غالبا ما نتحدث عن الريف من منطلق تغييب الوعي عن الواقع ، وأحيانا يتم قوقعة الحديث عن الريف بمنظور اللمبالات والإستهزاء بصيغ مختلفة على إختلاف توجهات أطياف الريفيون . فالشخصية الذاتية للإنسان الريفي تتسم بإلتصاقه بالجد والأرض والأصول . فالريفي القح هو الذي يلتصق بأرض أصوله لذا فالحضارة التمدنية إبتدأت مع بدايات الدول والمماليك الأمازيغية كما بين ذلك إبن خلدون في مقارنته للبربر والعرب .. لذا فإن أرشيف المحاكم الأهلية بشمال المغرب خلال عهد الإستعمار الإسباني وبعده من خلال المحاكم " الشريفية" للمخزن المغربي ممتلاء بملفات النزاعات الأهلية حول الأرض ، وكثيرا هي الروايات الشفوية التي سمعناها عن حوادث القتلى بين أفراد القبيلة في صراعهم حول منابيع المياه والأرض . إن إفراغ الريف من سكانه ،وتهجير الريفيون بعد أحداث الأربيعينيات في مواسم الجوع أو أعوام "أيرني " وبعدها حملة حزب الإستقلال والمخزن الذين هجروا عشرات الألاف منهم تلك الألوف التي رجعت من الحرب الأهلية الإسبانية الذين كانوا في خدمة " الحاج فرانكو " الذي أطلقه عليه القيادي البارز في حزب الإستقلال بن التهامي الذي شغل منصب رئيس الدائرة العسكرية بالناظور بداية الستينيات والمسؤول الأول عن جرائم المخزن في الناظور . إن تهجير الريف من طرف المخزن آنذاك كان بهدف خلخلة البنية الديمغرافية للمجتمع الريفي وجعل الريف جزء من "المغرب العربي" ومحو آثار الإنسان الريفي حيث أنه في العقود الماضية كان التحدث بالريفية شيء غريب ويتم تجريمه من طرف النظام المخزني ولعل أحداث 1958 بالريف بقيادة المجاهد الحاج سلام أمزيان كانت نتيجة غزو الجنس العربي الفاسي بالخصوص للريف لكي يتولو المناصب القيادية العليا بينما تم تهميش الأطر الريفية بداعي أنهم لا يتحدثون العربية والفرنسية وكانت فرصتهم لدحر كل بقايا الريف حتى أن ثرواته أستنزفت إلى غير رجعة . لهذا فالريف بعد أن قاوم الإستعمار بغية الحصول على الحرية والتنمية أصبح بين عشية وضحاها مستعمر من جديد من قبل العائلات الفاسية والرباطية جدير بالذكر أن الصحراء المغربية عرفت نفس مصار الريف حيث أن الصحراويون حرموا من خيرات صحرائهم وإرتموا في أحضان الهجرة لجزر الكناري كما الشأن بالريف .تقول صحيفة فرانس أوبسيرفاتور 1959) : »إننا أمام أزمة خطيرة. الوضعية الاقتصادية للريفيين جد سيئة والمنطقة الإسبانية سابقا تعاني من صعوبات اندماج لم تكن مهيأة له« أما جريدة لوموند الفرنسية المدافعة عن النظام المخزني فقد كتبت في تقريرها في شهر نوفمبر 1958 ما يالي » كانت الصعوبات الاقتصادية للريفيين من الهموم القارة للحكومة العلوية. ثمة مجاعة تخيم هناك. غير أن مجهودات الحكومة منذ الاستقلال لم تعط إلا نتائج سلبية ولم تستجب لإعادة البناء التي قررتها الرباط للحاجيات الفعلية لسكان الجبال الذين خاب ظنهم. محاولات إدماج القبائل اصطدمت دائما بالخصوصيات المحلية«. كما يقول الأستاذ القاجيري أن الريف عاش بدايته الأولى من الاحتقلال فعوض أن يستفيد من هذا الذي سمي استقلالا والذي ضحى فيه الريفي بالغالي والنفيس وجد نفسه مرة أخرى أمام استعمار جديد في دولة المخزن التي راحت تعمق الأزمة أكثر في المنطقة من خلال قيامها بالإجهاض على المشاريع والمؤسسات الاقتصادية التي خلفها الاستعمار الإسباني والذي كان أرحم وأفضل بكثير من المغرب في الجانب الاقتصادي والتنموي، وعلاوة على هذا قامت السلطات المغربية بعد مدة وجيزة من سنة 1956 بإغلاق الحدود مع الجزائر الذي كان هذا الأخير هو المتنفس الوحيد بالنسبة للعمال الريفيين الذين كانوا يهاجرون إلى الجزائر في المواسم الفلاحية للعمل هناك. والأخطر في كل هذا، هو أنه تزامن مع فترة الجفاف والمجاعة الذي ضرب المنطقة اذاك، والمعروف عند أهالي الريف ب »عام ن جوع« أو »عام ن تفاضيست« نسبة إلى نبتة »تفاضيست« التي كان يأكلوها الريفيون إبان فترة الجفاف والمجاعة التي اجتاحت المنطقة في تلك الفترة، وضمن هذا السياق يقول دافيد سيدون (ضاڢيد صيددون) : »كان الاستقلال يعني، من ضمن ما يعنيه، غلق الحدود مع الجزائر وتقنين هجرة العمال. بعد رحيل الإسبان وبعد سنتين من الجفاف، كانت العاصفة في الريف الأوسط والشرقي حيث كان الاقتصاد مرهونا إلى حد بعيد بعائدات الهجرة إلى الجزائر« (135). كان من الطبيعي جدا أن يتحرك الريفيون ويطالبون بحقوقهم الضائعة والمسلوبة من طرف الأقلية الفاسية والمخزنية المحتلة لبلاد الريف، وقد اشتكى الريفيون من ظلم وطغيان هذه الأقلية العربية الموجودة في الريف إلى سلطان المخزن محمد الخامس فقد كتبت جريدة لوموند بتاريخ 13 نوفمبر 1958 ما يلي : »أبلغ الريفيون الملك بالصعوبات الاقتصادية التي يعيشونها، ذكروه أن جرح قراهم الفقيرة هو البطالة كما أنهم اشتكوا من ظلم بعض الموظفين وطالبوا برجال إدارة من أهل المنطقة. بالنسبة لقدماء المحاربين من جيش التحرير فقد احتجوا على تهميشهم بمجرد أن انتهت مهمتهم«. غير أن محمد الخامس لم يستجب لشكوى ومطالب الريفيين. سوى أنه قام بجولة بالريف وزار بعض المناطق حيث نصب قتلة جيش التحرير كقواد على المنطقة من بينهم القائد الطيبي على ميضار والخائن الوزاني كباشا بأكنول هذا الأخير كان من خونة عبد الكريم الخطابي والآن أحفاده يتمركزون في دواليب المخزن ومنهم زعيم حزب سياسي أضف إلى ذلك كل من الخائن أشهبار حيث كان جنرال عسكري ساهم في قتل أبناء منطقته إلى جانب المخزن . أما الحسيمة فقد كانت تحت رحمة عساكر تولو الحكم على الريفيون من جملتهم أخ بنهاشم والي الأمن الوطني سابقا وهو الذي تسبب في تعذيب رفاق الحسيمة سنة 1982 و 1984 . وقتل عدد منهم داخل سجن المعهد الديني . أما في الناظور فقد كان تعذيبه وتفقيره من نصيب ثلاثة عمال تعاقبوا على المدينة منهم أخ القاديري رئيس حزب مغربي حاليا وعياض الأنصاري إبن أخت عبد الحق الطريس أكبر جلاد ميلشيات حزب الإستقلال آنذاك . بعد هذه الأحداث قام الحسن الثاني بأكبر عملية ترحيل للسكان نحو أوروبا بغية التخلص منهم وأصبح الريفيون معادلة صعبة داخل المجتمعات الأروبية ، فقد إبتدأت الهجرة مباشرة بعد غزو الريف أواخر الخمسينيات ، لذا فالهجرة الريفية بأوروبا أصبحت معادلة صعبة وهذا ما سأتطرق إليه في المقال القادم " الريف ونهب الثروات إلى متى