لا تمر مناقشة من مناقشات الأفلام المعروضة ضمن فعاليات المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، إلا وتشهد تسجيل حضور فئة خاصة من المتدخلين، صاروا يوصفون ب"الأعضاء الدائمين" لحصة المناقشات، والذين يتسابقون على الصف الأول لمقاعد القاعة، متهافتين على الميكروفون قصد الثناء المفرط على جميع الأفلام موضوع النقاش وطواقمها، قصيرها وطويلها، حتى ولو لم يشاهدوها. ويثير الحضور الدائم لهؤلاء لمدح الأعمال، الكثير من الريبة، حيث إنهم لم يبدوا أبدا ملاحظة أو رأيا مخالفا لرؤية الفيلم ومخرجه، بل يبدعون في الثناء على الأفلام والقائمين عليها، ويصفونها بما فيها وما ليس فيها من محاسن، بل حتى إن احتدّ النقاش بين مخرج وأحد النقاد أو الصحفيين، تجدهم أول من يهب للدفاع عنه وعن فكرته، حتى إن تعلق الأمر بخطأ تقني أو انتقال خاطئ بين المشاهد، فبالأحرى إن تعلق الأمر بالطابوهات أو القضايا الحساسة، التي تمثل النقاط الساخنة في النقاشات. هذا الأمر أثار حفيظة العديد من المشاركين في المهرجان، إذ عبر مجموعة من الصحفيين والناقدين والفنانين والمخرجين عن امتعاضهم من تصرفات بعض الوجوه دائمة التدخل، وألمحوا إلى أن المركز السينمائي المغربي يدفع بمثل هؤلاء "لتبييض" وجهه أمام وسائل الإعلام والرأي العام، والدفاع عن اختياراته للأفلام التي نالت دعم المركز، وأيضا لاحتكار المداخلات داخل قاعة الندوات وتفويت الفرصة على الآخرين، الشيء الذي يحول دون فتح نقاش حقيقي، يطور أداء السينمائيين المغاربة، ويرتقي بالفن السابع في المغرب ويصحح أخطاء المركز السينمائي. وتتعدد صفات من يسمون ب"المطبلين" في قاعة الندوات، بين فنانين مغمورين ونقاد وضيوف "مجهولي الهوية"، ولكن تتشابه مداخلاتهم وأفكارهم، تبتعد غالبا عن الخوض في الأمور التقنية أو نقد السيناريو أو النظرة الإخراجية أو الحوار، وتسلك مسلك المدح العاطفي الذي ينبع من قاموس تتلخص مصطلحاته في عبارات مثل "الجميل" و"الرائع" و"المبهر"، حتى ولو لم يبرر "محترفو المدح" كما يوصفون، موقفهم هذا. وأحيانا تنحى الأمور منحى لا يخلو من طرافة على ما تسببه من إزعاج للمناقشين، فأثناء عرض نور الدين الصايل لحصيلة الموسم السينمائي خلال الدورة الماضية، تفاجأ برفع أحد المشاركين للافتة مكتوب عليها بالبند العريض "الصايل ديكاج"، وهو ما أثار حفيظة أحد الممثلين "المغمورين" من الذين يصنفون في خانة "المصفقين"، الذي عمد إلى إنزال تلك اللافتة عنوة، وعندما ووجه باحتجاج الحاضرين الذين اتهموه بانتهاك حرية التعبير، أخذ الميكروفون ليطلق وصلة من المدح على مدير المركز السينمائي المغربي، "واصفا إياه ب"سيد الرجال" مرددا عبارات "الله يطولنا فعمرك ويرحم ليك الواليدين! ". (*) صحفي بجريدة المساء