أصبحت كل أخبارنا ومعلوماتنا نستقيها من العالم الأزرق، و نظرا للكم الهائل من المعلومات والأخبار التي تتداول فيه على مر الثواني، أضحى معينا لاينضب لكل باحث كل حسب طلبه و حسب ميولاته. هذا مهتم بالدين، كل دقيقة يتلقى أحاديث كثيرة مرفوقة بصور الورود وصور الدعاة مختومة بانشرها ولك الأجر، أو إذا أعجبك الحديث أو الدعاء فاضغط "لايك"، وزلزلوا الصفحة بكتابة الله أكبر، وهذا على النقيض من الفئة الأولى، أي لا ديني لديه أصدقاء وصفحات كثيرة ترسل له صور كاريكاتيرية عن المتدينين، و أحاديث تسخر من الدين و من أتباعه وتصورهم كقطيع من الخرفان، لا حظ لهم من العلوم و استعمال العقل، و أنه هو و من على شاكلته من استطاع أن يخرج من دائرة التبعية و تمرد على سلطة الدين والمجتمع. الأحزاب السياسية هي الأخرى وجدت ضالتها في العالم الأزرق، وجندت أتباعها ومناضليها وعبأتهم بنشر كل الأخبار والصور الحقيقية والمفبركة عن خصومها. في هذا العالم الافتراضي استطاع المعارض أن يجهر بآراءه السياسية المخالفة للسلطة الموجودة، واستطاع الملحد أن يعبر بحرية عن معتقده وسط مجتمعه، و تمكن أشخاص من ذووا الثقافة البسيطة أن يراكموا كما لابأس به من المعلومات التي حرموا منها في صفوف الدراسة، و هو يشكل متنفسا حقيقيا للتعبير و تنفيس الغضب عن فئات الشعب الغاضبة من قرارات حكوماتها، وفوق كل هذا كان الانطلاقة الحقيقية لشرارات انتفاضات وقعت هنا وهناك. لكن، ما يلاحظ أنه رغم كل المزايا التي ذكرناها والتي لم نذكرها أمسى هذا العالم الأزرق مصدرا لكثيرا من المشاكل بل وبات المصدر الوحيد للمعلومة لدى فئة معتبرة من الشعوب التي لا تتوفر على "فلاتر" لفلترة الكم الهائل من المعلومات المنشورة بدون التأكد من مصدرها و من مصداقيتها و صدقيتها، وهنا سأقتصر على أمثلة معدودة اختصار لهذا الموضوع المتشعب، فكم من الأحاديث غير الصحيحة المتداولة والمشاركة بين صفحة وأخرى تدور بين يدي رواد الفايسبوك دون الإشارة إلى مصدرها وسندها، وكم من الأدعية التي تجلب الرزق و تطرد الحساد و تزوج الشباب تتدحرج بين صفحة وأخرى، وكم من صفحات الأخبار المفبركة التي تفبرك المعلومة و تقدمها بعناوين غريبة وجالبة لقراء متعطشين لأخبار تؤكد نظرية المؤامرة و تزيد من شحنة التدمر عندهم، وعند انقشاع غيمة الكذبة لا يستطيع أي كان أن ينشر اعتذارا أو بيان حقيقة كما هو جار به العمل في العمل الصحفي لرد الاعتبار للجهة المتضررة، بل ينتقل إلى خبر آخر من أجل تحقيق أكبر عدد من الإعجابات ولو على حساب سمعة الأشخاص. الكتائب الإلكترونية التابعة للأحزاب السياسية تنشط كثيرا هي الأخرى وتدور بينها وبين أطراف أخرى حرب ضروس من التعليقات، وكل يتعصب لحزبه و تضيع مصلحة الوطن بين أصابع هؤلاء و أولئك. الفايسبوك عالم جميل لو أحسنا استعماله والتعامل معه، بعيدا عن نشر معلومات غير متأكد منها أو لأنها وافقت مصلحة في أنفسنا، هو عالم لتبادل المعلومات و اقتسام لحظات جميلة مع الأصدقاء والأحباب، أفسدناه بنشر خطابات الكراهية والتعصب، أفسدناه بكثرة السب والشتم لمن يخالفنا الآراء، أفسدناه بنشر أي شيء دون التأكد من صحته، أفسدناه بنرجسيتنا التي تصور لنا بأن كل ما ننشره هو الحقيقة المطلقة وغير ذلك هو مجرد كذب وبهتان، كل صفحة في الفايسبوك تخفي جزءا من حقيقتنا، هي صفحتنا وصحيفتنا، حبذا لو رجع كل واحد منا إلى صفحته منذ سنوات خلت ويراجع ما كتبه ليرى ما فيها، هل لازال مقتنعا بما كتبه أو نشره ذات مرة؟ أم أن الأفكار وحتى المعلومات تتغير مع مرور الزمن؟ دعونا نتقاسم اللحظات الجميلة عوض الصور المؤلمة والسباب المتبادل والأخبار المفبركة، دعووا ثقافتنا الفايسبوكية تكون راقية.