محمد زريويل * سنزكي عقد قران الشعر بالتشكيل ، وبعد الزواج و التعانق والعناق، نعلن ميلاد فن جديد مزدوج .. نعلم أن اللوحة موضوع عين، وعلى فضائها تنزل خطوط غير مرئية قصد الربط والانجذاب والاستهواء ، أما القصيدة فهي رحاب وجدان وانفعالات ... تداخلت سطور الشعر مع النقطة المركزية للوحة ، ومن خلال التمازج ، رمى بنا هوس العشق مباشرة إلى تساؤل كبير حول العلاقة الدلالية و التجاذبية بين المنطوق والمنظور في إيقاع حلم ويقظة في نفس الآن... يتردد المتلقي بين قراءة التوازي وقراءة التقاطع ، وهنا يتجلى المتخيل في تناظر قصري ، يكون دلاليا بين الذات وهي اللوحة، والموضوع الذي هو القصيدة ،ومع التزويق والتنميق الجناسي و الصباغي في إطار التماثل والتخالف تبقى قراءة المتلقي قراءة سمعية بصرية ، لا ينفصل فيها الشعر عن التشكيل، وهي قراءة تجانس وتضاد في آن واحد، وما نوده هو أن تتبادل اللوحة والقصيدة الشرح والتوضيح لا الإبهام والغموض... يرمز التشكيلي إلى ما يريد رسما ، والشاعر يقول ويكتب ما يشاء حرفا ، وحين يتناغم الشعر والتشكيل، يتوازى الخياران الجماليان فتشرح القصيدة اللوحة ، أو اللوحة تفسر القصيدة... إننا نود تلاحم كل جميل بجميل ، وحينها يصبح التركيب الجديد بناء فنيا جماليا يعتمد الكلمة واللون و الخط والشكل والحجم ، وحين يصل التمازج والتجاور والتحاور إلى ما يدركه العقل ، وقتئذ نعلن الحصول على ذلك الجمال المفقود ، وهو بالتالي المتخيل المركب من شعر وتشكيل وما يوحدهما ،إما داخل نفس الإطار حيث تحيلنا سيكولوجية التذوق الفني على بعض التأملات ، منها عملية تأطير اللوحة التي ترغم القصيدة على الإقامة فيها ،أو في إطارين منفصلين، مما يترك للمتلقي هو الآخر حرية الربط ومد الجسور.. يبقى التعالق والارتباط بالموضوع من سمات خلق المتعة والتذوق لدى المتلقي ، سواء كان قارئا أو مشاهدا ، عاديا أو فوق العادة ، ومن خلال التلاقح المتكامل والتناغم المكين ينمحي التمايز و يذوب التفضيل .. تعانق الكلمة لمسة الفرشاة و تمتح من نزيف التلاوين ، وعلى خطوط الضوء المتدفق ، تسير النغمة وهي تتأبط ما يفيض من لغة الشعر ، وتمسك ما يتلألأ من لغة اللون والشكل ، تجاورت اللوحة والقصيدة جنبا إلى جنب ، في قرب إلى قرب، وسلكتا سبيلا فنيا ، كملت فيه الأولى الثانية أو العكس ، كملت الثانية الأولى ، اختلط الصائت بالصامت فأفرزا انسجاما حواريا كاملا مكتملا، انبعث منه التآلف البصري بالمقول ، وتساكن المنظور بالمسطور، إنها المشاركة والمبادرة والابتكار ، وليس مجرد مزج وتخليط وتداخل وتغليط ... وحتى ندفع بالتزاوج إلى أبعد مداه وأقصى مرماه ، على المبدعين لزوما خلق التحاور بين اللوحة والقصيدة في تناغم ، حتى لا يحصل التفاوت في سيادة التمايز واللاتكافؤ ... وذلك ما قام به الشعراء والرسامون " في المغرب نذكر على سبيل المثال لا الحصر تجربة الفنان التشكيلي "محمد القاسمي" والشاعر "حسن نجمي، وكذا التجربة الإبداعية الرائعة التي أنجزها كل من "عبد الإله بوعود" والشاعر "أحمد العمراوي"،هذا إضافة إلى تجربة حديثة جدا جمعت بين الفنان (محمد قنيبو) والشاعر (بو جمعة العوفي ) " (1) إن الاهتمام بمثل هذه الكتابات يدخل في طبيعة الاهتمامات التي تتناول المواضيع الحديثة/ القديمة برؤيا متواضعة متبصرة ، تطبعها سمة الخلق و الإبداع فقط ...كما أننا في حاجة ماسة تدعو إلى العمل على تقريب وتحيين التأمل بالاطلاع على مثل هذه الجماليات ، حتى نستطيع الإحاطة بكل ما هو جميل ، ومسايرة ركبه الفني..و فهم الاقتراحات في تحقيق التزاوج المنشود، والتلاقح الموعود، بين الشعر والتشكيل... فمادام هناك توقع رفض الرفض بالمطلق ، فالقبول ليس ضرب من ضروب الهوى ، لأنه يتغير ويتبدل بتقلب الأمزجة والأحوال ، ومن قال : " مستحيل تزاوج الشعر بالتشكيل " نقول له : "حاول ، وتذوق الفن الجميل ، و أينما كان الشعر والتشكيل فتم الفن والرونق والجمال.." أتمنى أن لا أكون قد أهدرت وقتي في فراغ عقيم ، وأن يكون لهذه الورقة صوت أسمعه يبارك تجاور الحرف بالشكل ، والكلمة باللون ، واللوحة بالقصيدة ، والشعر بالتشكيل ، وللعشاق فيما يختارون شعر وتشكيل..
* زجال و ناقد تشكيلي حواشي : (1) د . حسن لشقر (زواج الشعري بالتشكيلي) المجلة الثقافية " نوافذ " العدد 25 مارس 2005 ص 100