اعتبر أحد مسئولي الاتحاد الاشتراكي تخليد الذكرى الخمسينية للحزب كمحطة لتذكير المواطنين المغاربة بمسار تاريخ حزبه الفائت حيث تم عرض ما أريد عرضه والتغاضي على ما أريد التغاضي عنه متجاهلا أنه من كان من حقه القيام بهذه "الملحمة" - لتكون الإرادة واقعية والوقع إيجابي وذا صدى - هم المواطنون المغاربة لإبراز خصائص ليس فقط الاتحاد الاشتراكي ولكن كل الأحزاب التي تعاقبت على تدبير الشأن العام. بل أكبر من هذا، أنه، حسب قول هذا المسئول، سيتخذ هذا المعرض ،مستقبلا، صيغة "قافلة" متنقلة عبر المدن المغربية... الشيء الذي قد يجعل المتتبع يستنتج أن هذا الحزب يزعم القيام ب"حملة انتخابية" قبل الأوان استعدادا للاستحقاقات المقبلة... وفي حديث آخرزعم آخر بأنه سيعمل على إحياء الاتحاد الوطني... ومن خلال حلقات برنامج تيارات التي بثتهم قناة 2م، اتضح أن الاتحاد الاشتراكي لا يزال يزعم، متباهيا، أن قاداته هم من أنعموا بنضالهم على الشعب المغربي بالاستقلال في الماضي وبإخراج الاقتصاد المغربي من ظرفية "السكتة القلبية" التي ميزته في ظرفية معينة مضت. إن هذا الزعم إنما هو مغالطة تاريخية كبرى. أولا، لأن الظرفية التاريخية التي كانت آنذاك سائدة كانت متجلية في انتفاضة كل المغاربة ضد الاستعمار والمطالبة بعودة رمز استقلال ووحدة البلاد المغفور له الملك محمد الخامس. لقد كانت ثورة ملك وشعب. والدليل التاريخي والموضوعي على ذلك أنه من قاد هذه الثورة هم صقور مغاربة تاريخيين ضحوا بالغالي والنفيس سواء في الجبال أو السهول أو الصحراء في شرق المغرب وغربه وفي شماله وصحراءه من أجل عودة ملك البلاد وإجلاء الاستعمار. والواقع الذي يجب أن يقال هو كون هذه الصقور التاريخية لم تكن منتمية لهذا الحزب أو ذاك بل كانت منتمية لثورة ملكية شعبية. فقدماء المحاربين لم يكن لهم أي انتماء حزبي إذ كان انتماءهم الوحيد وإيمانهم الوحيد والأوحد هو الوطنية المغربية الحرة وما تتطلبه من تضحيات لبناء وطن حر ينعم أبناءه، في ظل العرش العلوي، بالاستقرار والاستقلالية في سن سياسات اقتصادية واجتماعية نابعة من خصوصياته ومستجيبة لحاجياته ومتطلباته مستنيرة في ذلك بتوجيهات ملكية سامية تضمن للبلاد وحدتها ورقيها واستقرارها. فالمرحلة التاريخية الموالية هي الجديرة بالتمحيص لأنها مرحلة غاب فيها من كان حاملا للبندقية في الجبال والسهول والصحراء وبرزت شخصيات كانت جلها تعيش في الخارج منشغلة بالدراسة استعدادا لدخول البلاد والتسلط على مناصب المسؤولية والامتيازات والرفاهية. ثانيا، كان حينها حزب الاتحاد الاشتراكي، مستغلا ما حققه الشعب المغربي وما حققته ثورة الملك والشعب، منشغلا بالعمل على ضرورة استغلال الظرفية قصد إرساء مبادئ الاشتراكية في ظل شيوع أفكار، كان حينها منبعها الاتحاد السوفياتي، تدعو أو تطمح إلى عولمة المذهب الاشتراكي. بل أكثر من ذلك، لقد كانت طموحات الاتحاد الاشتراكي أكبر من ذلك ولا داعي لسردها لكونها باءت بالفشل بفضل يقضة الشعب المغربي وفطنته و تصديه لها. ما تناساه الممثل الاتحادي هو أن حزبه كان دائم الوجود ضمن الحكومة ولو من موقع المعارضة وبالتالي فهو يتحمل مسئوليته في ما آل إليه ليس فقط المشهد السياسي المغربي ولكن حتى الاقتصاد الوطني وخاصة المستوى المعيشي للساكنة. بل أكثرمن ذلك، بات يلوم الدولة دون توضيح منه لمفهوم الدولة وكأنها تكونت أو تتكون من "سراب" وأن الحزب لا يشكل فاعلا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ضمنها ... ولا ينتمي إليها وربما أنه بريء مما تقوم به الدولة. الأمر العجاب، هو حين صرح أنه أصبح من العار في الوقت الراهن على البرلماني أن يدلي ببطاقته كنائب برلماني. إن مثل هذا التصريح هو إهانة وقحة لحرمة مؤسسة ممثلي الشعب المغربي وربما قد تناسى أنها إهانة لرفاقه المتواجدين داخل البرلمان. إنه أمر طبيعي حين يحس المرء بالسقوط وفقدان الثقة في نفسه بسبب تلاشي معتقداته من جهة، ومن جهة أخرى، من طرف الشعب المغربي الذي استهزء به من خلال الشعارات والمطالب التي كان البرلمانيون الاتحاديون يعدون بها حين كانوا في المعارضة وما قدموه له حين تقلدهم مهمة تدبير الشأن العام. أما بخصوص تباهي الاتحاد الاشتراكي بإخراج المغرب من السكتة القلبية فهذه مغالطة أخرى، ذلك أنه أول جملة صرح بها الحزب آنذاك هو عدم توفره على"العصا السحرية" وأن المسألة تتطلب بعض الوقت. وهنا يكمن التناقض بين الخطاب السياسي والفعل الاقتصادي. فأي حزب خصوصا الاتحاد الاشتراكي الذي لا يزال المغاربة يتذكرون ما كان يصرخ به حين كان في المعارضة. إذ من الموضوعي أنه ما كان "يصرخ" به الحزب هو جعل المواطن يعتقد أن لديه برنامجا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا جاهزا للتفعيل. وهذا هو المفروض إذ أن الحزب يجب أن يكون جاهزا من الناحية العملية قبل تقلده تدبير الشأن العام. والواقع المعاش أثبت أنه من خرج من "السكتة القلبية" هم "الاشتراكيون" الذين ولجوا مجال تدبير الشأن العام إذ سرعان ما انتقلوا من طبقة البؤس واليأس إلى طبقة النعيم والحسابات البنكية والسيارات والفيلات الفاخرة جعلتهم، وللأسف، يتناسون من ينعتونهم بالقواعد. و حقيقة الأمر أن هذه القواعد لم تعد قاعدة جاثمة حيث تركوها ولكن ما وجب استيعابه من طرف الاشتراكيين - نأمل أن يكونوا قد استوعبوه من خلال نتائج الاستحقاقات الانتخابية - هو كون القواعد قد فطنت وتقوت فكريا ونضجت واتضح لها المسار الصحيح الواجب سلكه بعيدا عن كل الإيديولوجيات الفارغة المتآكلة. وباختصار ولغياب أي شيء يذكر سوى سرد أسطوانة تاريخ أكل الدهر عنها وشرب، تقلد الحزب مسألة تدبير الشأن العام وخلال سنتين فقط تمت إعادة النظر في التشكيلة الحكومية (أي الفشل) وكللت فترته باستقالة أحد ركائزه التاريخيين من الحزب ليتلو هذه الحقبة رد الشعب ب "لا" لهذا الحزب خلال الاستحقاقات الانتخابية 2007 وما تلتها من استحقاقات. والغريب، أنه ما زال أحد "منظرو" هذا الحزب يتحدث عن ضرورة التوأمة بين الخطاب والعمل السياسي... أي خطاب وأي عمل سياسي...؟ فمغرب اليوم هو مغرب العمل الفعلي والاجتهاد والعبقرية والنزاهة الاقتصادية والاجتماعية الليبرالية - التآزرية. كفانا من التنظير الأجوف أو كما ينعته كافة الشارع المغربي ب"باركنا اعلينا من الشفوي". ويتحدثون عن غياب الإرادة السياسية. عجيبة وسحرية هذه الجملة، كلما تعثر أو فشل حزب ما يسارع إلى رفع هذا الشعار. والواقع أن الإرادة السياسة هي في يد الأحزاب السياسية وغيابها إنما هو نتيجة تشردم الأحزاب السياسية نتيجة مصالح وأطماع فردية بخسة وعدم تواجد تنسيق وتوافق وديمقراطية ليس فقط بين أجهزتها وأطرها بل وحتى بين الأحزاب نفسها. فلولا المبادرات الاقتصادية والاجتماعية السامية لما زال الشعب المغربي تائها بين خطابات وشعارات سياسية أثبت الواقع والتجربة فشلها لكونها تميزت بالانتهازية وبالمرحلية. وفي نفس السياق، تستضيف قناة 2م ممثلا عن حزب الأحرار والمثير في ما قاله وبجرأة وتمكن وحزم هو كون حزبه سيغادر الحكومة إذا ما تم تعيين رئيس الغرفة الثانية من خارج الأغلبية... لقد وقع ما وقع فما ردكم ؟ إضافة إلى ذلك أنه أشار إلى كون الحزب سيلعب دور المنسق بين الاتحاد الاشتراكي وبين حزب الأصالة والمعاصرة... غريب... ففي الوقت الذي كان ينادي فيه حزب الأصالة والمعاصرة بجمع شمل المشهد السياسي وتخليقه وتأسيس تكتلات سياسية واضحة المبادئ، اتحدت جل الأحزاب ضده وضد مشروعه. وفي الوقت الراهن حين هدأت عاصفة الانتخابات وحين أعطى الشعب المغربي ثقته لهذا الحزب وأمكنه من اكتساح المشهد السياسي، بدأت تتغير مواقف بعض الأحزاب مصرحة أنه واقع سياسي أصبح من الواجب التعامل والانسجام معه. إنها وبوضوح قمة الانتهازية السياسية. ذلك أن المهم بالنسبة لهذه الأحزاب يبقى وسيضل يكمن فقط في عدم رغبتها في الزوال وفقدانها لمناصبها وامتيازاتها والصراع والإصرارعلى البقاء فقط من أجل البقاء. فمن أجل هذا البقاء، صرح وزير الاتصال السابق، في جدال سلبي، مع محاوره من اليسار الموحد، عن "فكرة" ميلاد تكتل يساري تقدمي ديمقراطي بين حزبه والحزب العمالي وحزب جبهة القوى الديقراطية المنشق عنه سابقا بهدف تجميع اليسار المغربي، ولكن في انتظار ما سماه بنضج الظروف السياسية التي اختزلها في رغبة الاتحاد الاشتراكي في الانضمام لهذا التكتل. تكتلات تلو التكتلات تحاول جاهدة أن تضمن لها "محلا من الإعراب" داخل المشهد السياسي المغربي وما يعرفه من جدلية والتي عبر عنها احدهم بكونها حركية سياسية إيجابية. هذا التصريح مجانب للصواب إذ ما يقع حاليا لا يمكن نعته بحركية وإنما بجدلية وخاصية هذه الأخيرة هو خلق مناخ سياسي جديد بفاعلين جدد أفضل مما كان عليه وبمعنى آخر إزاحة من أتبت تدبير الشأن العام فشله وترك المجال لجيل جديد بأفكار جديدة. فالتكتلات التي يزعمون تشكيلها لن تنجح لأمرين اثنين : أولها أنها تكتلات تقام بمبادرات من طرف جيل فاقد لمصداقيته لذا المواطن أو القواعد. ثانيا، جعل هذه القواعد آخر من يعلم الشيء الذي يترجم بانسحاب مناضلي الأحزاب منها. لتكن مثل هذه الأحزاب وفكرها الضيق على يقين أن الجدلية السياسية التاريخية لن تسمح لها بالمضي قدما على هذا النحو. إن الشعب المغربي واثق ومؤمن بثلاثة أمور لكونه لامس وعاين واقعيتها وجديتها: - التشبث بالمبادرات الاقتصادية والاجتماعية السامية؛ - الانضمام والانخراط الفعلي والايجابي في العمل الجمعوي والجماعي التآزري والعمل على ازدهاره وتطويره جهويا؛ - وبذلك سيرغم الشعب المغربي الفكر والفعل السياسيين على إعادة النظر في أبجدياته والالتحاق به والتأقلم مع أفكاره ومتطلباته لكونها أفكار ومتطلبات جيل الألفية الثالثة . فالحزب، يغذي وينعش ويكيف أفكاره ومبادئه، استنادا إلى واقع اقتصادي واجتماعي وثقافي وإنساني وتاريخي... حين. أما التكتلات، أولا العشوائية، ثانيا ذات الأفكار المتباينة أصلا والمتبالية حيث أتبتت فشلها في تدبير الشأن العام،ثالثا دون وزن قاعدي استنادا لنتائج الانتخابات،...، فلا حاضر ولامستقبل لها. إن التكثلات السياسية ليست بالأمر الصعب كما ادعى مؤخرا عكس ذلك ضيف برنامج ثيارات، بل إنها ممكنة إذا ما تمت دمقرطة أجهزة الأحزاب بإعطاء المبادرة للطاقات السياسية الشابة. والحقيقة، أن هذا هو الأمر الصعب التنفيذ لكون قادة الأحزاب غير راغبة في ذلك بل أكثر من ذلك أن هؤلاء القادة يعيشون عقما وعجزا في تحيين فكرهم السياسي. ذلك أن العشوائية في الخطاب السياسي المغربي إنما هي نتيجة عقم وشلل الفكر السياسي المغربي.