خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    البرلمانيين المتغيبين عن أشغال مجلس النواب يقدمون مبررات غيابهم ويؤكدون حضورهم    حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل    محكمة فرنسية تأمر بالإفراج عن الناشط اللبناني المؤيد للفلسطينيين جورج عبد الله بعد 40 عاما من السجن    زخات مطرية مصحوبة بتساقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية اليوم وغدا بعدد من أقاليم المملكة    إجلاء 3 مهاجرين وصلوا الى جزيرة البوران في المتوسط        مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت    جثة عالقة بشباك صيد بسواحل الحسيمة    لوديي يشيد بتطور الصناعة الدفاعية ويبرز جهود القمرين "محمد السادس أ وب"    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    مهرجان الفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج "حوارات"    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"    قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا    جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده و جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة        هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    التوقيت والقنوات الناقلة لمواجهة الأسود والغابون    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    بمعسكر بنسليمان.. الوداد يواصل استعداداته لمواجهة الرجاء في الديربي    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على الجزء الأول من مشروع قانون المالية 2025    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    الأحمر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    فيضانات إسبانيا.. طبقا للتعليمات الملكية المغرب يعبئ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب            الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    "الأمم المتحدة" و"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    جدعون ليفي يكتب: مع تسلم ترامب ووزرائه الحكم ستحصل إسرائيل على إذن بالقتل والتطهير والترحيل    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فَصْلٌ مِنْ تَارِيخِ حَوْمَة جْنَانْ القَبْطَانْ بطنجة
نشر في طنجة 24 يوم 23 - 07 - 2014

تُعتبر حَوْمَة «جْنان القَبطان»، من الأحياء القديمة بمدينة طنجة، تقع أسفل القصبة من الجهة الشرقية الجنوبية.
طالما تساءلتُ : من هو هذا القبطان الذي كان له «جنان» في هذا الموضع، وصار فيما بعد عَلَمًا على الحَيِّ الذي حَلَّ مَحَلّه إلى اليوم، إذ لا يُذكر عند أهل البلد إلّا منسوبا إليه، فيُقَال: جْنان القبطان ؟
وفي أثناء البحث انتبهتُ إلى أَنَّ كلمة «قبطان» ليست عربية أصلا، وقد درج أنّ الكلمة تعني رُتْبَة عسكرية مُعيّنة إلّا أنّني لم أجد في جميع مشتقات الفعل أو الاسم الثلاثي (ق.ب.ط) ما يُفيد الرئاسة أو الحُكم، وإنّما كلمة «قبطان» مُعرّبة من الكلمة الأعجمية: (CAPTAIN)، ولم يستطع بعضهم أن يتخلّص في نُطق الكلمة من الكاف الأصلية كالحسن الغسّال الطّنجي الذي لفظها وكتبها كما في أصلها: «الكَبِّطَان». و«القبطان» كما هو معروف رُتبة عسكرية وسياسية سامية، تُترجم إلى العربية ب(الحاكم) أو (القائد).
وخُلاصة القول، إنّ كلمة «القبطان» ليس لها أثر في كُتب العرب القدماء، ولم تبدأ في الظهور في النصوص العربية إلّا في الحقبة المتأخرة، وهي كما قُلْنَا كلمة مُعَرَّبة. فلو كان ذلك الجنان في ملك أحد وُجهاء الثغر الطّنجي مِمّن يشغلون وظيفة مخزنية سامية، لسمعنا فيه: «جنان الباشا»، أو«جنان القايد»، أو«جنان الخليفة»، أو«جنان المندوب» وغير ذلك. وقد تبيّن لي من هذا أنّ صاحب الجنان لم يكن عربيا أو مغربيا، وإنّما كان من الأجانب الذين أقاموا في بلدة طنجة في وقت من التاريخ، وصار هذا الجنان في مِلْكِهِ.
وبعد البحث لم أَجِدْ في كُتُب التاريخ المعاصر لمدينة طنجة، ولا في رسوم أحباسها وبيوعها، أحدا من الأجانب يحمل حِلْيَة «القبطان» امتلكَ أرض هذا الحيّ أو الجنان قبل أن تُعَمّر. فانصرف ذهني إلى الاعتقاد بأن هذا الحي قد يكون عُرف بذلك الاسم ومُيِّز بِهِ قبل أن يستردّ المغاربة طنجة من يد الإنكليز عام 1095م/1684ه.
ومن هُنا انطلقت أُفتش وأُقَلِّب النصوص التي تؤرِّخ لمدينة طنجة في تلك الفترة، وإذا بي أعثر في كتاب «وصف طنجة»، المؤرَّخ بعام 1674م، على نَصّ يتحدّث فيه المُؤَلِّف عن بُستان أنشأه الحاكم الإنكليزي للمدينة أسفل سور القصبة اشتمل على كل طريف وفريد من ضروب الفاكهة فضلا عن مُنوّعات الأزهار والرياحين. وقد استهلّ المُؤَلِّف كلامه على ذلك بالإشارة إلى أنّ البرتغاليين لم يُنشؤوا بساتين في طنجة، وإنّما كانت لهم في كل دار حديقتها الخاصّة، في حين أنّ الإنكليز، المولعين بالحدائق العمومية، قد قاموا بتهديم العديد من الدُّور لإنشاء حدائق عَامّة. وقال إنّ أبناء الأمم الذين لم يسبق لهم أن عرفوا مثل هذه الحدائق والبساتين في الشمال الأوربي سيشاهدونها في طنجة حين يفدون عليها، وخصّ بالذِّكْرِ بُستان حاكم البلد، فقال :
«الحاكم الحالي [لمدينة طنجة] لايزال عاملا حتى الآن في إنشاء بساتين كبيرة أسفل أسوار القصبة، بساتين رائعة وجميلة، ومتنوعة بشكل كبير، فيها كُلّ نوع من الأشياء الأصيلة المجلوبة من بساتيننا، والتي ستتزيّن بها جميع المدينة على الدّوام. وسنتكلّم على تنوع الأزهار والفاكهة التي جلبها الإنكليز إلى هذه البساتين في موضع آخر [من الكتاب]».
وصورة هذا النّص في الأصل كالآتي :
En especial, el presente governador queda aora haziendo debaxo de las murallas de el castillo unos jardines tan grandes, hermosos y de tanta variedad de todo género de cosas propias de nuestros jardines que son y seran ornato perpetuo de toda la ciudad. De la variedad de flores y frutas que los ingleses han procurado para estos jardines se dira en otro lugar.
والقطعة التي وصلت إلينا من مخطوطة «وصف طنجة»، والمؤرّخة بعام 1674م، غَيْرُ تامّة، وبالتالي لم يصل إلينا ما كتبه المُؤَلِّف عن تنوّع أزهار وفاكهة جنان الحاكم الإنكليزي الذي أنشأه أسفل سُور القصبة. وإذا عرفنا أنّ المُؤَلِّف إسباني من مدينة قادس (Cadiz)، فهمنا من عبارة «بَسَاتِينِنَا» الواردة في النص المُتَقَدِّم أنّ الإنكليز جلبوا الأزهار ونُقْلات أشجار الفواكه من البساتين الأندلسية بإسبانية وغرسوها ببستان أو جنان حاكم طنجة الذي أنشأه في أسفل سور القصبة.
ومهما يكن من أمر، فإن تلك الفقرة - على وجازتها- تُزَوِّدُنا ببيانات تاريخية غاية في الأهمية، وهي أنّ حَيّ «جنان القبطان» بمدينة طنجة أخذ اسمه أيام الاحتلال الإنكليزي للمدينة لأنّه قام على أرض جنان الحاكم الإنكليزي الذي ولي طنجة فترة من ذلك الزّمن، وكان هذا الحاكم يُعرف عند المغاربة والإنكليز على السّواء باسم: القبطان.
إنّ قَوْلَ مُؤَلِّف «وصف طنجة» : «إنّ حاكم المدينة لايزال عاملا في إنشاء بستانه» يعني أنّ هذا الجنان أو البُستان ظهر إلى الوجود في زمن ذلك الحاكم الإنكليزي لمدينة طنجة، وتحديدا في عام تأليف الكتاب أي 1673م-1674م، وقد صرحّ المؤلف المجهول باسم الحاكم المعني بذلك الجنان في آخر القطعة المخطوطة من «وصف طنجة» فقال إِنّه: جون مدلطون (John Middleton).
ومدلطون (Middleton) بلدة اسكتلندية، كانت - على ما يبدو- تحتضن في القديم تجمّعا سكانيا كبيرا لعشيرة تحمل اسم: مدلطون (Middleton)، ويُعتبر القبطان جون مدلطون هذا هو أوّل قومس لهذه البلدة (First Earl Of Middleton) في العهد الملكي، وقد عُيِّنَ حاكما على مدينة طنجة عام 1667م واستمرّ في هذا المنصب إلى عام 1670م ثم غادر المدينة مُتَخَلِّيًّاعن وظيفته، مُؤَقَّتًا، للمهندس هوغ شُولملي (Hugh Cholmley)، وفي عام 1672م رجع مدلطون إلى وظيفته حاكما على مدينة طنجة وبقي في هذا المنصب حتى وفاته بطنجة عام 1674م.
فهذا القبطان هو صاحب الجنان الذي أصبح حَيًّا مسكونا، وهو الذي يحمل اليوم اسم «جنان القبطان»، وقد غاب هذا عن مُؤَرِّخِي طنجة عربا وأعاجم، كما غاب عن ذهن سكان حومة «جنان القبطان» التي يبلغ عمرها اليوم 340 سنة.
لا شكّ أنّ تسمية «جنان القبطان» صدرت من عند المغاربة، ولَعَلَّ الإنكليز كانوا يطلقون عليه بلغتهم الإسم نفسه، ومن المفيد أن نُذكِّر هُنا بأنه في عهد الاحتلال الإنكليزي لطنجة، وبعكس ما كان أيام الاحتلال البرتغالي، سُمح للطنجيين الذين كانوا يسكنون خارج الأسوار بأن يدخلوا المدينة، بل سُمح لهم بأن يسكنوها أيضا، وقد سجّلت كتب التاريخ دخول أسماء عدد من المغاربة إلى طنجة في تلك الفترة، وسبق لي أن ذكرتُ شيئا من هذا في كتابي عن «المدرسة المرينية بطنجة». فالمغاربة الذين كانوا يدخلون طنجة في ذلك التاريخ كانوا ينسبون الجنان لصاحبه، فيقولون: «جنان القبطان»، وظلّ الاسم لصقا بذلك المكان حتى بعد استرداد المدينة.
ومِمَّا تنبغي الإشارة إليه أن قصر حاكم بلد طنجة - بحسب المخطّط الذي بُنيت عليه القصبة في العهد العربي، وحافظ عليه البرتغاليون بعد ذلك- كان موضعه بداخل القصبة، حيث يُوجد الآن قصر الباشا ورياض السلطان، غير محاذ لأسوار القصبة؛ لكن المصادر التاريخية تخبرنا أنّ أحد حُكّام طنجة من الإنكليز - وهو القبطان جون مدلطون- سيتخلّى عنه، وسيبني دارا جديدة لإقامته في الزاوية الشّرقية الجنوبية للقصبة، حيث يوجد باب العصا حاليا، ملاصقة لسُور القصبة الشرقي. فَعَلَ ذلك لأنّ الموضع الجديد سيسمح له بالتّطَلُّع على جميع دُور المدينة وعراصيها، والإشراف على خليجها البحري بالكامل، وأيضا لكي يقترب من بُستانه أو جنانه الأثير.
وإذا استعرضنا رسومات وتصاوير طنجة التي رَسَمَهَا ونسكلاوس هولر (W. Hollar) فإنّه يمكننا مشاهدة جنان القبطان، لقد كان في زمن الإنكليز – على ما يظهر في الصورة، وكما سُجِّل عنه في كتاب «طنجة وضاحيتها»- مجرد بُستان صغير. وإذا دقّقنا في صُورته -المنشورة في كتاب «إنايد رُوت»، عرفنا أنّ القبطان كان له بيت في ذلك البُستان الصغير، وسنعرف من ترجمته أنه كان مُبْتَلًى بشرب الخمر، يكاد لا يصحو من السُّكْر، فلا شكّ في أنه كان ينزل إلى بيته في الجنان أسفل منزله بالقصبة لقضاء وقت مع الكأس والراح رفقة ندمائه من أهل الطرب والليالي المِلاح.
القبطان جون مدلطون، شخصية مرموقة في المجتمع الاسكتلندي- الإنكليزي في القرن السابع عشر الميلادي، شغل مناصب في الحكومة والمؤسّسة العسكرية المَلَكِيّة، وترقّى إلى أعلا المناصب في الدّولة، ولذلك يجد القارئُ ترجمتَه في العديد من الكتب التي عرّفت بأعلام الإمبراطورية التي كانت لا تغيب عن أراضيها الشمس، وأصبحت اليوم لا ترى الشمس إلّا بضعة شهور من السَّنَة.
جون مدلطون (John Middleton). مِنْ أهل بلدة كينكردنشاير (Kincardineshire)، وهي المنطقة التي تتبع اليوم لإقليم أبردنشاير (Aberdineshire). وُلِدَ عام 1608م، وجون هو الابن الأكبر لروبير مدلطون دي كلدهام (Robert Middleton)، وكاترين ستراشان (Katherine Strachan). والأب روبير (ت.1645م) يتحدّر من عائلة إقطاعية كان أفرادها من الملّاكين الكبار لبلدة كينكردنشاير منذ عام 1100م.
وكالعديد من أقرانه في مرحلة الشباب انتسب جون مدلطون إلى الجيش بحثا عن الثروة، كان ذلك عام 1632م، وبدأ كجندي في فرقة الرّامحة (حَمَلَة الرِّمَاح) ضمن فيلق هاببورنس (Hepburn's Regiment) الذي خاض حروب هوغنو (Huguenot Wars) بفرنسا، وبعد انتهاء الحرب رجع مدلطون إلى اسكتلندا.
وبسرعة غير عادية بدأ مدلطون يتسلّق الدرجات العليا في مؤسّسة الجيش، ... وفي 29 يناير من عام 1647م، تَرَقَّى إلى رتبة جنرال ماجور (General-Major) في التنظيم العسكري الجديد (New Model Army)،
بعد ذلك، وتحديدا في يوم 11 ماي 1648م، عُيِّن جون مدلطون ماجور جنرال (Magor-General) على فيلق الفرسان في جيش المتطوعة، وفي 10 يونيو من نفس السّنة تمّ ترفيعه إلى رُتبة مراقب عام للجيش (Lieutnant-General).
وبَعْدَ أن تسنّم جون مدلطون القيادة العامة في الجيش الإسكتلندي قام بالعديد من الأعمال التي أساءت إلى تحالف الكوفننترز، وساهمت في تشتيته، أو في تشتيت على الأقل جزء كبير منه، فحوكم ، ولكنه لم يسجن، وبُعيد ذلك تحوّل مدلطون إلى صف الملكيين ...
وفي يوم 30 يناير 1649م أُعدم ملك إنكلترا شارل الأوّل من آل ستيوارت، ونُفي ولده شارل الثاني إلى هولندا. بُعَيد ذلك تمكّن جون مدلطون من الإفلات من الأسر في ربيع عام 1649م، وبعد هذا التاريخ بقليل يرجع جون مدلطون إلى إرلندا ويقود انتفاضتين مُسانِدتين للمَلَكِيّة في هيغلاند عام 1650م
وتسير الأحداث السياسية في انكلترا لصالح الملكيين، فيعود الملك شارل الثاني إلى البلاد، وما إنْ وطأت قدماه أرض إرلندة في يونيو عام 1650م، حتى أصبح جون مدلطون جنرالا في جيشه. لقد تمّ تعيينه على رأس الفرقة الرابعة (Milice Kent) في فيلق الفرسان (Cavalry Brigade). ثم ظهر ضابطا ساميا للدولة (Staff Officer) في معركة وورسسطر (Battle of Worcester)، وأصبح ذا شعبية وشهرة كبيرة بين قومه الإسكتلانديين المناصرين للملكية الذين قادهم في تلك المعركة التي جُرح فيها، وأُسِرَ، ثم حُبس ببلدة بلاكسطون ايدج (Blackstone Edge)، على مقربة من هاليفاكس (Halifax)، يوم 9 شتنبر 1651م.
اعْتُقل مدلطون في ليفربول (Liverpool)، ثم نُقل إلى برج لندن (Tower of London) وسُجِن هناك إلّا أنّه بعد وقت قليل تمكّن من الفرار مرّة أخرى عام 1651م والتحق بالملك شارل الثاني (Charles II) في منفاه الباريسي.
رجع مدلطون إلى بلده اسكتلندا عام 1653م، وانضم إلى القوة المساندة للملكية لكن انهزام الهكلانديرس، الحزب الذي انتمى إليه جون مدلطون بعد عودته من المنفى الفرنسي، .. اضطر مدلطون إلى الالتحاق بالملك شارل الثاني في المنفى للمرّة ثانية.
في المنفى الفرنسي، حظي جون مدلطون لدى الملك شارل الثاني، وفي عام 1656م حاز لقب فيكونت كليرمونت وفيتركايم (Viscount Clermont and Fettercaim)، وبعد اعتلاء شارل الثاني عرش بريطانيا عام 1661م مَنَحَ مدلطون لقب قومس مدلطون (Earl of Middleton)، وأصبح المسرح مُهَيَّأً أمام جون مدلطون لمسار سياسي جديد، وخلال هذه الفترة أصبح حاكما على حصن إدنبورغ (Edinburgh Castle)، وأيضا كمندوب للملك (The Kings Commissioner) باسكتلندا التي نشط فيها إلى غاية مَوْتِهِ السياسي عام 1663م.
أصبح جون مدلطون الشخصية السياسية الأولى في إسكتلندا، وقد تهيأت له الأجواء ليفعل ما كان يدور في ذهنه من خُطط، ففرض قوانين جديدة ألغت قوانين نظام الكوفننطرس، ويُقال إنه جنى من وراء تلك التشريعات الآلاف من الجنيهات الإسكتلندية، وظلّت الأمور تسير لصالحه إلى أن وقعت حادثة: (The Billeting Act).
يرجع تاريخ واقعة الاتِّفَاق الورقي: (The Billeting Act) في شهر شتنبر من عام 1662م. والاتفاق هو ورقة حشد فيها مدلطون أسماء إثنى عشر رجلا كان مدلطون يريد أن يسقط عنهم الأهلية بالبرلمان الإسكتلندي. وقد سعى جون مدلطون إلى الملك وأفهمه بأنّ القرار المذكور هو من اختيار ومشيئة البرلمان. لكن الخدعة اكتشفت .. وبعد وقت قليل من هذه الواقعة انتهى جون مدلطون كَمُمَثِّل للملك بالبرلمان الإسكتلندي، وذلك يوم 10 مارس 1663م، فرجع إلى لندن غير متوّج، وبعد عام من انسحابه مِنْ على حلبة المسرح السياسي أُلغيت قوانينه من الدستور الإسكتلندي.
بعد سقوط جون مدلطون من علياء مجده السياسي، فُتح سِجِلُّ خطاياه وسَيِّئَاتِه، فكانت نتائج أعماله قاسية على مُستقبله السياسي، فقد تكتّل ضده بعض الوزراء ونجحوا في الإطاحة به، فَأُرْسِلَ حاكما لمدينة طنجة، وقد كان هذا نوعا من الإِبْعَاد المُشَرِّف، حيث خسر هناك حياته التي طالما عرّضها للخطر في المعارك، وهناك فارق الحياة إثر سقوطه من سُلّم.
• جون مدلطون في طنجة (1667م - 1674م)
عُيِّن جون مدلطون حاكما على مدينة طنجة عام 1667م، غير أنّه لم يتمكّن من دخول طنجة إلّا في شتنبر عام 1669م، وذلك بسبب تأخّر صمويل بيبس (Samuel Pepys)، المُدير المالي للجنة طنجة في البرلمان الإنجليزي بلندن، في دَفْع مُرَتّب مدلطون. وفي بداية عام 1671م سيغادر مدلطون مدينة طنجة إلى لندن تاركا الحُكْم فيها - مؤقّتا- للمهندس هوغ شولملي (Hugh Cholmley)، ولم يرجع إلى ولاية طنجة إلّا في عام 1672م، وبقي في هذا المنصب إلى غاية وفاته بها عام 1674م. ولما رجع جون مدلطون إلى مدينة طنجة عام 1672م، استأنف العمل في وظيفته. ولا بأس من الإشارة هنا إلى بعض منجزاته:
لَمّا دخل القبطان جون مدلطون مدينة طنجة عام 1669م أصلح القورجة (York Castle) وربطها بالرّصيف البحري، فكانت البضائع تشحن مباشرة من المراكب إلى الحصن المذكور (دار البارود). وبَنَى دَارًا في القصبة تُشْرف على كامل المدينة، بجوار باب العصا الحالي، وأنشأ بأسفلها بستانا غرس فيه ضروبا شَتّى من أشجار الفاكهة، كان المغاربة يدعون هذا البستان ب«جْنَانْ القَبْطَان»، وهو الاسم الذي لايزال يتّخذه إلى اليوم الحي السَّكَني الذي قام فوق ذلك البستان. كما شُيِّد في عهده المسرح، وهو أوّل مسرح على أرض المغرب، عرضت على خشبته مسرحيات شاهدها الإنكليز منهم القبطان جون مدلطون، وكثير من أعيان المغاربة في زمن الهدنة مع الإنكليز. وقد لخّص فرجول (Furgol) المرحلة الطنجية من حياة مدلطون، فقال:
«في طنجة يظهر مدلطون أنّه كان ذا قدرة عالية على العمل، يقظا، ويتقن عمله، مَدّد تحصينات المدينة قبل أن يحصل على الإذن وعلى الاعتمادات المالية الكافية من إنكلترا. وكان يظهر في بعض المرات أنه كان ذا مزاج سيء، بالمقدار نفسه نجده بشوشا ودمث الخُلق. إلّا أنّه في الغالب كان مريضا. ومن جهة أخرى، كانت مصاريفه طوال وظيفته كحاكم جَيِّدَة (في حين أنّ التسديد المالي من العرش البريطاني لصالحه كان شديد التأخر)».
• وَبَعْدُ ، فهذه سيرة موجزة للقبطان جون مدلطون، ويتبدّى لنا منها أنّ القبطان نشأ في جَوّ سياسي مضطرب، فكان من الطبيعي أن يتأثر بهذا المناخ ويدخل في مغامرات أدّت به إلى ما سبق أن قرأناه في هذا الملخص من ترجمته، تَقَلَّب في المناصب العسكرية والسياسية العُليا، ثم أُسقط من علياء مجده من قِبَل خصومه السياسيين الكُثُر، فَأُبْعِدَ إلى طنجة.
وبَعْدَ حياة عسكرية وسياسية صاخبة، جاء القبطان جون مدلطون إلى طنجة ليستريح من تعب السنين التي قضاها في الجيش، مُحاربا الملكية في البداية ثم مدافعا عنها بِكُلِّ ما أُوتي من قُوّة ودهاء، ولَمّا حَلَّ بطنجة بَنَى دارا بالقصبة تُطِلُّ مباشرة على المدينة، في الموضع الذي سيقوم عليه سجن النساء فيما بعد، وبجوار داره الجديدة فتح منفذا في سور القصبة (يسار الداخل للقصبة من باب العصا الحالي) .. ومن هذه البُوَيْبَة كان القبطان يعبر إلى بستان له أنشأه أسفل السور، وأنشأ به بيتا وضع فيه أدواته الملازمة للنزهة والمنادمة. وقد قضى سنوات في هذا البستان - أو الجنان بلغة المغاربة- يسترجع ذكريات عمره، وأمام عينيه مناظر ديار طنجة والبحر. ولعلّ الشراب جُلوسا في الجنان، مقابل منظر منازل أهل مدينة طنجة والبحر والخليج، كان يزيد من زهو القبطان وهو يتذكر زمن البُطولات والأمجاد. إلّا أنّ هذا القبطان الذي عُرِفَ في مستهل مجده السياسي بأنّ هو المسؤول الأوّل عن مراقبة ما سَمّاه مؤرخو اسكتلندا ب«البرلمان المخمور»، هو نفسه سيموت مخمورا بطنجة.
لا ندري كَمْ عَبَّ القبطان من قناني النبيذ الإسكتلندي المُعَتّق، لكن يبدو أنّه مرّت عليه لحظات في البستان أو الجنان كان في سابع درجات النّشوة، غير أنّ آخر نشوة انتهت بكَبْوَة، وقيل شرب كثيرا فمشى وعثر فسقط أرضا ومات. أمّا مدفنه فقد يكون في البُستان أو الجنان الذي أنشأه أسفل القصبة على مقربة من بيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.