غالبا ما تعكس المصطلحات المروجة في مؤسسة ما نوعية تفكير أصحابها ومستوى إلمامهم بمسألة معينة، أو ربما بمسائل عدة، ويمكن أخذ نظرة مدققة عنهم وذلك انطلاقا من الرصيد المستعمل من طرف العاملين في شتى حقول الحياة بوعي أو بدونه، فكثيرا ما نلقى أنفسنا حمالين لألفاظ وكلمات جرت “العادة” على استخدامها دون أن نكبد أنفسنا عناء تفحصها والتدقيق فيها والتحقق من مدى مجاراتها للواقع ككل وللواقع البيداغوجي / التربوي الديداكتيكي على وجه الخصوص، فلنأخذ عن سبيل المثال لا الحصر كلمات: ناجح، راسب، تلميذ ................... فهل هذه المصطلحات. (ناجعة) وهادفة وخالية من كل الخلفيات التأويلات السلبية؟ ألا يمكن استبدالها بأخرى أكثر موضوعية ومجاراة للواقع التعليمي؟ كل عمل أو واجب تربوي تعليمي يقوم به المتمدرس في مؤسستنا التعليمية، بمختلف أطوارها، مبنى بشكل أو بآخر على “الثواب” و”العقاب” أو على “النجاح” و”الرسوب” هاتان الكلمتان تعتبران وكما هو معلوم نتيجة لمجموعة من الممارسات الوجدانية الانفعالية الحس –حركية ومن التفاعلات التي يتأثر بها ويؤثر فيها المتعلم طوال موسم دراسي، يعيش خلاله هذا الأخير بين مد وجزر وبطريقة تفاعلية ارتباطية مع مجموعة من الأسس والركائز في العملية التربوية من مناهج وطرق ومقررات ومدرسين ومؤسسة ووسائل ديداكتيكية، وكذلك من عوامل غير مباشرة على العملية ولكن لها دورها في مسألة التأثير على الكائن الممدرس، وهي الأسرة ووضعيتها الثقافية والمادية والاجتماعية ووسائل الإعلام دون نسيان الرفاق والشارع وما يجنى منهما من تفاعلات لا مجال لذكرها الآن... قلت، تتويجا لكل هذا، يتأتى لنا – سواء بصفتنا عاملين في حقل التربية أو بعيدين عنه- أن نطلق تلك النتيجة القاسية في حديها في حق المتعلم وذلك بإصدارات جاهزة على منوال “ناجح: “راسب”. ولنستهل هذه المناقشة بكلمة (ناجح) والتي غالبا ما نذكرها بصوت رنان مصحوب بافتخار وغبطة، لكنه كما سنرى ليس ذلك المصطلح البريء الذي يوصل الرسالة دون تشويه، فبمناجاة للمنجد نجد أنه اسم فاعل من نجح، بمعنى فائز بحاجته وظافر بها، من هذا المنطلق يتبدى لنا أن المصطلح المستعمل غير حمال لأية شوائب طفيلية أو خلفيات سلبية، لكن بفتحها لنافذة نطل من خلالها على هذه التسمية وبطريقة شاملة، نلقاها شيالة لحمولة مسكوت عنها ألا وهي ضد كلمة ناجح أي فاشل، وقد لا يخفي علينا سلبية هذه الأخيرة وما يتوحد بها من مقترنات سنتطرق لها في إبانها. وأيضا “ناجح” في حد ذاتها حكم قيمي بالنجاح المطلق، يسقطنا أحببنا أم كرهنا في الدوغمائية والوثوقية، ونحن نعرف أن لا وثوقية في المعرفة فما هو كأنه مطلق اليوم سيصبح نسبيا غدا أو منفيا، لهذا فقولنا فلان “ناجح” تتمخض عنه عدة أسئلة إلى أي حد “نجح فلان”؟ هل نجاحه شمل كل المواد المدرسة أو بعضها ؟ أم أقل قدر منها سمح له بالحصول على أبسط معدل مكنه من اجتياز مستوى معين وفتح أمامنا الباب على مصارعيه للترنم بمثل هذه الأحكام الجاهزة القيمية المطلقة كناجح، والتربية كما لا يخفي على أحد إنها على قائم الذات شاسع لكنه محدد بدعائم وقوانين خاصة به، إذن فلا مجال لإقحام رصيد أدبي محض. في صميم العملية التربوية بل في أسمى مراحلها وفي نتيجتها النهائية مع نهاية الموسم الدراسي “ناجح”، ” أو قد نجح”، أو نسبة ” الناجحين”. وبعودتنا إلى الحد الثاني الذي يعتمد عليه كذلك في تحديد مآل التمدرس ناسين أو متناسين ما بذله ذلك “المسكين” من مجهودات قد تكون وفيرة أو شحيحة لكنها تنتهي عند صخرة مفاداها إصدارات قيمية على شاكلة “الرسوب” راسب” لكي تكسر عليها (تلك المجهودات) التي شارفت حدا لم نستطع نعته “بالنجاح” و”راسب” أيضا مصطلح لا يغدو أن يكون أن يكون حكما قيميا، أبعد ما يكون عن حقل التربية، يدل على إحباط وفشل كلي مني به قطب الرحى في العملية التعليمية التعلمية ألا وهو المتمدرس، ويلاحظ أن نتاج كل من لم يتوفق في الحصول على معدل المرور إلى المستوى الموالي مقبول” في بعض الوحدات الدراسية، وفي المقابل هزيل في وحدات أخرى، إذن، فهم لم يكن سلبيا كلية حتى نطلق عليه نتيجة “راسب”. وإذا تساءلنا عن الفرق بين معدلات المثابين “الناجحين” والمعاقبين ” الراسبين” نجده هو 0.1 بمعنى أن الحاصل على 10/4.9 كمعدل “رسب” ومن حصل على 5/10 “نجح” وهل هذا الفرق كبير وضخم إلى درجة يصبح حدا فاصلا بين المفهوم ونقيضه أي بين التكرار والانتقال بين “الرسوب” و”النجاح”؟. وهناك مصطلح لا زال يكرس الطرق التقليدية العقيمة” ويظهر لنا من خلال تلفظنا به، وباستعمالنا إياه، أننا لا زلنا لم نقلع الإقلاع الملائم لتدشين القطيعة مع تلك الأساليب ذات المردودية الدونية وذلك المصطلح هو “تلميذ” أو “تتلمذ” على يد فلان وبما أننا ما دمنا في نطاق مناقشة تستهدف بعض ما يروج في مؤسساتنا من رصيد، فهذه كلمة تلبس الطفل أسمال السلبية وتجعله ذلك الكائن الذي يجهل كل شيء والمستقبل، لأي شيء مصدره المدرس أو الكتاب العارفان على السواء وخصوصا المدرس الذي يستقطب العملية التعليمة و”التلميذ” يكتفي بتلقي المعرفة دون تفكير أو تفحص أو نقد لذا فبمجرد إصدار كلمة “تلميذ”، فإننا نصنف الطفل في مرتبة كرنولوجية قبل ظهور الطرق الفعالة، أي بالضبط في فترة كان المدرس فيها يصول، ويجول، ويشرح، ويفهم، ويستفسر، ويجيب، والطفل له دور في كل هذا هو أن “يستفيد” و”يأخذ” و”يختزن” المعلومات ليعمل على إرجاعها عند الطلب ويقوي ذاكرته بالحفظ فهو عندئذ أشبه ما يكون بطائر الببغاء خضوعا لمبدأ (بضاعتنا ردت إلينا). أليس من الأجدى، والحالة هذه، أن نفكر في رصيد تربوي موضوعي أكثر تلاؤما وتوافقا مع طبيعة الحقل التعليمي ؟ فمثلا “ناجح” و”راسب” يمكن استبدالهما بمفهومي متوفق وغير موفق لأن هذين الآخرين في اعتقادي أنسب من سابقيهما في استيفاء المطلوب وأكثر دقة في تحديد ميكانيزيات العملية التعليمة وتقييم مستوياتها موضوعيا لأنهما نسبيان أولا ... ولصيقان بالتربية ثانيا ونائيان عن الأحكام القيمية اللماعة والمحبطة ثالثا فلماذا هذه المجازفة والإتيان بمثل هذه البدائل يا ترى؟ فالمفهومان البديلان أي متوفق غير موفق نسبيان وتربويان لأن كل منهما يدل على درجة معينة في التحصيل الدراسي، فقولنا فلان متوفق، يدل توفق ذلك الشخص إلى حد ما، جعله يحرز على معارف ومدارك أهلته إلى الوصول إلى ميزة نسبية، ألا وهي حصوله على المعدل مشفوعا برصيد لا يستهان به من الخبرات كما أسلفت سابقا، ولصيقا في المقابل بقصور في التمكن من الإلمام ببعض واردات البرنامج المقرر، ويتضح لنا ذلك برؤية عكسية لمعدل التمارين التي اختبر فيها المتمدرس، والتي من المفروض أنها توخت الدقة الشمولية فمثلا الموفق ب 6 على عشرة معناه أن الفرق بين 10 نقط و 6 هو 4 نقط في معدل هذا المتعلم نجسد جوانب المواد التي لم يتوقف فيها المعني بالأمر، وبإخضاع المعدل إلى القاعدة المائوية وتصنيفه إلى شقين 6 على عشرة تصبح 60% نسبة التوفيق في التحصيل، و 4 على عشرة ترمز إلى عدم التوفيق بنسبة 40%، أما نتائج المتعلم غير الموفق فهي تفيد فيما تفيده كون المعني بالأمر توفق في تحصيل وسبر أغوار قدر غير قليل من المدركات والخبرات والتجارب انطلاقا مما تعلمه بطريقة أو بأخرى بفضل ارتياده المدرسة. إلا أن كل هذا لم يخلص به إلى الانضمام إلى صفوف الموفقين إذن فعبارة “متمدرس غير موفق” تدل على أن المتعلم بذل من المجهودات ما يمكن نعته بالإيجابية، أي قارب حدا بقت نتائجه في مستوى دوني بالمقارنة مع رصيد الوحدات الدراسية التي لم يستطع الذهاب فيها بعيدا، (أي لم يتسن له الحصول فيها على أرضية متينة وصلبة). هذا من جهة أما من زاوية أخرى ألاحظ أن مفهوم “تلميذ” يمكن تعويضه بتسمية تدحض صورة السلبية والاتكالية عن الطفل، وتمحنا القدرة على تصوره فردا فاعلا في عملية التمدرس، يدلي بدلوه بين الدلاء ليعرف العلم ويقول كلمته وينقد كلما تطلب منه الموقف ذلك، ويقرن “لا” في حالة عدم اقتناعه بفكرة ما. أي وباختصار فهو يقحم ذاتيته بطريقة عقلانية على المعارف والمدارك ويصطحبهما في مختلف مراحلهما، ليحلل ويناقش ويستنتج قبل أن يختزن في ذاكرته، فالمعرفة تمسي لذيه ضربا من القناعات، يكون على أهبة الاستعداد ليدخل في نقاش بغية تزكيتها إن كانت على صواب، أو لإزاحتها خضوعا لآراء الخير أن توفرت فيها شروط الإقناع العلمي. تكلم كانت نظرة مركزة حول ثلاثة من بين أكثر المفاهيم استعمالا في المؤسسات التعليمية فبعد محاولة غربلة هذه المصطلحات وقفنا وباختصار شديد على ما يلي: - فمن نجح في اختبار أو في مجموعة من الدراسات فقد “(رسب)” في مادة أو أكثر ولم يحصل على نقط إيجابية فيها - ومن رسب في آخر السنة الدراسية فقد نجح في اكتساب خبرات كان يجهلها. ومن هنا تتضح الخلفيات السلبية التي تحملها كل كلمة والمفارقات التي يخفيها كل مصطلح في ثناياه، غير أنها مسكوت عنها. فرصيد فهذا ليس بريئا مطلقا، وما تطرقنا له في هذه المناقشة العاجلة ما هو إلى عينة صغيرة تشكل حلقة في سلسلة لا متناهية من الكلمات الموظفة في مؤسستنا التعليمية التي تتوخى التجديد، غير أنها لازالت لم تتلخص من قيود ومخلفات الطرق التقليدية، بل تكرسها بتداول ما شاكل هذه الحمولة القيمية في حين لا يفكر في تغييرها واستبدالها، نعم لا أحد يرتابه أدنى شك في أن تجديد الطرق التعليمية عليه أن يسكنه اللب لكن جوانب كهذه ليست دونما أهمية في عملية التمدرس. مجلة نافذة على التربية، أول عدد، أساتذة وأستاذات الفريق التربوي لمدرسة الرياض، إعداد وتقديم ميلود لمسعدي، ، مراجعة الحضري عتيقة ، طبع أعلحماد نعيمة ، 1992، إفران.