شرطة تامسنا تُوقف مبحوثاً عنه ظهر في فيديو وهو يهدد قاصراً بسلاح أبيض    اختتام فعاليات دوريي أراغي والمرحوم إبراهيم مزياني ببني بوعياش    تحديد موعد العودة للساعة الإضافية.. توقيت "مرهق" أم ضرورة اقتصادية    إشكاليات سوق إمزورن الأسبوعي تدفع امغار إلى مساءلة وزير الداخلية    مهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي يفتتح دورته الأولى: "شاشة كبيرة لمدينة صغيرة"    بيراميدز يهز شباك الجيش 4 مرات    احتجاج يجمع أساتذة للتعليم الأولي    "التنس المغربي" يتواضع في مراكش    تدريبات تعزز انسجام "منتخب U17"    القنصلية العامة في دوسلدورف تكرّم أئمة المساجد والمرشدين الدينيين    الولايات المتحدة ترسل حاملة طائرات ثانية إلى الشرق الأوسط    ريال مدريد يتجاوز سوسييداد ويبلغ نهائي كأس إسبانيا    إعلام الكابرانات ومحاولة التشويش على المنتخب الوطني    المغرب يسرّع استكشاف 44 موقعًا معدنيًا استراتيجيًا لتعزيز مكانته في سوق المعادن النادرة    الادخار الوطني بالمغرب يستقر في أكثر من 28 في المائة على وقع ارتفاع الاستهلاك    الدورة 39 لجائزة الحسن الثاني الكبرى للتنس.. المغربيان إليوت بنشيتريت ويونس العلمي لعروسي يودعان المنافسات    كرة اليد.. المغرب يستضيف النسخة الأولى من بطولة العالم لأقل من 17 سنة ذكورا من 24 أكتوبر إلى 1 نونبر 2025    "أوبك+" تبدأ اليوم في زيادة إنتاج النفط مع بدء التخلص التدريجي من التخفيضات الطوعية    قرار منع تسليم السيارات خارج المطارات يغضب مهنيي التأجير في المغرب    19 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية ‏خلال الأسبوع المنصرم    إسبانيا تخصص أزيد من نصف مليون أورو لدعم خدمات النظافة بمعبر بني أنصار    مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء.. تلاقي وتواصل والتئام حول موائد الإفطار طيلة شهر الصيام بعدد من المؤسسات السجنية(بلاغ)    ترامب يهدد بسحب مليارات من جامعة هارفرد بسبب الاحتجاج ضد حرب غزة    الإسبان يقبلون على داسيا سانديرو المصنوعة في طنجة    بلجيكا تشدد إجراءات الوقاية بعد رصد سلالة حصبة مغربية ببروكسيل    مزور: تسقيف الأسعار سيضر بالعرض والطلب ولن يحل مشكل الغلاء    مجلس الحكومة سيصادق يوم الخميس المقبل على مشروع قانون يتعلق بالتعليم المدرسي    السلطات البلجيكية تشدد تدابير الوقاية بسبب سلالة "بوحمرون" مغربية ببروكسيل    أجواء من الفرح والسرور ببرنامج راديو الناس احتفالا بعيد الفطر رفقة مجموعتي نجوم سلا والسرور (فيديو)    وفاة أحد رواد فن المديح وإصابة 6 آخرين في حادثة سير بالرباط    5 نقابات تعليمية: الوزارة تستهتر بالتّعليم العمومي وتسوّق لإنجازات لا وجود لها في الواقع    الذهب يسجل أعلى مستوى له بسبب المخاوف من الرسوم الجمركية الأمريكية    دراسة معمارية لإنجاز المدخل الثالث لميناء أكادير بما يقارب 20 مليون درهم    "مجموعة العمل من أجل فلسطين" تدعو لمسيرة وطنية بالرباط دعما لغزة    الذهب يسجل أعلى مستوى له بسبب المخاوف من الرسوم الجمركية الأمريكية    ارتفاع ضحايا غزة إلى 1042 شهيدا منذ استئناف اسرائيل عدوانها بعد الهدنة    أغنية تربط الماضي بالحاضر.. عندما يلتقي صوت الحسن الثاني بإيقاعات العصر    أكثر من 122 مليون مسلم قصدوا الحرمين الشريفين في رمضان    هذا موعد رجوع المغرب إلى الساعة الإضافية    أسعار الوقود بالمغرب تسجل انخفاضا طفيفا ابتداء من اليوم    المملكة المغربية تجدد الدعم لاستقرار إفريقيا    بعثة نهضة بركان تصل إلى الكوت ديفوار استعدادا لمواجهة أسيك ميموزا    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال ميانمار إلى 2065 قتيلا    نائب في حزب الله يصف الضربة الاسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية ب"عدوان الكبير جدا"    طقس الثلاثاء: سحب كثيفة مع هبوب رياح قوية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    القهوة في خطر.. هل نشرب مشروبًا آخر دون أن ندري؟    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    المصور محمد رضا الحوات يبدع في تصوير إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة العرائش بلمسة جمالية وروحية ساحرة    طواسينُ الخير    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا والبغل والداتاشاو
نشر في تازة اليوم وغدا يوم 13 - 09 - 2011

توصلت برسالة تهنئة على فوزي في الانتخابات ، صدقوني أعزائي عزيزاتي فأنا لم أزر قط منطقة بني قعقع التي قيل لي إني فزت فيها بجميع المقاعد، وأنني سأصبح زعيما على أهلها، كما أنني لم أرشح فيها نفسي . طلب مني في البرقية أن البس لباس قومها وأن أتمرن على لغطهم ،كما أمرت أن أسرع في استلام السلطة مساء اليوم، قبل فوات الأوان لأن أهلها بانتظاري ، ركبت والسائق سيارة فارهة، وسرنا حتى انتهت جميع الطرق المعبدة وغير المعبدة ، طوال الرحلة كان يهاتفني أشخاص لا أعرفهم، لكن يبدو من خلال مكالماتهم لي أنهم يعرفونني حق المعرفة، وفي كل مرة يأمرني أحدهم أن أنعرج يمينا أو يسارا أو أسير في الوسط ، كان كل شيء منظما ومرتبا بإتقان ، في آخر طريق مؤد لمنطقة بني قعقع ، سمعت صوتا نسويا لطيفا يطلب مني أن أتخلى قبل السفر عن هاتفي الخلوي وعن ربطة عنقي وعن جميع ملابسي وأوراق هويتي. وأن أستبدل كل هذا بلباس بني قعقع ، ووثائق هوية جديدة محررة مسبقا، ومؤرخة مسبقا ومسجلة ومحفظة تؤكد لكل فاهم قد يكون من ساكنة المنطقة أن جدي وجدتي هم أول من دخلها. مع العلم أنني سأزورها لأول مرة.
صدقوني، منذ جئت لهذه الدنيا لم أتعود السؤال شعاري دائما هو: أنا موجود إذن أنا أنفذ، لا يهم أين أسير ولا ماذا سأفعل ، كل ما يعنيني الآن هو أن أتزعم قبيلة أجهل أهلها.وأجهل سبب اختياري لها .
عندما وصلت لآخر منعرج ، وأيقنت أن ساعة تسلم الزعامة غدت قريبة. اختبأت وراء شجرة عرعار حتى لا يراني أحد ، وخلعت بسرعة جميع ملابسي حتى بقيت عاريا كما ولدتني أمي ، أزلت نظاراتي الشمسية وألقيت كل هذه الأشياء التافهة في صندوق السيارة الخلفي. ارتديت نصف سروال بلدي دون تبان ، وأكرهت جسمي الدخول في جلباب أسود خشن ، أحسست بأشواك حادة من الصوف البلدي تلسعه ,فتذكرت قول سيدي عبد الرحمن المجدوب نفعنا الله ببركته : ارقد على الشوك عريان حتى يطلع نهارك
انتعلت حذاء محليا مصنوعا من مطاط العجلات لأن الأرض هناك مليئة بالأشواك ، فبدوت كأنني نزلت للتو من منطقة بني قعقع .ودعني السائق وهو متعجب من أمري ، وعاد بالسيارة من حيث أتى ،
وطبقا للتعليمات ، التي يلزمني تنفيذها دون زيادة أو نقصان ، بت الليلة الأولى في العراء، في انتظار بزوغ بعض الشعيرات على ذقني .شعر رأسي أشعت يشبه تماما شعر مجذوب أيام زمان ، وعندما وضعت عليه الطاقية زاد كما يقال العكر على الخنونة ، ما يمكنني أحمله معي لآل بني قعقع هو الداتاشاو من المهم جدا في هذا العصر أن يكون لك داتاشاو وبعض الكلمات بالفرنسية او الإنجليزية حتى تكون ماركة مسجلة. سيُظهر الداتاشاو للساكنة البسطاء كل الأمور بوضوح وسيصفونني بالمتبحر. مع العلم أنه لا يمكنني أن أضيف حرفا واحدا لما هو مكتوب بالخط الأحمر، وسيٍُصفقون بحرارة لأنني سأُبهرهم بالحركات والصور والكلام والأرقام، وهم بدورهم سيتذاكرون حول ما سأملي عليهم ، لا لنقده أو تحريفه بل للعمل به والدعوة إليه. في الصباح وقبل بزوغ أول خيط ذهبي من خيوط شمس يوليوز الحارقة وجدت أسفل الشجرة بغلا بنيا سمينا، مسرجا وملجما بانتظاري، عرفت للتو أن هذا البغل هو الذي سيوصلني لقبيلة بني قعقع كان البغل في كل لحظة يتأملني بمكر كأنه يعرف لماذا أنا هنا؟،
وضعت صرة جميع لوازمي على ظهره وأسندت رجلي لعلامة مدرسة ابتدائية متآكلة. قفزت و وجدت نفسي أمتطيه ،يدي اليسرى تمسك باللجام ويد اليمنى متأبطة صرة فيها جميع لوازمي .ورجلي ما كفتا عن الحركة كأنني راكب ماهر. البغل من الحيوانات الهجينة الأليفة الذكية رغم أن أباه حمار، فإن امه من الخيول الأصيلة.كان يسير بي الهوينى، يعبر الممرات الجبلية بدقة متناهية لم يكترت بوجودي على ظهره . يعرف الطريق المسلوك نحو منطقة بني قعقع . لأول مرة في حياتي أمتطي مثل هذه الحيوانات ، ومع ذلك فإنني واصلت بإصرار جذب اللجام و ترديد كلمات أرا أرا ليواصل السير، وعبارة ننطقها للحيوان مخرجها بين حرفي الكاف والغين ليزيد في سرعته.
خفت أن يسقط أو تزل رجله فأغدو أول ضحية من ضحايا حوادث الزعامة، فأمسكت اللجام جيدا وجمعت رجلي حول بطنه ، وتكومت حول الصرة ،سرنا معا لمسافات طويلة ، عبرنا فجاجا ووديانا وما صادفنا أحدا.في كل مرة أتخيل نفسي زعيما متربعا على كرسي جلدي فاخر في قبيلة بني قعقع . فآمر وأطاع، أعلم من أشاء؛وأدع الآخرين لحراسة قطعاني من الإبل والماعز . ألوك الكلام لوكا جذابا ،و أنفذ بدقة كل الأشياء لأزيد حظوة ومكانة عند رؤسائي الذين اختاروني لهذه المهمة. قلت سأكتب قانونا على مقاسي كل شيء فيه ممنوع إلا ما اسمح به. اشتدت الحرارة وطلع النهار وأحسست أن بغلي المسكين قد تعب من السفر وطول المسافة ووعورة الطريق ،وشعرت بدوري أنني أتصبب عرقا وأني محتاج لبعض الراحة تحت هذه الأشجار الوارفة الظلال. فقصدنا معا عين ماء صافية لنرتاح ونروي عطشنا ، نزلت ببطء حذر خوفا على سقوط الداتاشاو ، و ربطت بغلي إلى شجرة باسقة وأخرجت من لوازمي إناء لأملأه ماء، وفوطة لأنشف عرقي المتصبب ،وأفترشها لبعض الوقت .
حملت السطلة وقصدت بتأن عين الماء التي تروق الناظرين، ماؤها صاف رقراق متدفق من ينبوع طبيعي لم يمسسه تلوث ولا يد بشر. مددت يدي لأملأها فانعكست على الماء مكان صورتي صورة بغلي الذي أمتطيه والذي تركته مربوطا إلى الشجرة.رجعت القهقرى مرتبكا، ألقيت بالسطلة على الأرض و فركت عيني بشدة ثم رفعتهما إلى بغلي الذي كان يهش بذيله على بعض الذباب. اقشعر شعر جسمي ، زحفت ببطء لأطل مرة ثانية على صفحة الماء فتأكد لي هذه المرة أنني أرى رأس بغلي منعكسا على صفحةى الماء الصافية ، لمسته ولمست عيني وأذني وأنفي فكانت كل الحركات تنعكس على صفحة الماء . بسملت وقرأت آية الكرسي واستغفرت الله وقلت في نفسي: قد تكون حرارة الشمس أثرت على أفكاري فخيل لي أنني أحمل وجه بغل.
في المرة الثالثة أسدلت الطاقية على عيني وقصدت الينبوع وتوسطت ماءه بعض الشيء وعندما رفعت الطاقية تبين لي أن وجهي بالفعل وجه بغل، أذناي طويلتان وعيني أكبر مما كنت أعرف قبل هذا اليوم المشؤوم.اجتاحت بدني موجة عاتية من الرعشات، أردت أن أصرخ بأعلى صوتي، لكنني خفت أن يكون صوتي يشبه صوت أبي فأطبقته بسرعة. لم أعد أشعر بالظمأ بل أصبحت أبحث عن مخرج لهذه المشكلة ،هل يمكن للإنسان أن يتحول إلى بغل دون أن يعلم ؟ ماذا سأقول لأهل القبيلة التي أقصدها ؟ صمت برهة ثم قلت : من الأفضل أن أعود من حيث أتيت! رجعت إلى أمتعتي أبحث عن مرآة لأتأكد من صورتي فما وجدتها.ملأت مرة أخرى االسطلة ماء صافيا دون أن أنظر وجهي على صفحته ، ابتعدت قليلا عن البغل وعن العين فأبصرت انعكاس صورتي على وجه الماء فتيقنت بما لا يدع للشك مجال من أنني أصبحت بغلا.جلست أفكر وأبحث عن مصدر اللعنة التي لحقتني ،في هذا الوقت بالذات أحسست بالأرض تحتي تميد يمينا ويسارا. لم أشأ أن أتخلى عن الزعامة ،قبيلة بني قعقع في انتظاري ولا أريد أن أكشف هذا السر لأحد. ، ربما أن رؤسائي استبدلووجهي دون استشارتي ما يهمني لحد الساعة أن أكون خادما وفيا لهم، وأن أودي مهامي بكل تفان لأنال حبهم وودهم و رضاهم ، الم أكن بغلا عندما كنت ألحس أحذيتهم ،وأكنس مكاتبهم، وأكوي ملابسهم، وأقبل كراسيهم ،ألم أكن بغلا حين قبلت الزعامة دون استشارة قبيلة بني قعقع ، ماذا تغير في الأمر ،أنا الآن منسجم مع ذاتي وأفكاري وجهي نصفي العلوي بغل ونصفي السفلي إنسان ، وبينما أنا كذلك رأيت البغل يركل بقوة فتذكرت أنه لم يشرب بعد، كأنما يرجوني أن أصحبه للعين قصد الارتواء،
- أنا لا أطيق أن أرى وجهي مرة أخرى وليتني لم أفعل منذ البداية
أرخيت الرباط وتركت بغلي يقترب من منبع الماء ،فجأة ، رأيته يتراجع بدوره إلى الخلف ويمتنع عن الشرب كلما انحنى .قلت في غضب : ماذا هناك أيها البغل اللعين أما يكفيك ما أنا فيه من مصيبة ؟
أمسكت برقبته وقدته بمهل نحو الساقية.ماذا أرى ....انعكست صورته في الماء على هيأتي.... وصورة وجهي على هيئة رأسه؟رأيت البغل يحمل وجهي ، هذا أمر غريب ، أي منا البغل أنا أم هو؟
تأمل البغل وجهي ورآني أرمق رأسه، فتراجع للخلف مبتعدا عن الماء، و سل رقبته بعنف من يدي وبدأ ينظر إلي بقوة.شككت فيما حدث لي في هذا المكان، لكنني متأكد أنني أحمل رأس بغل وأن البغل يحمل رأسي،أطلقت له العنان وبعد حين قصد بمفرده مكانا آخر فارتوى وعاد بهدوء تحت الشجرة الباسقة جثوت على التراب وبدأت ألعن اليوم الذي ولدت فيه فأبصرت البغل يتأمل خلقتي وكأنه يسألني عمن منا يكون البغل ؟
ازداد غضبي ولم أعد أعلم ماذا سأقول لأهل قبيلة بني قعقع الذين ينتظرونني وهل سأبدو أمامهم على شاكلة إنسان نصفه الأعلى على هيئة حيوان في حين أن البغل سيبدو أحسن مني خلقة .
لابد لي أن أواصل السفر فقد تأخرت كثيرا، استأذنت البغل كي أمتطيه فحرك ذيله وامتنع بشدة كأنه يقول لي أنا لست بغلا أحسست كأن سلوكه تغير فقلت له : لا بأس يا عزيزي سنترجل معا حتى نصل لبني قعقع. أزلت له اللجام ووضعته في فمي فأحسست أنه في مقاسي فزدت يقينا على أن وجهي في خلقة بغل .لم أشأ أن أسير على أربع كما يفعل هذا الذي أمامي، فأنا منذ زمان وأنا أسير صامتا عليها ،
اقتربت من منطقة بني قعقع، فأزلت اللجام من فمي ووضعته على كتفي ومسحت وجهي بالفوطة وأمسكت عاليا بالداتاشاو كأنني افتح به مدينة من مدن الخيال.
دخل البغل اللعين الباب يسبقني، فرست في أذني زغردات خافتة للنساء وطبول صامتة لأشباه رجال وصيحات أطفال بالكاد تبرح أفواههم وهم يرددون جميعا في فرح وحبور:
مرحبا ببغل الزعيم في قبيلة بني قعقع.
استقمت في مشيتي وعدلت طاقيتي و تخيلت نفسي غير ما أنا، فرميت رجلي اليمنى داخل باب نصفه آيل للسقوط ، ووجدت جثثا أشبه بالرجال والنساء والأطفال.
خفت أن ينكشف أمري فيظهر لهم وجهي على هيئة بغل، لكن كبير القبيلة تقدم بسرعة نحوي فتأدب وهنأني على وصولي ، وتبتعه باقي جثث البسطاء من الناس.
قلت غاضبا مزمجرا : هل هذه هي قبيلة بني قعقع؟
أجابوا جميعا كما يفعل تلميذات وتلاميذ المستوى الأول ابتدائي في الأوساط القروية النائية : نعم
وهل تعرفون من أكون؟
أجابوا: نعم أنت رئيس قبيلتنا
عندما أيقنت أنني والبغل من يعرف أصل الحكاية فقط .واطمأن قلبي وتأكدت من كونهم خائفين. استعدت ثقتي في نفسي ،وأمرتهم بأن يحملوا عني هذا الحيوان بعيدا ويطردوه من القبيلة أو يقتلوه.
أردت بذلك أن أقول لهم من النهار الأول كايموت المش فأزرع فيهم الرعب وأجعلهم يهابونني حتى في أحلامهم.
وجدتهم قد أعدوا خيمة مثقوب سقفها ، يتوسطها كرسي قصير مصنوع من الحلفاء جلست وجلس على الأرض كل سكان قبيلة بني قعقع.
كانوا قليلين نصفهم هياكل عظمية والنصف الآخر من العجزة والنسوة والصبيان ولاشيء آخر، جميعهم ليست لهم أسنان ، يلفون على أجسادهم أثوابا صوفية حمراء داكنة.
مددت يدي إلى الصرة وفتحتها ثم أخرجت الداتاشاو
قمت خاطبا فيهم : يا سكان قبيلة بني قعقع : هل لديكم كهرباء؟
قالو جميعا : لا
وهل لديكم ماء؟
قالوا جميعا : لا
وهل لديكم مصارف المياه العادمة؟
قالوا:لا
وهل لديكم مدارس ؟
قالوا:لا
وهل لديكم مستشفيات؟
قالوا:لا
و هل لديكم ملاعب ؟
قالوا:لا
و هل لديكم طرقات؟
لا
و هل لديكم معامل؟
لا
و هل لديكم مصانع؟
لا
و هل لديكم ثقافة ؟
لا
والنقابات؟
لا
والأحزاب؟
لا
والجمعيات النافعة؟
لا
والمكاتب؟
لا
والمذياع؟
لا
والمسارح؟
لا
رفعت الداتاشاو عاليا كمن يؤكد مشروعية وجوده وقلت:
لهذا أنا هنا انظروا، وأشرت إلى الداتاشاو، ماهذا ؟
سكتوا جميعا فقلت لهم بصوت جهوري : هذا داتاشاو هل تعرفونه؟
لم يستطع أي منهم أن يعيد الكلمة كما نطقتها . بعضهم قال داواتاش ،والآخرون نسوا الاسم كله.
قلت : سأريكم كل الأشياء الجميلة هنا في هذه الآلة العجيبة ،سترون أرقاما كثيرة للماء والكهرباء وسترون أرقاما لأبنائكم يدرسون في المدارس الجميلة و أرقاما لبناتكم في المستشفيات يلقحن ضد الطاعون وستبهركم أرقام الملاعب و السيارات والطرقات والمسارح و...
صحت خاطبا فيهم : منذ اليوم وداعا للتخلف والفقر وأهلا بالتنمية والتقدم والازدهار
لا عليكم إذا كنتم في أسفل الترتيب من سلم التنمية فأنتم أحبائي وأنا هنا في خدمة تخلفكم عفوا تنميتكم .
دخنوا ماشئتم من الحشيش واشربوا ما شئتم من الكحول الرديئة وشموا ما سيتبقى من لماع حدائي وغدا سنحيا بفضل هذه الآلة تقدما منقطع النظير.
قال كبير قبيلة بني قعقع
هذه هي الديموقراطية يا زعيمنا لكن دائما
لدينا خمس أولويات
الأولى أن تبني لنا سجنا حتى إذا تعبنا منك سجنتا. والثانية ألا نستعجل الإصلاح فكل شيء يأتي بأوانه. والثالثة وزع علينا أكياسا سوداء لاستعمالها عند قضاء الحاجة .والرابعة نريد ك أن تعد مقابر لدفن المرضى واليتامى والمعاقين، والخامسة نريد أن نتفرج على على الداتاشاو ؟
قلت اختاروا من أين أبدأ؟ وأنا موافق
ارتفعت التصفيقات والتهاليل وأجمعوا على أن نبدأ بالداتاشاو. وضعته وسطهم وأمرتهم جميعا أن يلمسوه و يناموا ويحلموا بالأحلام اللذيذة.
شعرت بكبرياء ونفخت صدري كما يفعل ذكر الطاووس وبدأت أتجول بينهم وأتفقدهم واحدا تلو الآخر، لقد كانوا جميعا شبه أموات لا كلام ولا حركة
يحلمون بما سأقدمه لهم في الداتاشاو، وأنا كنت أحلم بعطايا وترقيات أسيادي متناسيا وجهي الذي أضاعه مني البغل اللعين .
الوقت صباحا والشمس لم تشرق بعد ؛ وكل سكان بني قعقع يتثائبون فتصدر من جوفهم روائح بقايا الفاصوليا والعدس والشاي البارد وكسر الخبز المغمس بالعرق و بقليل من الزيت
صحت فيهم مهدهدا
ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوم
فبدأوا يصفقون ويهتفون وهم نائمون ويهللون ويرددون ما أقول في همهمات غريبة تشبه أصوات صدى الحمام.
فجأة أحسست بأذني تستطيلان وبرأسي يكبر وبرغبة قوية في النهيق.ارتجفت وخفت أن ينكشف أمري فوضعت يدي على فمي وأسرعت لخارج الخيمة.
لمحت كل السكان يتبعونني أشرت إليهم بأن يتوقفوا فتجمدوا جميعهم في أماكنهم لأكثر من خمسين سنة وأصبحوا كقطع خشبية منحوتة بإتقان. لمحت أفواههم تبتسم ولمحت دموعا تسيل من عيون أشباه الرجال وأشباه النساء و من عيون الأطفال مدرارا فتتساقط على الأرض وتنبث في مكان كل دمعة شوكة حادة. نهقت ونهقت ونهقت وكلهم جامدون ساكتون. عدت للخيمة وأنا أمسح فمي وأمرر يدي على أجسادهم فأجدها باردة كالثلج. تربعت على الكرسي ودشنت تعييني بتشكيل أتباعي وأتباع أتباعي
ورسمت خارطة الطعام والمنام والكلام قبلت بملكية الماء بما فوقه وما تحته والهواء بما فوقه وما تحته والتراب بما فوقه وما تحته وتركت لهم كل الأشياء الباقية ليقتسموها.
لقد كنت كريما وزاهدا في هذه القبيلة . بنيت لهم ضريحا دفنت داخله الداتاشاو وخطبت فيهم بكونه وليا لمن لا ولي له، وسميت ضريحه سيدي قاضي حاجة، كونت من بعض أتباعي سلالته وعشيرته وورثته وصمتهم بأنهم أهل بركة وكرامة وأن الضريح يداوي الأعمى والأعرج ويرد الغائب ويقرأ الطالع ويزوج العانس ويشتت الشمل ويزيل التوكال والعكس ويجعل المرأة العاقر تلد حتى وإن لم تكن متزوجة. وينزل المطر في أيام القحط ويقضي على الجراد.
وإذا رفض أحد سلالة سيدي قاضي حاجة الامتثال فله الويل والثبور وعظائم الأمور سيحرم من حقه في الغنيمة وسيجر على بطنه كالبهيمة وسيسقى من بول كلاب القبيلة وسيدفن حيا بجوار الضريح أو سيرمى خارج القبيلة.
فخدة أخرى من جهة أم سيدي قاضي حاجة ستتكفل بإشهار أهمية الأمية وفضلها على القبيلة وستقنع أشباه الرجال وأشباه النساء بأن الأمية من أسباب سعادة الإنسان لأن المتعلم دائم الهم والغم أما الأمي فمرتاح البال لا يفكر إلا بما فوق بطنه.
وأن الفقراء وحدهم من يدخل الجنة والأطفال إذا ماتوا صغارا بعثوا ملائكة. وسنكون بذلك أكبر قبيلة في الجنة بفضل سيدي قاضي حاجة وسلالته وعشيرته.
وسيعلنون أن الطرقات مجلب للآفات فكم حادثة سير ذهب الناس والبهائم ضحيتها دون تعويض يذكر وكم طريقا موجود في جيبي أنا الزاهد في قبيلة بني قعقع.
كل أشكال التعبير ممنوعة إلإ النهيق وما شاكله فإنه مسموح و مباح. شكلت قبيلة بني قعقع في إطار تنوع أشكال النهيق أحزابا ونقابات وجمعيات فكانت منها : جمعيات النعيق ونقابات النهيق وأحزاب النقيق.
أحسست بأنني أديت أمانتي في إخلاص وتفان فاستلقيت من شدة التعب على ظهري وقلت في نفسي : الآن أيقنت أن قبيلة بني قعقع كلها آمنة.
كبرت الأشواك فوخزت أرجل أشباه الرجال وأشباه النساء وجميع أرجل الأطفال فما أدمت الأرجل وما تحرك أحد.
سميت فخدة أخرى أخوال سيدي قاضي حاجة وتكلفوا بإحياء فن العلقة عفوا الحلقة فكانوا يضعون ما يشبه الداتاشاو في صندوقة خشبية ويبدأون في الشطحات أمام الناس ويوزعون عليهم حبوب الهلوسة بالمجان فيبدوا لهم الداتاشوا تعبانا أو فيلا أو سراق زيت وذلك بحسب درجة الهلوسة التي وصلها أشباه الرجال وأشباه النساء.
كبر الوهم ومع توالي السنين اعتقدت هذه الفخدة من آل سيدي قاضي حاجة أنه بمقدورها شرب الماء الساخن وكي الناس بالنار فتولت العلاج في أسواق البوادي والحواضر.
في هذه القبيلة كل السكان يوزعون فيما بينهم الوهم بتساو وبالتالي لا خوف على أسيادي منها أنا الآن راض على مهامي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.