بالرغم من استمرار انحسار الفكر الشيعي في المغرب وهامشية وجوده خصوصا بعد موقف الشيعة المتحفظ من ثورات الربيع العربي عموما ودعمهم للنظام السوري على وجه الخصوص وجهرهم بذلك، إلا أنه لا يمكن إغفال حقيقة انتشار التشيع بالمغرب ولو بشكل محدود وفردي ومتباين، وهذا يعتبر أمرا طبيعيا بحكم حركية الأفكار التي لم تعد تقبل الحصر والتنميط في عالم صغير يعيش على وقع فورة إعلامية تتحرك فيها المعلومة بسرعة فائقة عبر وسائل متعددة ومنفلتة، غير أن هذه الأفكار تحتاج أيضا إلى جهد بشري وتعبوي من حركية وتجنيد وجسارة في الطرح وقوة في الجدب والاستقطاب، وهذا ما يطمح له الكثير من النشطاء الشيعة بالمغرب. عموما، يبقى الوجود الشيعي بالمغرب محتشما ولا يزال في مراحله الجنينية وقد عرف انتكاسة وانحسار خلال الثلاث سنوات الأخيرة بسبب التدخل السلبي في سوريا، وقد عاش منتسبوه الكثير من الحرج بين الناس ووقوعهم في تناقض أخلاقي فارق بدعمهم المبدئي والعقدي لقومة الحسين عليه السلام ونصرة المظلوم من جهة وانحيازهم ومساندتهم لنظام بشار الأسد الدموي من جهة أخرى. ويبدو أن الشيعة المغاربة قد وجدوا في العالم الافتراضي من مواقع الكترونية وباقي وسائط التواصل الاجتماعي متنفسا ومنفذا للتعبير عن أفكارهم ومعتقداتهم والتنفيس عن الحصار الشعبي والرسمي المفروض عليهم بحيث قاموا بتأسيس مجموعة من المواقع الالكترونية إضافة إلى نشاط تبشيري واستقطابي مكثف على المنتديات وصفحات التواصل الاجتماعي. ويبقى المستجد المثير للاهتمام خلال الفترات الأخيرة فيما يخص معتنقي المذهب الشيعي بالمغرب هو بروز أكثر من مؤشر على رغبتهم في التقرب من السلطة وخطب ودها وطمأنتها من خلال خرجاتهم وبياناتهم الإعلامية و حرصهم مخاطبة الدولة ككيان شرعي له امتداد تاريخي ومشروعية دينية وعدم التعبير عن أي طموح سياسي ولا أخذ أي موقف سلبي من الاختيارات السياسية لإمارة المؤمنين بل ومطالبة بعضهم الدولة بالاعتراف بهم رسميا وتوفير الحماية لهم ورعايتهم انسجاما مع مضامين دستور 2011 الذي ينص في فصله الثالث على ضمان الدولة لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية، وقد قاموا بمحاولة لتطبيع وجودهم مع السلطة بشكل رسمي ومؤسساتي عن طريق تأسيس جمعية تحت اسم "رساليون تقدميون"، لكن هذه المحاولة قوبلت بالرفض من طرف السلطات في أكتوبر2013 وعلى إثر هذا المنع أصدرت اللجنة التحضيرية للجمعية بيانا نشر على موقع تيار الخط الرسالي اعتبر فيه الأمر ضمن المنطق القديم في إدارة الحياة العامة وإفراغ الوثيقة الدستورية لسنة 2011 من كل محتوى عملي في ظل غياب الإرادة السياسية للانتقال الديمقراطي الحقيقي ببلادنا، لكن نفس المجموعة ستقوم بمحاولة أخرى ستتكلل هذه المرة بالنجاح حيث قاموا بتأسيس مؤسسة خاصة بالتوزيع والنشر في صيغة شركة ذات طابع تجاري وهذا ما يعتبر اختراق مهم للشيعة المغاربة مع الإدارة المغربية ومكسب تاريخي في أفق السعي نحو الاعتراف القانوني الكامل بالطائفة بالمغرب. لكن ومن ناحية أخرى يعتبر هذا الأمر مؤشرا على مدى نجاح الدولة في استيعابهم واحتواء ورصد حركتهم ووضعهم تحت أعينها وذلك وضمان التواصل الدائم والمستمر مع نشطائهم في مختلف المدن والمناطق مستغلة بذلك بعض التناقض وعدم الانسجام بين التيارات الشيعية المختلفة بسبب اختلاف مرجعياتهم الدينية في التقليد والتبعية مما مكنها من اكتساب بعض وسائل الضغط عليهم وقياس حجمهم وبالتالي ترويضهم وتكييف بعض مطالبهم مع الحد الأدنى للسقف السياسي المحدد والمعلوم سلفا،. وفي الأخير يبقى مصير التشيع في المغرب وجوده ومصيره وإمكانية انتشاره رهين بعدة عوامل منها ما هو دولي كعلاقة المغرب بإيران باعتبارها الراعي الرسمي والممول الرئيسي للطائفة في العالم بالإضافة إلى ولاء الشيعة المغاربة الروحي والعقدي والسياسي للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله الخامنئي وإن حاولوا جاهدين انكار ذلك واخفائه، وكذا عامل ذاتي يتعلق بقدرة شيعة المغرب على الاندماج والتغلغل في صفوف المجتمع المغربي ونيل القبول والرضى عنده، لكن يبقى هذا الأمر صعب وبعيد المنال في ظل الظروف والأوضاع الراهنة التي يعيشها العالم الاسلامي.