مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    بعد استهدافها بصواريخ باليستية من إيران.. إسرائيل تهدد برد قوي وحازم    بعشرة لاعبين.. اتحاد طنجة يتعادل مع بركان ويتربع على صدارة البطولة الوطنية    اقليم اسفي : انقلاب حافلة للنقل المدرسي واصابة 23 تلميذا    الحبس النافذ لطبيب بتهمة الإساءة للقرآن والدين الإسلامي على وسائل التواصل الاجتماعي    تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. منح مساعدات مالية مهمة للسكان الذين هدمت مساكنهم جراء فيضانات الجنوب الشرقي‏    نقابة مغربية تتضامن مع عمال فلسطين    نتائج اليوم الثاني من جائزة "التبوريدة"    تعنت نظام الكبرانات.. احتجاز فريق مغربي بمطار جزائري ليلة كاملة ومنعهم دخول البلاد    نائلة التازي: الصناعات الثقافية و الإبداعية رهان لخلق فرص الشغل    ملكة هولندا "ماكسيما" تفتتح معرضاً حول "الموضة المغربية" في أوتريخت    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    السياحة المغربية: رافعة أساسية للتشغيل، لكن هناك حاجة ملحة لتعبئة أكبر لجميع المناطق    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين بمحطات الوقود    الرئيس الإيراني يتعهد ب"رد أقسى" في حال ردت إسرائيل على الهجوم الصاروخي    في العروق: عودة ليزلي إلى الساحة الموسيقية بعد 11 عامًا من الانقطاع    طقس الخميس .. امطار بالشمال الغربي ورياح قوية بالواجهة المتوسطية    مواجهة أفريقيا الوسطى.. منتخب الأسود يقيم في مدينة السعيدية        عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري البريطاني لمناقشة تعزيز التعاون الأمني    بلينكن يجدد دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء        دريانكور: الجزائر تنسى اتفاق الحدود مع المغرب .. والنظام يعاني من العزلة    أساتذة الطب والصيدلة يتضامنون مع الطلبة ويطالبون ب"نزع فتيل الأزمة"    الودائع لدى البنوك تتجاوز 1.200 مليار درهم    "حزب الله" يعلن تدمير 3 دبابات إسرائيلية    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ثمانية من جنوده في معارك مع حزب الله بجنوب لبنان    القاهرة.. الجواهري يستعرض التجربة المغربية في مجال دور المصارف المركزية في التعامل مع قضايا التغير المناخي    إحباط عملية للتهريب الدولي لشحنة من الكوكايين بمعبر الكركرات    الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024: انتهاء مرحلة تجميع المعطيات من لدن الأسر    اعتداء جنسي على قاصر أجنبية بأكادير    فيلم…"الجميع يحب تودا" لنبيل عيوش يتوج بجائزتين    الدنمارك: انفجار قنبلتين قرب سفارة إسرائيل    بسبب "عدم إدانته" لهجوم إيران.. إسرائيل تعلن غوتيريش "شخصا غير مرغوب فيه"    الصويرة بعيون جريدة إسبانية    لقجع: "سننظم كأس العالم لكرة القدم داخل القاعة 2028 وسنفوز بها على أراضينا"    نزاع يؤدي إلى طعن النائب البرلماني عزيز اللبار ومدير الفندق    إيران تقصف إسرائيل وتهدد باستهداف "كل البنى التحتية" لها    لهذا السبب تراجعت أسعار الدواجن !    ابتداء من 149 درهما .. رحلات جوية صوب وجهات اوروبية انطلاقا من طنجة    الولايات المتحدة تعيد التأكيد على دعمها للمبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء كحل جاد وموثوق وواقعي    وفاة شاب في الأربعينات متأثراً بجروح خطيرة في طنجة    الولايات المتحدة تثمن الدور الحيوي الذي يضطلع به جلالة الملك في تعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب        الاعلان عن موسم أصيلة الثقافي الدولي 45 بمشاركة 300 من رجال السياسة والفكر والادب والاعلام والفن    أبطال أوروبا.. أرسنال يحسم القمة أمام سان جرمان وإنتصارات عريضة للفرق الكبيرة    احتفاء بذكرى المسيرة الخضراء.. الداخلة تستعد لاحتضان حدث رياضي دولي في المواي طاي    السيد: مستشرقون دافعوا عن "الجهاد العثماني" لصالح الإمبراطورية الألمانية    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    رجل يشتري غيتاراً من توقيع تايلور سويفت في مزاد… ثم يحطّمه    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    جدري القردة يجتاح 15 دولة إفريقية.. 6603 إصابات و32 وفاة    تناول الكافيين باعتدال يحد من خطر الأمراض القلبية الاستقلابية المتعددة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستاذ الباحث عبد الرحيم تكشميطة -ابوصفاء – ينال شهادة الدكتوراة بميزة مشرف جدا
نشر في تازة اليوم وغدا يوم 30 - 12 - 2011

نوقشت بكلية الآداب والعلوم الانسانية لجامعة محمد بن عبد الله بظهر المهراز بفاس أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه ” التراث النقدي العربي وسياقات الحداثة قضايا النص والشعرية عند عبد القاهر الجرجاني” للأستاذ الباحث ” عبد الرحيم تكشميطة إشراف الدكتور جمال بوطيب .
وتكونت اللجنة العلمية التي ناقشت الرسالة على مدى 4 ساعات من د لمفضل الكنوني مشرفا ورئيسا وعضوية كل من د محمد الواسطي ود أحمد الدويري ود محمد اوراغ بالإضافة د جمال بوطيب
المناقشة كانت متميزة على أكثر من مستوى حيث تم تسليط الضوء على أكثر الجوانب المعتمة في المقاربة بجرأة وموضوعية وتناسق منهجي ، حيث حصل الطالب الباحث على ميزة مشرف جدا مع توصية وإلحاح من قبل كافة أعضاء اللجنة العلمية بنشر الأطروحة التي نجحت في سبر أدغال قضايا النص والشعرية ومقاربة عبد القاهر الجرجاني أحد فطاحلة النقد العربي . وقد أكدت اللجنة العلمية إعجابها بالبحث وركزت على السيرة الطيبة والجدية للباحث معتبرة العمل استثناء أكاديمي مقارنة مع ندرة ما يطرح في هذا المجال الصعب الارتياد ، وبالتالي يستحق البحث أن يدرج ضمن الأطاريح الجادة والمميزة في هذا المجال
والجدير بالذكر أن أعضاء اللجنة العلمية من أبرز المتخصصين في هذا الاتجاه مما جعل الأطروحة أكثر جرأة وتناسقا وانسجاما.
يشتغل الموضوع في مجال الإبداع و النقد الأدبي دأب الكثيرون على اعتبارِ كلِّ تجديدٍ وتحديثٍ فيه، نوعا من تكسير القديم وثورةٍ عليه وتهديدٍ لبقائه وخلوده، و نادى المتشددون للتراث بالقطيعة مع كُلِّ أشكال الحداثة التي كانت بالنسبة إليهم أقربَ إلى الصّدمةِ منها إلى الامتداد، و نشأَ جدلٌ حادٌّ بين التّراث باعتباره سلطةً ثابتةً تعتمد على الماضي والتاريخ في تشكيل دعائمها وهياكلها، و بين الحداثة باعتبارها ثورةً على الأشكال القديمة، تعتمد على التجديد والتجريب في تشكيل رؤيتها المستشرفَةِ لأشكالِ التعبير الإنساني عن وجوده في تطوره عبر الزمن. هذا الجدلُ خلقَ حركيةً داخل منظومة النّقد الأدبي بصفة عامة، الذي عرف سيرورة مهمة جدا بين ما هو تراثيٌّ و حداثِيٌّ، غيرَ أنّها سيرورةٌ واجهت الكثير من الإشكالات المعرفية تمرْكَزَت حول ثنائية(القطيعة والامتداد).
في ظل هذه الإشكالات استمد البحث عن امتداد التّراث في الوعي الحداثي، وعن أصول الحداثة في التّراث مشروعيتَه الصّلبة، التي تتوخّى إنشاءَ علائقَ جديدةٍ تصل الماضي بالحاضر عبر جدلٍ كينونيٍّ مستمر، بعيدا عن محاولة تعويض البنى الجاهزة للمعرفي الماضوي التي يسعى الفكر الحداثي إلى تجاوزها بالبنى المتحركة للمعرفي التّراثي.
من هذا المنطلق حضر التّراث بكلياته المادية والمعنوية، حضورا دلاليا وكونيا في الوعي النّقدي الحديث، و شكل معطى حضاريا كليا، خاضعا لجدلية التحول والاستمرارية والتطور، حاضرا في الوعي الإنساني ليس بدافع الحاجة أو الضرورة ولكن بوصفه “ذلك الكيانَ المنسجمَ مع نفسه والذي يمتلك قدرةً على تحريك الواقع المعاش أدبيا وشعريا”[1]، و هذه القدرة هي التي جعلته يتجاوز التصورات التي حاولت تقليص فاعليته الممتدة داخل التوجّهات الحداثية في الكتابة نقدا أو إبداعا .
إذن فالتّراث فرضَ سُلطتَه في الامتداد والحضور، ليس لأنّه يمتلك ميزةَ الأسبقية والحضور المبكّر في الزمن، و إنّما لأنه يمتلك روحا حركية دائمة التجديد، بما فيها من قابليات للتأقلم مع التصورات اللاّحقة عليها، و إمكانياتٍ للتطور نحو ما يلائم بنيات و تأملات الإنسان الجديدة.
وما كان يهمنا في معرض مقاربة جدلية التّراث والحداثة، هو التركيز على علاقتهما بقضايا الشِّعْرية و النّص، و كيف يطرح هذا الأخيرُ انتماءَه إلى الطّرفين من حيث الآلياتُ التي تشتغل في مقاربته على مستوى الإبداع، و النّقد معا، و ذلك بالتساؤل حول سيرورة الفعل الإبداعي باعتباره متحققا في التّراث بصفة الثبات، وممتدا في الحداثة بصفة التحول، و أيضا التساؤل حول الأجهزة الواصفة، والآليات النّقدية والمناهج التحليلية التي صاحبت الفعل الإبداعي، و الواقعة الأدبية بشكل أدَقَّ في انتقالها من النّص القديم إلى النّص الحداثي.
فهل استطاع التّراث النّقدي العربي أن يطور أجهزتَه لمتابعة النُّصوص في أشكالها الجديدة؟ وما هي إمكانات ذلك؟ وما هي الأسئلة الشِّعْرية التي يطرحها النّص كتحديات أمام أجهزته الواصفة ومناهج تحليله؟. ولأنّ النّص هو محور هذا الجدلِ و مبعثُه، كان لزاما أن نتساءل: ما هذا الذي يُسمّى(نصٌّ)؟ قبل أن نضيف إليه صفةَ الشِّعْرية أو الأدبية بوجه عام، حتّى نقولَ إّنه(نص شعري)أو(نصٌّ أدبي)؟؛ ومؤكد أنّ هذا التساؤلَ سيكون مفيدا في معرفة مدى نجاعةِ البحث عن شعريةِ النّص عامة وفي تراثنا النّقدي تحديدا، و سيكون الخوض في هذه القضية توطئةً ضروريةً لطرح النَّظرية الشِّعْرية عند عبد القاهر الجرجاني مقارنة ً مع ما توصل إليه النّقد في سياق الحداثة.
وطَرْحُ أسئلة النّص والقضايا النّقدية التي يثيرها في سياق الجدل القائم بين التّراث والحداثة، ما هو إلا خطوةٌ أولى نحو الوقوف على محور مهم من المحاور التي تهم الدراسة، و المتمثل في الإشكالات التي يقدمها النّص في إطار البحث عن مكامن الشِّعْرية و الأدبية فيه، و هي إشكالات متصلة أساسا بمعرفة حقيقة(معيار النّص)إذا كنا نتحدث عن(شعرية النّص أو انزياحه)، و بالقبض على الخاصية الجَمالِية فيه، و كيف يمكن مُقاربة تلك المنطقة المنفلته داخل ما تم اعتباره(بنيةً مغلقةً وقائمة الذات). ولا بدّ إذن من مطارحة هذه القضايا داخل الإطار الذي نمت وعرفت نضجها فيه، و هو إطار الشِّعْرية، على اعتبار أنّها جاءت ثورةً على المعايير الخارجة عن النّص، و فرضت تمسكها به، واعتبرته امتدادا لها، بانيةً بذَلك قانونها الخاص، واحتلت مساحة واسعة في النّقد الأدبي الحديث، و دلّلت من خلال تصوراتها النَّظرية والإجرائية على نجاعة أدواتها، و صلاحية منهجها في التعامل مع النُّصوص الأدبية انطلاقاً من بنيتها اللّغَوية، عبر تطوير رؤية جديدة لفهمها و تحليل شروط وكيفيات نشأتها.
في سياق هذه التساؤلات التي كانت مدخلا لإشكالاتٍ أخرى لاحقةٍ تهمّ البحث جاءت الدّراسَة موسومةً بعنوان:(التّراث النّقدي العربي وسياقات الحداثة، قضايا النّص و الشِّعْرية عند عبد القاهر الجرجاني)في إطار نقد النّقد، بحثا في التصورات و المقولات النّقدية التّراثية حول أهم قضايا النّص و الشِّعْرية، و إعادة قراءتها في ضوء الحداثة الأدبية، قراءةً لا تصدر عن رغبة أو انبهار بالحداثة، أو محاولة إثبات السبق التاريخي لهذه القضايا في التّراث النّقدي العربي، و إنّما في اكتشاف البعد الاستشرافي و الحداثي الذي احتواه الوعي النّقدي التّراثي بالنسبة لزمنه، اعتمادا على هدف أساسي، يتمثل في إمكانية تطوير و استثمار المقولات النّقدية لهذا التّراث، من أجل صياغةِ جهازٍ نظريٍّ نقديٍّ عربيٍّ خاص أو قائم الذات في قدرته على تحليل الخطاب الأدبي، و مُقاربة النُّصوص على اختلاف حساسياتها صياغةً في ضوء النّقد الحديث، بحيث يكون هَدَفُ القراءة هو تبيئةُ النّماذج النّقدية القديمة في قوالب جديدة تنسجم مع روح التحديث و العصرنة.
في هذا الإطار اختار البحث محاورةَ نموذج نقدي رائد من داخل التّراث العربي مُمَثلا في متن عبد القاهر الجرجاني من خلال كتابيه(أسرارُ البلاغة)و(دلائلُ الإعجاز)، اختيارٌ وفّرته أسباب كثيرة و سياقات جمة، لعلّ أهمها، الثقة الراسخة بأن تراث الشيخ الجرجاني مَعينٌ لا ينضب من التصورات النّقدية المتجددة مع كلّ قراءة ترومه، و هو النموذج الأمثل فياعتقادي للتعبير عن التّراث النّقدي والبلاغي العربي من جهة أولى، و امتلاكه روحَ استشراف المقولات النّقدية التي أفرزها السِّياق الحداثي في دراسة الأدب عامة من جهة ثانية. وعلى هذا الأساسِ كان اختيار مُدارسة قضايا النّص و الشِّعْرية عند عبد القاهر الجرجاني في سياق حداثي، صادرا عن ثقةٍ راسخة في المؤهلات و الإمكانات التي ينطوي عليها مَتْنُهُ على مستوى التّنظير و التّحليل، و مدى تحقق البعد الحداثي لهذه القضايا داخل المتن النّقدي الذي وفّره هذا الرجل للدراسات الأدبية عامة و الشِّعْرية على وجه الخصوص.
و تتلخص أطروحة البحث في إشكالية عامة تتفرع عنها مجموعة من الفرضيات و التساؤلات، طُرِحت في سياق كُلِّ مبحثٍ على حدة، و تتلخص هذه الإشكالية في مدى صحّة اعتبار: المقولاتِ النّقدية و المنهج التحليلي و التنظيرات البلاغية التي صاغها عبد القاهر الجرجانيُّ، ضمن تصوّره النّقدي في أسرار البلاغة و دلائل الإعجاز، تمتلكُ إمكانيةَ بناء و تأطير منهج ناجعٍ و فاعلٍ في مُقاربة النّص و تحليل الخطاب الأدبي، و أنّ المفاهيمَ و التحليلات التي اعتمدها في تحقيق ذلك، لها صداها الكبيرُ في الدِّراسات النّقدية الحداثية، و هي بالتالي تتقاطع و تتماثل و تتناصّ مع مجموعة من نظيراتها في النّقد الحديث أو المعاصر، إضافة إلى اعتبارها موسومةً بالتميز و الاختلاف عن ما سبقها ضمن التّراث النّقدي العربي؛ على مستوى البعد الاستشرافي النّقدي عامة، على اعتبار أنّ المشروع النّقدي الجرجاني كان سابقا لعصره بامتياز.
ولا يدّعي البحث اعتماد منهج معين بشكله المتكامل، لأنّ تطبيق منهج بذاته في الدراسة، له من الصرامة و المحدودية، ما لا يتناسب مع طموحاتها و فرضياتها، كوْنُه يشمل قضايا نقديةً تتميز بشموليةٍ يصعب ضبطها داخل إطار موحد، و كان السبيل هو الإفادة من مجموعة من المناهج واستثمار و استدعاء بعض مقولاتها، من أجل الوصول إلى نتائجَ أنْجَعَ و أفْيَدَ في الإجابة عن الإشكالات المطروحة، هكذا اعتمدت منهجية البحث مبادئَ(الوصف)و(الاستقراء)و(المقارنة)، بخُطّة تنمو فيها فكرة البحث عبر أُفُقٍ تساؤلي مستمر، يثير القضايا و إشكالاتها، أكثر مما يطمح إلى الإجابة عنها، ذلك أنّ أي ادعاء بالحسّم فيها سيجانب الصّواب لا محالة.
تأسيسا على ما سلف، عمد البحث إلى وصف القضايا المدروسة عبر تحديدها و طرح الإشكالات التي تثيرها، و تقديمِ الفرضيات المتعلقة بها، ثم الاعتمادِ على أداة الموازنة و المقارنة، للخُلوصِ إلى الاستنتاجات و التعميمات التي يمكن اعتبارها نتائجا للبحث، و لا يتم ذلك إلا باستقراء هذه الظواهر عبر رصدها في جزئياتها و تفاصيلها، و ذلك يقود إلى صياغةِ النتائج العامة و الكلية للدراسة و التحقق من الفرضيات المطروحة كمرحلة أخيرة؛ وتبنّي هذه المنهجيةِ جعل البحث يسير في خطٍّ من التوازي بين التصورات التّراثية العربية و بين قضايا النّص و الشِّعْرية في السِّياق الحداثي، توازٍ يعتمد على المقارنة التي تهدف إلى توضيح أبعاد النَّظرية النّقدية القديمة، عن طريق استعارة بعض الأدوات الإجرائية من النَّظرية الحديثة لما تتسم به هذه الأخيرة من دقة علمية تمكن من بلوغ الأهداف المنشودة، التي من أهمّها، التّأكيد على استمرار الكثير من المقولات و التصورات القديمة في التنظير النّقدي الحديث.
وقد حاول البحث مُقاربة تصور الشِّعْرية في التّراث النّقدي العربي؛ خاصّة عند عبد القاهر الجرجاني في توازٍ مع مجموعة من الاتجاهات و النظريات النّقدية مثلَ: التوليديةِ التحويلية في اللسانيات، و نظريةِ الانْزِياح،و الأسلوبيةِ، و جماليةِ التّلَقّي، عبر طرح مجموعة من قضايا النّص و الشِّعْرية، يمكن إجمالُ أهمّها في:(النّص، الشِّعْرية، النّظم، الانْزِياح، المعيار، المجاز، المحاكاة، التخييل، الصورة الشعرية، الأسلوب، الاستعارة، و التّلَقّي...)، بالإضافة إلى تقديم و تحليل التصور النظري الإشكالي للإطروحة بإلقاءِ الضّوء على النّص من خلال الجدل القائم بين لُغَته و شعْريته في إطار الإشكالِ المطروحِ بين ثنائية(المعيار و الانْزِياح)، و ذلك كلُّه ضمن جدلية التّراث و الحداثة.
وقد اقتضت منهجية البحث تقسيمَه إلى تسعة فصول (كل فصل يتضمن مباحثَ مستقلةٍ) مُوزّعةٍ بالتساوي على ثلاثة أبوابٍ، مشفوعة بمقدمة تحتوي الإطارَ النظريّ العام للبحث و منهجيتَه و بعض الإشكالات التي يطرحها مع عرضٍ للهيكلة التي يتبِّعُها، ثم خاتمةٍ تتضمن النتائجَ و الخلاصاتِ و الآفاقَ .
ولا يسع المقام لعرض النتائج التي توصل إليها البحث و التي تمّ عرضها بتفصيل في الخاتمة، ويكفي التأكيدُ أنّ الفرضياتِ الكبرى التي ساقها البحث، نالت جانبا مهمّا من التحقق، و أفضى جهد إعادة القراءة، إلى قَطفِ نَزْرٍ غير قليل من النتائج ، لعلّ أهمّها مُمَثلٌ في القناعة الرّاسخة بامتلاك الجهاز النّقدي العربي التّراثي، العُدّةَ النّقدية، و الأرضيةَ المعرفيةَ، و الأجهزة المفهوميّة و المصطلحية، و المناهج التحليلية، ما يجعله قادرا على بناءِ منهجٍ خاصٍ و مستقلٍ، قائمِ الذّاتِ و مُنسجمٍ مع خصوصية النّص العربي، و جاءت مجهودات عبد القاهر الجرجاني مؤكّدَةً هذه الفرضيةَ، و تجاوزتها إلى التّدليل فعلا على امتلاكه وَعْيا حداثِيا بقضايا النّص و الشِّعْرية، يتقاطع كثيرا و يتطابق أحيانا و يقترب أخرى، من أهمّ و أشهر ما توصلّ إليه النّقد الحديث، في البنيوية و الأسلوبية و الشِّعْرية و اللّسانيات و التداولية و غيرها، و يبقى هذا البحث مجرّدَ مقاربة حاولت التحقق من مجموعة من الفرضيات، و عملا متواضعا، لا يزعم أنّه قدّم إجابات شافية، أو حاسمة على التساؤلات التي جاءت في سياقه، و قراءةً أولى لا بدّ أن تَعْتَوِرَها النّقائصُ، لكنها تطمح إلى تحقيق آفاقها المنشودةِ مستقبلا و التي على رأسها : بناء نظرية نقدية عربية متكاملة، تُقارب عناصرَ الأدب جميعَها، تجمع ما تفرّق، و تلمّ ما تناثر، و تُنَظّمُ ما تَبَعْثَرَ من آراءِ نقديةٍ عميقةٍ، و نفيسة وردت في تراثنا، استعانةً بما توصّل إليه النقد الحداثي و استثمارا له، مع التأكيد أنّ أيّ منهج نقديٍّ عربيٍّ يمكن تَبنّيه في دراساتنا الحديثة، يجب أن يكونَ أساسُه الأكبر المكين، قائماً على تراثنا وثقافتنا وقيمنا العربية والإسلامية الأصيلة، وأن تكونَ الأسس الأخرى الجديدة، أو المقتبَسة، أو المأخوذة من شرق أو غرب، متناغمةً مع هذا الأساس الأكبر، داعمةً له، و بكثير من الطموح قائمةً عليه.

------------------------------------------------------------------------
[1] حنا عبود: القصيدة والجسد، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق، 1988، ص 213.
موقع تازة اليوم وهو ينشر التقرير الذي تلاه الطالب الباحث أمام أعضاء اللجنة العلمية الثلاثاء 28 دجنبر 2011 بقاعة المحاضرات بالطابق الأول لكلية الآداب والعلوم الانسانية يبارك للدكتور عبد الرحيم أبو صفاء وحرمه واسرته الكبيرة والصغيرة تفوقه العلمي ويثمن إنجازه العلمي و الادبي القيم عاليا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.