استيقظت قبائل "أنجرة" المجاورة لمدينة طنجة قلقة هذا اليوم، إذ انتشر بين الجميع خبر مفاده أن النصارى أسقطوا غرناطة منذ ثلاثة أيام وأن الغرناطيين يستعدون لعبور المضيق نحو شمال المغرب. حالة من الحسرة والقلق تعم الجميع، حسرة على اندثار أخر معقل للمسلمين في الأندلس، وقلق من تصاعد قوة النصارى أعداء الإسلام. "الملقيون" الذين وفدوا على هذه القبائل حديثا بعد سقوط ملقة، هم الأكثر تحسرا وتألما، فذكريات سقوط مدينتهم وما عانوه من حصار شديد على يد فرناندو وإيزابيلا لا زالت توقظ مضجعهم، وها هي الضربة القاضية تأتي بانطفاء أخر شعلة أمل في أرض الأندلس، غرناطة. كانت هذه هي حال قبائل "أنجرة" في مثل هذا اليوم من سنة 1492 عندما استسلمت غرناطة للملكين الكثولكيين معلنة عن انتهاء ثمانية قرون من الوجود الإسلامي في ما يسمى اليوم باسبانيا، وكان ذلك في 2 يناير 1492 ميلادية، أي قبل وصول الخبر إلى قبائل "أنجرة" بثلاثة أيام. هذا الحال تغير الآن، فقبائل "أنجرة" ذات الأصول الأندلسية تمر عليها هذه الأيام ذكرى سقوط غرناطة دون أن يعرف سكانها الحسرة والقلق اللذان عاشهما أجددهم منذ أزيد من خمسة قرون، وهذه الحقيقة تنطبق على العالم الإسلامي بأسره الذي مرت عليه ذكرى هذه النكبة دون ذكر مستحق. والإعلام الذي يعد أهم الوسائل الفعالة في هذا العصر، بدا غائبا عن هذه الذكرى، لولا بعض الصفحات النشيطة على "الفايس بوك" مثل صفحة "الأندلس"، و"صلة الرحم بالأندلس" و"عبد الرحمن الداخل" التي حاولت تعويض هذا الغياب بإطلاق حملة للتذكير بيوم سقوط غرناطة وانتهاء الأندلس. تاريخ الأندلس منذ أن وضع طريف قدمه على هذه الأرض-الفردوس إلى أن وضع أبو عبد الله مفاتيح غرناطة في يد فرناندو وإيزابيلا (تاريخ) طويل وحافل بالأحداث التي لا يجب أن تمر دون أن تترك أي أثر لدى كل شخص تربطه أواصر ما بذلك التاريخ المفقود بفقدان الأندلس. وعودة إلى قبائل "أنجرة" فإن السكان الأوائل لهذه الأخيرة، هم الإشبيليون، الذين هاجروا إليها بعد سقوط إشبيلية، ثم توالت إليها الهجرات الأندلسية طيلة القرون الثلاثة التي سبقت سقوط غرناطة، وبعد نهاية عصر الأندلس ستعرف وفود مهاجرين اخرين، وهم الموريسكيون الذين هجروا إليها بعد قرار الطرد النهائي سنة 1609. ورغم أن الزمن استطاع أن يُنسي سكان هذه المنطقة ذكرى سقوط موطنهم الأندلس، فإنه بالمقابل لم يستطع أن يغير تقاليدهم وعاداتهم الأندلسية التي انتقلت إليهم جيل بعد جيل ولم يطرأ عليها أي تغيير، لدرجة أن منطقة "أنجرة" تعد الآن من المناطق القليلة في العالم التي لا زال سكانها يحافظون على نمط الحياة الأندلسية كما كان قبل السقوط والطرد النهائي.