جميل جدا أن ترى المغاربة في الشارع متظاهرين، و محتجين، و متحدين على كلمة سواء، لا يجمعهم عليها لون حزبي، و لا فقيه فزازي، و لا خطباء زكاة الفطر، و لا إعلام جار و مجرور، و لا سياسة اللَّهو الخَفي، ولا شعارات بو زبال، لتلك الجمعيات التي تسقط عند أول محك، يكون فيها المجتمع و الدولة منقسمان على قضية من القضايا الحساسة، التي تحرك الشارع، و تستفز المواطنين، و تثير غضبهم، و ما أكثرها في بلد يتصرف فيه المسؤولون الصغار قبل الكبار، و كأن الأمر لهم وحدهم، و أن القرار بيدهم دون غيرهم، ليتأكد بالملموس شعار " عليك الأمان، لا حكومة لا برلمان". و هذا هو واقع حال المغرب، الذي نفاجأ فيه بالقرارات التي تصدم المواطنين أحيانا، بل غالباً، دون أن يكون لها تفسير يمكن القبول به، أو التسليم بمقولة الغاية تبرر الوسيلة، هذه القاعدة التي صارت حقنة مهدئة لكل الآلام التي يعاني منها المغاربة، خصوصا إذا تعلق الأمر بقضاياهم المصيرية، السياسية منها و الاجتماعية، و التي يكون لها وقع كبير على مناحي متعددة، قبل أن يتم تبريرها، و محاولة تداركها، و لو بعد فوات الأوان، فقط لإخماد غضب المواطن، الذي أبان بجد أنه عْلَى بَالَ، و لديه علم بكل شيء يحدث فوق بلده، الشَّادّة و الْفادّة. قضية الخنزير الإسباني دانيال التي فجرت غضب الشارع المغربي، خلال فترة كان البلد فيها في جو احتفالي بمناسبة عيد العرش، عرّت واقع حال تدبير العديد من الملفات، التي تُتخذ فيها قرارات يستغرب لها المتتبع، و يجد نفسه أمام علامات استفهام لا نهاية لها، خصوصا إذا تعارضت مع المبادئ التي ترفعها دولة الحق و القانوت، و التي لا أحد عندها فوق القانون، و التي يسري فيها القانون على الجميع...قبل أن نفاجأ بغرابة العديد من القرارات، و في كذا ملفات، خصوصا تلك المتعلقة بناهبي الملايير من المال العام مثلاً، منهم من يحاكم و هو في سراح، و منهم من حُكم بشهور معدودة مع وقف التنفيذ... و أصحاب النفوذ و المقربين ممن يُكتفى بإعفائهم، و تكريمهم فيما بعد بمناصب آخرى، أو نقلهم من مهمة إلى أخرى، و لِّي ما عَنْدُو لَلَّاه عَنْدُو سِدُو، و لكم خير مثال في المصممة المشهورة المتهمة بسرقة مجوهرات زوجة سفير، و التي كانت المادة الدسمة للعديد من الصحف، قبل أن تتمتع بعفو ملكي ضمن لائحة ضمت 191 سجينة، بُعَيْد محاكمتها ابتدائيا بأسابيع قليلة، و في السجون المغربية من هم في حاجة إلى مثل هذه الالتفاتة، لأسباب صحية و اجتماعية عديدة. المهم أن قضية مغتصب الأطفال المغاربة هذا فتحت النقاش من جديد حول العديد من القضايا و طرق تدبيرها، تحت عناوين متعددة. فالقضية كشفت الوضعية الشاذة التي يعيش تحت رحمتها أطفال المغرب، الذين يُغتصبون في القرية و الحي و المدرسة و النادي... في المرحاض، و المرآب و على السلالم...، و الأرقام موجودة و مخيفة، دون أن يكون للدولة ردة فعل قوية، تضع حداً لها، أو على الأقل، تُقلل منها و من وقعها على المجتمع، و تخفف من آثارها السلبية على المتضرر منها، بتطبيق أقصي العقوبات في حق المرتكبين لهذه الجرائم الفظيعة، و عن نفسي أطالب بإتلاف أداة الجريمة رغم قساوته. و دعنا من الحديث عن الإطارات الفارغة التي ترفع شعارات حماية الطفولة، و الدفاع عنها، و التي افتضح أمرها بمجرد تفجير قضية العفو المرفوض في حق الوحش دانيال، و بصفتي أب أقول لهذه الجمعيات، مَا تْقِيسُوش و مَا تْتْكْلْمُوش بِاسْمْ وْلْدِي. مَا فِيكُمْ خِيرْ. أما الأحزاب السياسية البعيدة كل البعد عن الشعب إلا في الانتخابات، فقد أبانت أنها لا تحمل أدنى قسط من هَم المغاربة، و ليست لديها نسبة و لو قليلة من الجرأة للتعبير عن رفضها لقرارات في غير موضعها، و إن كانت من ملك البلاد، الذي وجه لها صفعة قوية من خلال بياناته، و سحب عفوه، و أمره بفتح تحقيق في القضية، و اعتذاره لذوي الأطفال الضحايا، في انتظار اعتذار للشعب كله، ليتضح أنه الأقرب إلى المواطن من برلمانييه و منتخبيه، و أن مقولة " من كاين في المغرب غير الملك" أصح من الصح. القضية أكدت أن المغاربة يُظلمون، و يُقهرون، و يشبعون ضربا و تنكيلا، دون علم من أحد، و أبانت التهاون في تحمل المسؤوليات، و الخلل في التحكم في الأجهزة من قبل قيادييها. و عَرَّت عَورات بعض السياسيين ، و الفقهاء، و الباحثين، و الإعلاميين، الذي يمارسون فن التجميل، و يتلقون السهام عن غيرهم، و يحبون التموقع في صف المواجهة مع الجموع الشعبية، من خلال إدانتهم معارضي العفو، و تأكيد سوء فهم المتظاهرين للقضية، و اتهامهم بالتدخل في قرارات ملك البلاد، و نعتهم بأقبح النعوت، قبل أن ينزل عليهم قرار سحب العفو هم أيضا كالصاعقة، و لم يكن أبداً برداً و سلاماً. أولائك الذين يفتون على هواهم، فيحللون و يحرمون ما يرضي أسيادهم، و يكرمون الضيوف و لو بأعراض بناتهم، و مؤخرات أطفالهم. هي إذاً بطانة فاسدة، لا شك أنها أضرت البلاد و العباد، و لم تقضي مصلحة إلا لذاتها، و لا منفعة إلا لنفسها. أولائك الذين ظلمونا في الدنيا، و لنا معهم في الآخرة حساب عسير. و تحية للطفولة المغربية، المغتصبة مرتين، مرة من دانييال، و مرة بسبب العفو المسحوب. طفولة ضُحٍّيَ بمؤخرتها خدمة للديبلوماسية، و فداءً للوطن.