات المستقبل ومستجداته وبمتغيراته المتسارعة. وهنا، ومن منطلق الواقع التعليمي المعيش أنصح بالأخذ بنمط من التدريس بكليته. إما أن ندرس ببيداغوجيا الإدماج من ألفها إلى يائها أو الأخذ بالتدريس بالوحدات من ألفها إلى يائها. أما الأخذ بالبين بين فلا يحقق غير التشتت المنهجي والبيداغوجي، وضبابية الأهداف والإجراءات. ونحن لمسنا عن قرب، كم من فاعل تربوي حلت أسابيع الإدماج على أدائه الصفي وهو مازال لم يصل بوحداته إلى الإدماج. والخطأ هنا هو الازدواجية في الهندسة البيداغوجيا. التدريس بالوحدات، والإدماج حل محل أسابيع التقويم والدعم والدعم الخاص! والعكس صحيح. وبالتالي، كان من الأجدر التريث واستكمال السنة الدراسية بمعطى الإدماج وتقويمه تقويما علميا منضبطا لقواعد التقويم. ثم التغيير أو الإبقاء وفق نتائج التقويم في السنة المقبلة حتى نتلافى أثر هذا التساوق مع تهدئة الخواطر وتجنب الاحتقان، الذي سيجني منه المتعلم ما ستفصح عنه أيامه المقبلة. فمن باب الحكمة والحكامة أن نقدم مصلحة المتعلم عن أي اعتبار. فهي تاج، تشرف كل من يخدمها، وفي أي موقع كان. وهذه الورقة، وهي تطرح الاشتغال البين بين طرح سؤال، تطلب رديفتها إن شاء الله تعالى التي ستبين بالمنهج التجريبي نتائج هذا الاشتغال في الدرس المدرسي، وتبين مناطق القوة فيه كما مناطق الضعف فيه، وتقارن بينهما، لتبين أن القرار الحكيم هو المبني على مسوغاته وقواعده ومتطلباته ... وبالله التوفيق. عبد العزيز قريش