سناء عكرود تعرض فيلم "الوصايا" عن معاناة الأم المطلقة    صحتك ناقشوها.. عرق النسا (sciatique): أسبابه/ أعراضه/ علاجه (فيديو)    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    إسبانيا: بدء محاكمة روبياليس في قضية 'التصرف غير اللائق'    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    حجز كمية كبيرة من الأدوية المهربة بمراكش    المندوبية السامية للتخطيط: إحداث 82 ألف منصب شغل في المغرب سنة 2024    سكتة قلبية مفاجئة تنهي حياة سفيان البحري    خيرات تدخل السايح إلى المستشفى    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    تقرير: 60% من المغاربة النشيطين يشتغلون بأجر وثلث النشيطين فقط يستفيدون من التغطية الصحية    مستحضرات البلسم الصلبة قد تتسبب في أضرار للصحة    أطباء مختصون يعددون أسباب نزيف الأنف عند المسنين    الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب يعلن عن خوض إضراب عام يوم الأربعاء المقبل    مزور يشرف على توقيع بروتوكولين لدعم مجال الصناعات المغربية    استئناف محاكمة أفراد شبكة الاتجار الدولي بالمخدرات التي يقودها رئيس جماعة سابق    وفاة سفيان البحري صاحب صفحة تحمل اسم الملك محمد السادس    الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يحتفي برئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ويمنحه جائزة الثقافة الرياضية العربية التقديرية لعام 2024    أسامة صحراوي يتألق رفقة ناديه بالدوري الفرنسي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    مؤشر مازي يستهل التداولات بأداء إيجابي    أمطار الخير تنعش الموارد المائية.. سد محمد الخامس بالناظور يستقبل كميات مهمة من المياه    تراجع أسعار الذهب    تفشي بوحمرون : خبراء يحذرون من زيادة الحالات ويدعون إلى تعزيز حملات التلقيح    الجامعة الوطنية للتعليم "التوجه الديمقراطي" تدعو للمشاركة في الإضراب العام    حماية ‬الأمن ‬القومي ‬المغربي ‬القضية ‬المركزية ‬الأولى ‬    بعد توتر العلاقات بين البلدين.. تبون يدعوا إلى استئناف الحوار مع فرنسا "متى أراد ماكرون ذلك"    "لحاق الصحراوية 2025".. مغربيتان تتصدران منافسات اليوم الأول    كيوسك الإثنين | التساقطات المطرية تنعش حقينة السدود    تبون يقيل وزير المالية دون تقديم مبررات    أوكسفام: 1% من الأغنياء يسيطرون على 63% من الثروات الجديدة منذ جائحة كوفيد-19    جولة في عقل ترامب... وهل له عقل لنتجول فيه؟    بعد "بيغاسوس".. إسرائيل استعملت برنامج "باراغون" للتجسس على صحفيين وناشطين على "واتساب"    تبون: حذرت ماكرون من أنه سيرتكب خطأ فادحا في قضية الصحراء.. ومازلنا في منطق رد الفعل مع المغرب    الاتحاد الأوروبي يفرض قواعد جديدة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي    ترامب يؤكد عزمه فرض رسوم جمركية على المنتجات الأوروبية    بوحمرون ‬يتسبب ‬في ‬حالة ‬استنفار..‮ ‬    الصين: عدد الرحلات اليومية بلغ أكثر من 300 مليون خلال اليوم الرابع من عطلة عيد الربيع    النجمة بيونسيه تفوز للمرة الأولى بلقب ألبوم العام من جوائز غرامي    كأس العالم لكرة اليد: المنتخب الدنماركي يحرز اللقب للمرة الرابعة على التوالي    سيارة مفخخة تخلف قتلى بسوريا    نشرة إنذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء    صدمة في غابة دونابو بطنجة: قطع الأشجار يثير غضب المواطنين    مداهمة مطعم ومجزرة بطنجة وحجز لحوم فاسدة    نبيلة منيب: مدونة الأسرة تحتاج إلى مراجعة جذرية تحقق العدالة والمساواة -فيديو-    المغرب واليمن نحو تعزيز التعاون الثنائي    أكادير تحتفي بالسنة الأمازيغية الجديدة بتكريم مايسترو الرباب لحسن بلمودن    الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يمنح فوزي لقجع الجائزة التقديرية ل2024    النصيري يمنح الفوز لفنربخشة أمام ريزا سبور    ابن تطوان "الدكتور رشيد البقالي" ينال إعجاب علماء كبار ويظفر بجائزة عالمية في مجال الفكر والأدب    تحولات "فن الحرب"    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوطن فوق كل شيء ...
نشر في تازا سيتي يوم 21 - 07 - 2011


د.عبد القادر بطار *
قد نختلف حول قضايا كثيرة، وقد يذهب بنا هذا الاختلاف مذاهب سياسية متباينة، وقد تتشكل لدينا قناعات وأراء ومواقف معينة ... كل ذلك إجراء طبيعي لا يضر، تقتضيه طبيعة الاجتماع العمراني والتنوع الثقافي ... لكن الشيء الذي لا ينبغي أن نختلف حوله أبدا، وأن يظل موضوع إجماع وطني بامتياز، هو هذا الوطن الذي يعنينا أمره جميعا، مؤيدين، ومعارضين، لكوننا نستظل بظله، وننعم بخيراته، ونأوي إليه، ونحكي لأطفالنا أجمل الحكايات عنه، هذا الوطن الذي نحن مطالبون اليوم بالتفاني في حبه، والإخلاص له، والحفاظ على وحدته وتماسكه، والوقوف في وجه كل من يسعى إلى النيل منه، والإساءة إليه ... إن هذا الوطن الذي يجب أن يسمو على جميع القوانين والتشريعات الوضعية، لأن القوانين والتشريعات إنما وضعت للحفاظ عليه، وإسعاد أهله، فضلا عن كونه فضاء جغرافيا، وبيئة روحية تتجه إليها العواطف، فإنه أيضا دين وثقافة وحضارة وتاريخ ونظام حياة ... تشكل عبر مختلف العصور، ترقى في الحضارة والتدين والثقافة، إنه هذه الأرض المباركة الطيبة التي يتربع عليها شعب عريق اسمه الشعب المغربي المسلم.
إن الحَرَاكَ الاجتماعي الذي عرفه المغرب في الشهور الماضية، والذي كان من نتائجه الإيجابية هذه الإصلاحات الدستورية الجديدة، لن يزيد هذا الوطن إلا قوة وصلابة ومناعة، ولن يزيد أبناءه الأشاوس إلا تضامنا واتحادا لمحاربة الظلم والفساد، ومواكبة تلك الإصلاحات الدستورية المتقدمة، التي سيعرف المغرب في ثناياها ولا شك انتقالا ديمقراطيا حقيقيا، مع أول تجربة دستورية رائدة.
لن أرضى كمغربي حر، أن يأتي مدع من المشرق، متشبع بالفكر الإرهابي التكفيري، اعتمادا على مقدمات فارغة، تستمد مضمونها القتالي من أدبيات الفكر الخارجي اليائس، ليوجه بكل وقاحة هذه الحركات الاحتجاجية وجهة خبيثة، ويقترح عليها خطة عمل مسمومة، من أجل تزين أعمال الشر والفتن التي حذر منها ديننا الإسلامي الحنيف.
ألا يعلم هذا المدعي الجاهل بأحكام الشرع، العالم بأعمال الشر، أن مقصود الشارع من التكاليف الشرعية، وما شرعه من حدود وعقود وأحكام هو تحقيق المصالح للخلق، فإن ذلك لا يتم دون إمام مطاع، وخليفة متبع، يجمع الأمة على كلمة سواء.
وبالنظر إلى أهمية هذا المنصب العظيم، منصب الإمامة العظمى، في إقامة أمور الدين والدنيا، والسهر على شؤون الأمة في حفظ بيضتهم وحرس حوزتهم، وتوحيد كلمتهم، فقد أوجب أئمة أهل السنة والجماعة السمع والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم. وهذا الوجوب يستند إلى الشرع الحكيم، ويؤده العقل السليم.
ومن الأدلة الشرعية على ذلك:
قوله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً " [النساء : 59].
وقوله تعالى:" وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا [التغابن: 16]
وقوله تعالى :" وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً" [النساء : 83]
وقد أوصى الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه بضرورة طاعة أولي الأمر، فقد جاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم:" من فارق الجماعة قيد شبر مات ميتة جاهلية". (أخرجه البخاري في الفتن، 7/87 ومسلم في الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين 2/1477)

وقوله صلوات الله وسلامه عليه في وجوب طاعة من ولي الأمر" فاسمعوا له وأطيعوا." (صحيح مسلم، باب الحج 1/944)
وإذا كان الإجماع حقا، وما تجتمع عليه الأمة لا يكون إلا حقا مقطوعا على الحقيقة، قولا كان أو فعلا، فإن الأمة قد أجمعت منذ الصدر الأول إلى زماننا هذا على ضرورة وجود إمام يسهر على شؤون الأمة الدينية والدنيوية. لكون نظام الدين لا يحصل إلا بنظام الدنيا، ونظام الدنيا لا يحصل إلا بإمام مطاع كما يقول الإمام العزالي. (الاقتصاد في الاعتقاد، الصفحة:148)
ويقول ابن أبي زيد القيرواني الفقيه المالكي في رسالته:" والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم وعلمائهم ... (باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات)
ويقول الإمام أبو جعفر الطحاوي:" ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو على أحد منهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل، ما لم يأمروا بمعصية، ندعو لهم بالصلاح والنجاح والمعافاة، ونتبع السنة والجماعة ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة." (العقيدة الطحاوية المسماة بيان السنة والجماعة).
وهذا المبدأ العقدي والفقهي الراسخ هو الذي أجمع عليه أهل السنة أصحاب الحديث. كما يذكر الإمام الأشعري وينتصر له. (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، للإمام الأشعري، الصفحة: 295 عني بتصحيحه هلموت ريتر).
فهذه النصوص الشرعية وغيرها دعوة صريحة إلى وجوب طاعة ولي الأمر، في أمور الدين والدنيا، وهذا المعتقد هو قول أهل السنة والجماعة قاطبة، وهو مبدأ إسلامي راسخ، كما نطقت بذلك النصوص الدينية الكثيرة، من الكتاب والسنة والإجماع.
والمغاربة - والحمد لله- ماضون على هذه الأصول العقدية السنية، التي تُجسدها على الدوام إمارةُ المؤمنين كأساس متين للدولة الإسلامية.
لقد أدرك المغاربة جميعا مكانة إمارة المؤمنين ودورها في إقامة مصالح العباد معاشا ومعادا، حتى قيل: الدين أس، والسلطان حارس، والدين والسلطان توأمان. ونصب الإمام من أتم مصالح المسلمين، وأعظم مقاصد الدين.
ألا تدري أيها الفتان المكعوم، أنك حسود تأخذ نصيبك من غُموم الناس، وينضاف إلى ذلك غمك بسرورهم، فأنت أبدا مهموم ... كما تجهل أن هذه الحركات الاحتجاجية مهما اختلفنا معها فهي جزء من هذا الوطن الغالي، وأنها لن تسمح لأمثالك بتوجيههم الوجهة التي تريد، لأنهم بكل بساطة يعلمون علم اليقين أن الوطن فوق كل شيء.
أود كمواطن عاد يريد الخير لهذا الوطن، أن أوجه نداءا صادقا لهذه الحركات الاحتجاجية، التي أسرفت على نفسها، وأن أذكرها مرة أخرى باقتراب حلول شهر رمضان لأبرك، أعاده الله علينا جميعا باليمن والخير والبركات، وهي مناسبة دينية عظيمة نسأل الله العلي القدير أن تكون حدا فاصلا لهذه الاحتجاجات، التي ينبغي أن تترجم إلى برامج ومشاريع واقتراحات طموحة وملموسة وأن ينخرط أصحابها في إطار مؤسساتي مسؤول من أجل تقوية سياسة البناء الجماعي لمغرب قوي وموحد، وهذا كله من أنفع الأسباب لإسعاد الشعب المغربي المسلم الذي يريد اليوم، وبكل إصرار، الأمن والطمأنينة والاستقرار.
* أستاذ العقيدة والمذاهب الكلامية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.