كانت الزيارة التاريخية لمحمد الخامس إلى مدينة طنجة في 9 أبريل من سنة 1947 والأحداث المأسوية لمظاهرة 30 مارس سنة 1952 التي شهدتها طنجة، وانتفاضة الطنجاويين مرة أخرى اسوة بإخوانهم في كل مناطق المغرب بعد نفي محمد الخامس في 20 غشت 1953، (كانت) كل هذه الاحداث أبرز المؤشرات على بداية النهاية لحقبة التدخل الأجنبي في شؤون المغرب. فبعد هذه الأحداث بثلاث سنوات اضطرت القوى الاستعمارية، خاصة فرنسا، إلى الجلوس على طاولات المفاوضات للتفاوض على استقلال المغرب بعد ضغط المغاربة الكبير، والتيقن من استحالة الاستمرار على أرض تعيش على صفيح ساخن، خاصة بعد الخطأ الفادح الذي ارتكبته بنفي ملك البلاد. وفي سنة 1956 عاد محمد الخامس إلى المغرب مبشرا بفجر الاستقلال، واسترجعت المنطقة السلطانية وبعدها المنطقة الخليفية في الشمال التابعة للحماية الاسبانية في بداية هذه السنة، في حين تمت إعادة طنجة إلى السيادة المغربية في 29 أكتوبر من سنة 1956 وإلغاء قانون تدويل طنجة في سنة 1958. وجاء محمد الخامس إلى طنجة في 1958 وأسدل الستار بنفسه على الجمارك الحدودية في منطقة عرباوية التي كانت بمثابة الديوانة التي تفصل الحدود الترابية لمنطقة طنجة بباقي المغرب من الناحية الجنوبية، والجمارك الحدودية التي تفصل بين منطقة طنجة وتطوان التابعة للحماية الاسبانية آنذاك، وبالتالي نهاية العهد الدولي لمدينة طنجة بصفة رسمية. العهد الدولي لمدينة طنجة الذي كان قد بدأ رسميا في سنة 1925 وأعطى لطنجة تميزا كبيرا في العالم طيلة مرحلته، ارتبط بعد غروب شمسه بأحداث داخلية أثرت بشكل كبير في هذا التميز الذي كانت تحظى به طنجة، وهي الأحداث نفسها التي أدخلت طنجة في سبات عميق. ما بين 1958 و 1959 انتفض الريف على السلطة الرسمية للبلاد بسبب ما أسموه الثوار بقيادة محمد أمزيان بتهميش الريف والريفيين من الحضور في دواليب القرار، وعدم السماح لهم بتدبير شؤونهم الخاصة بأنفسهم، خاصة أن دورهم في مقاومة الاستعمار الاجنبي كان دورا كبيرا يشهد به التاريخ. أمام هذه الانتفاضة التي تبنت ميثاقا ثوريا يتضمن مطالب كبرى، من أهمها جلاء جميع القوات الأجنبية من المغرب، وتشكيل حكومة شعبية ذات قاعدة عريضة، وعودة محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى المغرب، اضطرت السلطة إلى التدخل إلى قمع هذه الانتفاضة بقيادة ولي العهد آنذاك الحسن الثاني والجنرال أوفقير، وكان تدخلا قمعيا شديدا، استعمل فيه القصف الجوي وحتى الغازات السامة، وعنف مفرط لدرجة أن قام أوفقير بذبح مواطن ريفي أمام الملأ. هذه الانتفاضة يقول العديد من المؤرخين الاجانب تسببت في غضب الملك الحسن الثاني على أهل الريف وراح ضحية هذه الغضبة جل مناطق الشمال المغربي من بينها مدينة طنجة، فبعد وفاة الملك محمد الخامس وتولي الحسن الثاني لعرش البلاد سنة 1962 أدار هذا الاخير ظهره عن مناطق الشمال فتعرضت للتهميش والنسيان الذي استمر إلى حدود وفاة الحسن الثاني، حينها بدأ غبار التهميش يتساقط عنها شيئا فشيئا مع تولي الملك محمد السادس العرش سنة 1999 لتبدأ مرحلة جديدة مضادة لسابقتها. لكن قبل هذه المرحلة، يجدر القول أن نهاية العهد الدولي لمدينة طنجة كان ينذر بفجر جديد للمدينة يشع بنور الاستقلال، وكانت وضعية طنجة وجغرافيتها وتميزها بالإرث الدولي من بين المؤشرات على ذلك، إلا أن سنوات بعد هذه النهاية تبين أن نهاية العهد الدولي كان بمثابة ذلك الغروب الذي لم يعقبه فجر، وظل ذلك الشعاع المنتظر غائبا سنوات طويلة، حتى نسي الطنجاويون ومعهم طنجة بزوغه في يوم من الأيام.