نعم ولا. كلمتان كثيرا ما طلب من المغاربة اختيار واحدة منهما، للتعبير عن قبول أو رفض مشروع سياسي، غالبا ما كان يتعلق بتعديل إحدى مواد الدستور، أيام حكم الملك الراحل الحسن الثاني، فيما يعرف بالاستفتاء الشعبي، والذي كان يعرف نسبة مشاركة عالية، عكس الانتخابات، وينتهي بنتيجة لا تقل عن المائة بالمائة إلا ببضعة أجزاء، وطبعا لصالح الورقة البيضاء التي تحمل كلمة نعم. ولهذا السبب كان هذا اللون يمنع تداوله في أوراق الانتخابات، حيث كان لكل حزب لونه الخاص به، إلا اللون الأبيض والذي لم يكن المغاربة ليتركوه خارج الصندوق. تعود هاتان الكلمتان للتداول بكثرة هذه الأيام، في خضم كثرة الكلام والنقاش حول ما يعرف بحركة 20 فبراير، وما صاحبها من ضجة في الأوساط الشبابية، بل وتسللت حتى إلى داخل بعض الهيئات السياسية وعملت على انقسام الآراء بها، كما حصل داخل حزب العدالة والتنمية، حيث عبر أعضاء من الحزب يتزعمهم المحامي مصطفى عن الانخراط في تظاهر 20 فبراير، تمردا على الأمانة العامة التي أصدرت قبل أيام بيانا قالت فيه أنها غير معنية بهذه المظاهرة ولن تشارك فيها. الظاهر أن الشباب المغربي حائر جدا في اتخاذ قرار المشاركة من عدمه في هذه المظاهرة التي ظل المنادون بها مجهولين إلى غاية الأيام القليلة الماضية، حيث تم الكشف عن بعض الأشخاص الذين نسبوا إلى أنفسهم إنشاء صفحة على الموقع الاجتماعي الفايسبوك (وما أدراك ما الفايسبوك)، خصصت لدعم حركة 20 فبراير، والتي يقول عنها أحد مؤسسيها أنها حركة سلمية ترفض كل الإنزلاقات نحو أعمال الفتنة. مطالبها واضحة ولا علاقة لها بالشعارات التي تمس بالنظام، كما هو حال الثورتين التونسية والمصرية. الحيرة التي تتمالك الشباب المغربي حول الانخراط في هذه المظاهرة، ترجع في الحقيقة إلى أسباب عديدة، على رأسها عدم الوضوح الذي صاحب الحملة الدعائية الواسعة التي برزت على واجهتين، واجهة تطالب بالخروج في تظاهرة حب ووفاء للملك، و أخرى احتجاجية، مما زاد من صعوبة اتخذ القرار في ظل انعدام التأطير. فجل الشباب المغاربة غير محزبين ولا منخرطين في جمعيات،الأمر الذي جعلهم يعيشون حالة من التخبط بين البيانات المختلفة. (مع وضد التظاهر) دون أن تتضح لهم الرؤيا، مما عقد قدرة الحسم في اتخاذ القرار المناسب، بعد ما طغت وعلى مساحات واسعة بالشبكة العنكبوتية وعبر مواقع مختلفة حملات دعائية، منها ما يؤيد الحركة ويتحدث عن الدوافع وراء تأسيسها وأهدافها... ومنها ما يحذر منها ومن أصحابها، وانتماءاتهم التي تضعهم مرة في خانة أعداء الوطن والوحدة الترابية، ومرة أعداء الدين، مستدلين بصور ومقاطع فيديو تظهر من يرتمي في أحضان عبد العزيز المراكشي، ومن يحضر قداسا بإحدى الكنائس، ومن يطالب بحق الإفطار في رمضان... وكيف ما كان الأمر فليس هناك أسهل من النزول إلى الشارع والتجمهر ولكن؟ أتذكر جيدا حينما كنت أدرس في السنة الخامسة الثانوي - حسب النظام القديم- بثانوية علال الفاسي و بالتحديد في دجنبرمن سنة 1987، حين تم زرع إشاعة تفيد بأن فتاة من الأقسام الإعدادية تم اغتصابها داخل مراحيض المؤسسة،وقتها اهتزت الثانوية، واعتصم التلاميذ بالساحة، ولم يثنيهم تدخل الإدارة ولا الأساتذة ودعوتهم إلى الحوار عن ذلك، ورُفع شعار" سعيدة الضحية" - الطفلة المغتصبة - وكسرت أبواب الأقسام و النوافذ وبالوعات المراحيض، واقتلعت الصنابير، واستمر التظاهر لثلاثة أيام إلى أن افتضح الأمر الذي لم يكن سوى رغبة بعض الطلبة المحسوبين على اليسار في إحياء ذكرى سعيدة المنبهي التي توفيت في 11 دجنبر سنة 1977 في حالة اعتقال و مضربة عن الطعام. كما أتذكر انتفاضة 1991 التي دعت إليها نقاباتا "ك.د.ش" و "إ.ع.ش" والتي وبسببها رُدد اسم "بني مكادة" تحت قبة البرلمان، حين قال ادريس البصري - وزير الداخلية آنذاك وفي جلسة مساءلة- "ماحدث في بني مكادة" ولم يقل "في طنجة". يوم خرج شباب المنطقة طلبة وتلاميذ وعمال ومعطلين... ودخلوا في مواجهات خطيرة مع رجال الأمن، وما ترتب عن ذلك إتلاف للممتلكات العامة و الخاصة، و اعتقالات ومحاكمات لم يسلم منها حتى من كان مختلا عقليا، ولنا مثال على ذلك. أنا لست ضد التعبييرعن المطالب المشروعة ضمن وقفات وتظاهرات سلمية ومسؤولة، أيا كانت الجهة الداعية إليها، وبعيدا كل البعد عن الحسابات السياسية الضيقة والإيديولوجيات، في ظل احترام الرأي والرأي الآخر، دون محاولة إسقاط المثل التونسي والمصري على شأننا المغربي، الشيء الذي يمكنه أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. فهل نضمن العودة من الشارع كما النزول إليه؟ أتمنى أن أشاهد ما يخالف ظني .