معهد أمريكي يقدم حججًا قوية تدعو واشنطن إلى تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية    سوق الصرف: الدرهم يرتفع بنسبة 2,3 في المائة مقابل الدولار    العربية للطيران تدشن خطا جويا جديدا بين الرباط والصويرة    لقجع يساند الأشبال قبل نهائي كأس إفريقيا لأقل من 17 سنة    المنتخب الإيفواري يظفر بالمركز الثالث بتغلبه على نظيره البوركينابي بركلات الترجيح (4-1)    ملف التازي يُطوى في مرحلته الاستئنافية.. البراءة من الاتجار بالبشر والزوجة خارج أسوار السجن    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    المحكمة تدين المتورطة في الاعتداء على سلمى بتسعة أشهر نافذة    تونس تصدر أحكاما بالسجن تتراوح بين 13 و66 عاما على معارضين    تونس تُصدر أحكاما ثقيلة على معارضين    الإفراج عن 10 آلاف صفحة من سجلات اغتيال روبرت كينيدي عام 1968    وداعا للورق.. المغرب يدخل عصر رقمنة وثائق الحالة المدنية    الدار البيضاء.. توقيف مواطن نرويجي بتهمة الاستيلاء على 500 مليون كرونة من أموال الضرائب    اعترافات قضائية خطيرة.. هشام جيراندو "مسخوط الوالدين" وعائلته تتبرأ من جرائمه    هل يفوز برشلونة بدوري أبطال أوروبا؟ .. الذكاء الاصطناعي يجيب    "كان" الفتيان.. كوت ديفوار ثالثا    بالأرقام.. وزير الفلاحة يفند مزاعم "المعارضة" بشأن استنزاف الفلاحة السقوية للثروة المائية    القنصل العام الفرنسي يزور مركز التقاء الشباب بحي القصبة بطنجة ويؤكد استعداده لدعم التعاون الثقافي والاجتماعي    تكريم عمر أمرير بمعرض الكتاب.. رائدٌ صان الآداب الأمازيغيّة المغربية    مغربية الصحراء تكتسب زخما دوليا غير مسبوق    مستشار الرئيس الأمريكي: واشنطن تتحرك لإغلاق ملف الصحراء وإعادة العلاقات بين المغرب والجزائر    الشارقة تضيء سماء الرباط: احتفاء ثقافي إماراتي مغربي في معرض الكتاب الدولي 2025    المغرب يسير نحو طفرة عسكرية نوعية عبر اقتناء دبابات K2 الكورية    احتفالية "رمز الثقافة العربية ل2025" تكرم الشاعر بنيس والفنان الفخراني    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    الناصري ينفي التهم الموجهة إليه في قضية "إسكوبار الصحراء" ويكشف تفاصيل عن لطيفة رأفت وتاجر المخدرات "المالي"    احوال الطقس .. امطار وثلوج مرتقبة بمنطقة الريف    عمر مورو: مشاريع البنيات التحتية لكأس إفريقيا 2025 تسير بوتيرة متقدمة بمدن الشمال    الأبيض والأسود من تقرير دي ميستورا: إن موعدهم نونبر؟ -3-    عمر هلال: العودة إلى الصحراء المغربية مشروطة بالإحصاء الإسباني لعام 1974    وفد رفيع من سفارة رومانيا بالمغرب يزور ENCG طنجة ويوقع بروتوكول تعاون أكاديمي    الحوامض المغربية تلج السوق اليابانية    مقتل صحراويين في مخيمات تندوف : ائتلاف حقوقي يطالب بتحقيق دولي ضد الجيش الجزائري    خلال 2024.. المركز الجهوي للاستثمار بجهة الشمال وافق على مشاريع استثمارية بقيمة 85 مليار درهم قد تخلق حوالي 70 ألف فرصة شغل    من الرباط.. السفير الصيني بالمغرب لي تشانغ لين : الصين تعتزم عقد مؤتمر عالمي جديد للمرأة خلال هذا العام    وفاة الفنان المصري سليمان عيد    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    مهرجان "جازابلانكا".. 26 حفلا موسيقيا يحييها 180 فنانا    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    "حماس" تدعو إلى إنهاء حصار غزة    دعم إنتاج الأعمال السينمائية.. الكشف عن مشاريع الأفلام المستفيدة برسم الدورة الأولى من 2025    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    واشنطن بوست تدق ناقوس الخطر: البوليساريو شريك لإرهاب إيران في إفريقيا    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    شي جين بينغ وهون مانيت يتفقان على تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وكمبوديا    الارتفاع العالمي لسعر الذهب ينعكس على محلات المجوهرات في المغرب    الدورة التاسعة إياب من بطولة القسم الوطني الممتاز لكرة السلة : .ديربي محلية بالعاصمة بين الفتح والجيش    أولمبيك خريبكة يوضّح واقعة محاولة انتحار أحد لاعبيه    مهرجان "تيم آرتي" يختار مواهب الراب الشابة في دورة جديدة    رغم التأهل.. فليك غاضب من أداء لاعبي برشلونة أمام دورتموند ويطالب بمزيد من الانضباط    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    توظيف مالي لأزيد من 46 مليار درهم من فائض الخزينة    وزارة الصحة تخلّد اليوم العالمي للهيموفيليا وتطلق حملة تحسيسية وطنية لمكافحة هذا المرض    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقَارُ الشَّيْخُوخَةِ
نشر في طنجة 24 يوم 16 - 07 - 2018


من منّا يحبُّ العجزة؟
ستجيبون حتمًا، بلى نحبهم جداً. كنوزُ الحكمةِ وتجاربُ حياتيةٍ فريدةٍ، ولكنني أقصد وجود العجزةِ، حضورهم المكلَلَ دائمًا بهالةٍ من الخشوعِ والوقارِ. تلك الهالة التي تجعلنا نسلُك مسلكًا مزيّفًا لا نسلكُهُ عادة، فنصطنِع الوقارَ أمام الأطفالِ ونَنْهَرُ شقاوَتهم، أو نغيِّر من البرامج لتُلائم هدوؤهم وتؤدتهم (هدوء وتؤدة العجزة).
لكن هل هم فعلا كذلك؟
صديقٌ تجاوز الخمسين بسنتين ربما أو بثلاثٍ أخبرني بإحدى علامات الشيخوخة الأولى. يقول ساخرًا:
- متى ما أحببتَ الفتيات الصغيرات صرتَ عجوزًا، أولئك اللائي يراهقن النضج والبلوغ.
صديقي هذا مازال مفعمًا بحيويةِ الشباب، والحقُّ أنّ الشباب حالةٌ نفسيةٌ وذهنيةٌ أكثر من مجرد أرقامٍ تتراكم على مرِّ السنين. قلتُ؛ صديقي الشاب/المقبلُ على الشيخوخةِ، أسرَّ لي بهذا السرِّ الذي يحيطه العجزةٌ عمومًا بالسريَّة اتجاه الناس والكبت اتجاه أنفسهم؛ ككلّ الطابوهات!
ومن منّا لم يسمع و/أو لم يرَ عجوزا يتهمه الناس بالارتداد مراهقًا؟ كثيرةٌ هي الحالات التي نرى فيها عجوزا وقد أُصيبَ فجأةً بداءِ التأنُقِّ وبدت عليه بشكلٍ واضحٍ عوارضُ المراهقةِ. والواقعُ أنّ هذه الحالات بالرغم من أنّها معزولةٌ، تعبِّر بصدقٍ عن حقيقةِ ما بعد الخامسة والأربعين.
آهٍ منكم أيّها العجزة! ولكن لمَ إذاً كلُّ هذا الخُبثِ والمداراةِ والمبالغةِ في إظهارِ النُضجِ وضبطِ النّفسِ؟ لمَ تُحيلون حياة أبنائكم وأحفادكم المراهقين من أمثالكم (ويا لسخرية الأقدار) إلى عذابٍ بسببِ أفعالٍ تأتونها كما يفعلون، ومشاعرَ تُراودكم كما تراودهم؟
نحن الآن في صالةٍ رياضيةٍ واسعةٍ، عجوز يُقابِلُني تمامًا به شبهٌ كبيرٌ من العجوزِ رِفعت إسماعيل، غير أنّه ممتلئ الوجهِ تبدو عليه أمارات الخير الوفير، أعني أنّه لا يحتاجُ بداهةً لقرصِ البنسلين. يركبُ دراجةً رياضيةً مثبتةً إلى الأرضِ، ويتبِّع باجتهادٍ ملحوظٍ حركاتِ أستاذ حصةّ البايكينغ.
إنه يكاد يرقص من فرط تحمسه للموسيقى، البولماني يغني(تا لقيت اللي تبغيني) على إيقاعٍ صيفيٍّ (Summer Hits) مَكْسَجَهُ أحدهم، وعمنّا الحاج يرقص فوق الدراجةِ دافعًا بكتفيْهِ تارةً إلى الأمام وأخرى إلى الخلف، منشرح الأسارير. أكادُ أجزمُ أنَّ نسبة الأدرينالين في دماغه تفوق تلك التي في دماغ مشجِّع برشولنيٍّ شهِد ملحمة ريمونتادا باريس سان جرمان الكبرى.
أنا موقنٌ بفشلي الذريع في وصفِ حركاته. من منكم يعرفُ شواذَّ الطّيراسا؟ من منكم شهِد رقصَهم المقزِّزَ أثناء إحيائهم لِلَيالي رمضان؟ يشبه المشهدُ الذي أمامي ذلك تمامًا. أما اللذين حالفَهم الحظُّ ولم يشهدوا ملاحم الطيّراسا الرمضانية، فلا أظنُّ أنّ الحظ قد حالفهم أيضًا ولم يشهدوا ملاحم أدّومة الفايسبوكية.
يقوم الحاج بشيء من هذا القبيل!
تخيلوه الآن بين أهله وأسرته: يحسِبُ الجميع له ألفَ حسابٍ، ويصير البيتُ مقبرةً أو قصرًا مهجورًا في الخلاءِ إذا ما آوى إلى فراشه بعد الغداء. يثير الرعبَ في نفوس كل من تحت قبضته، ولا يجرأ في حضرة جلالته أن يعترضَ معترضٌ.
تخيل فقط؛ هذا الأبله الذي فقَدَ عِقال نفسه بسرعةٍ على إيقاع أول أغنيةٍ شبابيةٍ يدعي كل هذا الوقار والجلال!!
وليس أجمل من عمّنا وأديبنا الكبير نجيب محفوظ، وهو يصف ذلك بمنتهى الحرفية، وبمنتهى الروعة ومنتهى الإبداع. سي السيّد، بطل الثلاثية الذي كان يحكم بيتَ أمينةَ بقبضةٍ حديديةٍ في الصباح، كان يرقصُ كقردِ السيركِ بزهو في بيوتِ وعَوّاماتِ العَوالِمِ في الليل.
زد عندك هذا أيضا!
لمّا كنتُ طفلاً كنتُ أحبُّ ارتيادَ المساجدِ والإجتهاد في الطاعات؛ كنتُ أتسابقُ مع المأموم على الصفِّ الأول. ولقد حدث مرةً أن صلى بجانبي شيخٌ طاعنٌ في السنِّ، فإذا بي -كأي مجتهدٍ- أحاذي قدميْنا امتثالاً ل "حاذوا بين المناكبِ والأقدام، أتمّوا الصفوف يرحمكم الله". لم أجد نفسي -وأنا الطفل حديثُ السنّ- إلّا مُعانقًا ساريةَ الجامعِ الجديدِ، لقد دفعني المعتوه بجنونٍ أثناء الصلاة!
كيف تجرأتُ ووضعتُ قدميَ الصغيرةَ بجوارِ قدمه الجليلة؟ جيلُنا لا يخجلُ من نفسه، جيلٌ هتكَ عرضَ كل الأخلاقِ والقيم.
لنضع إذًا بعد كل هذا الكلام خريطةً تصف ما يمرُّ به الإنسانُ من مراحل: يكون طفلاً ثمّ يصير مراهقًا، ثم ينضُجُ بعد مخاضٍ عسيرٍ، فيقضي بالنضجِ ما تيسر من السنين، ثمّ يؤوب مراهقًا قبل أن يتقهقرَ طفلًا من حيثُ انطلق.
مَثلُ العجزةِ في مبالغتهم في الوقارِ كمثلِ مومسٍ تجاوزت الثلاثين، تعيش على صدى عشرينياتها، فتبالغ بالاعتزاز بنفسها حتى وإن ذبل ثديها فاستوى الناهدُ منه بالبطنِ، وفقدت عجيزتها رشاقتها. تقول بزهوٍ: رحم الله زمانًا كنتُ فيه سلطانةً، يا رحمةَ اللهِ على جيلٍ كان يتذوق الجمال، أما هؤلاء الصبية فلا يحبون إلا العجفوات!
وإياك أن تنسى:
"احذر من أن تسخر من أحلام الشباب، فما السخرية منها إلّا لعارضٍ من عوارضِ الشيخوخة يدعوه المرضى بالحكمة " (نجيب محفوظ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.