المهرجان مَرفُوض! إنه مهزلة.. لا طعمَ له، ولا قَبول.. إلا إذا كُنتم من شعبٍ آخر.. ودولةٍ أخرى.. وموقفُنا نحنُ هو: لا ثُم لا! كفى من مهرجان «موازين»! نُسَمّيه: «مَهزلة موازين».. هل فَهِمتُم؟ إنكم تَعْبثُون.. وتُسيئون تَقديرَ ما نحنُ فيه.. وما نحنُ فيه، لا يَعنِينا وحدَنا.. يعني الجميعَ فينا، بالحسابِ العمودي، والحسابِ الأُفُقِي.. نحنُ وأنتُم في بلدٍ فقير.. فقير جدا.. وبتعبيرٍ أخر: فقيرٌ لأنه مسرُوق.. هل فَهِمتُم؟ اللصوص كثيرون جدا.. وينهبُون البلدَ بالطول والعرض.. ولا تظهر ثرواتُ الفوسفاط والذهب وبقيةِ المعادن، ما دام في مراكز القرار لصوصٌ يَحتلُّون المؤسساتِ «النيابية»، و«الحكومية»، وهم على تواطؤ مع المسؤولين الكبار، وحَمَلَةِ الهراوات.. هل فَهِمتُم؟ ومن يَجهرُ بلاَءَات، وخاصة في شوارعِ الاحتجاج، أو يفضحُ من يَسرقون ويَنهبون، مآلُهُ المحكمة، والسجن، والتضييقات، والتشويهات.. هل فَهِمتُم؟ لقد عادت أوقاتٌ رهيبةٌ حَسِبناها انتَهت.. عادت سنواتُ الرصاص، بصيغةٍ جديدة، في طبعةٍ أخرى.. ولم تعُد تُجدي مسيراتُ الشوارع.. والهراواتُ على ظهرِ كلِّ مُحتَجّ.. وسلاحُنا الوحيد هو «المقاطعة».. وسنُقاطعُ ما استَطَعنا إلى ذلك سبيلا! ونعرفُ خلفياتِ مَهزلةِ «موازين».. لقد تواطأت مؤسساتٌ مع ناهِبِي البلد.. وأصبحَت صامتة.. وكأنها بالصمتِ تَحمِيهم، أو كأنَّ حمايتَهم مِظلةٌ لهم، أو هو ضوءٌ أخضرُ لكي تستمرَّ «شخصياتٌ» فاعلةٌ في هذا «الإنجاز».. ضوءٌ أخضرُ لكي تستمرَّ الحكومةُ على نهجِها، في الصمتِ النهاري، والتصفيقِ الليلي.. حكومة مُنافقة! وهذا حالُنا اليوم مع حكومة لا تفتحُ عَينَها إلا في الظلام.. والنتيجة: لا اقتصاد مُستقيم.. لا تعليم.. لا صحة.. لا شغل.. ولا أخلاق... وطبعًا، أحزابُنا فاسدة، نقاباتُنا فاسدة، و«المجتمعُ المدني» في حالةٍ مرَضيةٍ مُستعصيّة.. حينًا هو واقف، وأحيانًا هو صامتٌ مشلُول.. ومع ذلك، أصواتٌ ترتفعُ هنا وهناك، صادحةً «لا لمهرجان موازين»! وبلادُنا في ظاهِرها بريقٌ مُوجَّهٌ للخارج.. للخارجِ تَقول: «نحنُ بلدٌ غنيّ».. وفي الداخل، أولئكَ لا يَشعُرون بفَقرِنا.. وجِراحِنا.. وآلامِنا.. وطموحِنا لأن يتخلَّصَ بلدُنا من الفاقة.. وفاقَتُنا ليست طبيعية.. هي ناتِجةٌ عن سُوء توزيعِ ثرواتِ البلد، وسوءِ التدبير، وسوءِ التسيير.. اللصوصُ الكبار يمنعون أيَّ توازُن اجتماعي: البرلمانُ في قبضتِهم.. الحكومة تُساندُهم.. القانون، والسجن، والهراوة، واللاتعليم، واللاتخليق، واللاتشغيل... هذه وغيرُها سياسةٌ مَنْهَجُوهَا منذ عُقود.. إنه التّفقيرُ الشامل! لقد اغتالوا الطبقةَ المتوسطة، وانتَهت الحدودُ بين الأكثرِ فقرًا والأكثرِ ثراءا.. الطبقةُ المتوسطةُ انتهت.. ولا حدود بين فاحِشتيْن اقترَفتهُما «أحزابُ الريع»: الإغناءُ اللامشروع، والتفقيرُ الساحق.. من جهة، أُسَرٌ فوقَ السحاب، وأخرى لا تجدُ حتى الكهوف، لأن كبارَ مسؤولينا استولوا على أراضينا «الاستراتيجية».. ولا أحدَ يُحاسِبُهم! أولاءِ فوقَ المحاسبَة... وتدُورُ الأيام... وكلَّ عام ونحنُ على نفسِ الأسطوانة! لا جديد.. الرشوةُ كما هي.. الفسادُ كما تَعْلَمون.. اللصوصُ يَكبُرن.. ويَشتدّون.. ولا يُؤدون الضرائب.. ويُحيط الناسُ أنفُسَهم بأوهامٍ وأوهامٍ منها: وَهْمُ النقاباتِ والأحزاب... وهذه هي نفسُها «الخصمُ والحَكَمُ».. عصابةٌ مفروضةٌ علينا.. عصابةٌ فوقَ أكتافِنا.. ويُبشرُنا التلفزيون بموسمِ المهرجانِ الغنائي العالمي: وفعلاً يأتي كبارُ النجوم، وفيهم وفيهم.. وفيهم حتى مُتَفسّخاتٌ ومتفَسّخون.. وسيراتٌ من أفخَمِ ما صنَعته التكنولوجيا العالمية.. هو مهرجانُ «موازين»، السنوي، وهذه السنة «يَتميَّز» بما يلي: 9 أيام من العروض والحفلات، أزيد من 130 سهرة، أزيد من 1500 فنان وفنانة، 6 منصات، 4 عروض للشوارع، أزيد من 40 بلد من القارات الخمس، أزيد من 30 مليون مُتتبّع على التلفاز، 125 مقاولة شريكة.. وأرقامٌ أخرى... والعاصمة تُغنّي وتَرقُص! وفي حديثٍ آخر: لا غِنَى ولا رقص.. مجردُ صورٍ متحركةٍ مُفَبْرَكة، لإيهامِ الناس أن المهرجانَ ناجح.. وأنه فوقَ ما يُتصوّر.. يُوهِمون الناسَ بالنجاحِ الباهر.. وشبابٌ يذهبون إلى مواقعِ المنصّات، ولا يجدون إلا كمشةِ فنّانين يُغَنُّون لأنفُسِهم.. إنها الملايير تذهبُ هذه السنة أيضا إلى «أصدقاءِ البلد»، بحضور قلّةٍ من الفنانين المغاربة، وفي غيابِ وتغييبِ أكثريةٍ ساحقةٍ من الأصوات، وحمَلَةِ الآلاتِ العازِفة.. أزيد من 1500 فنان وفنانة، من المفروض أن يُغَنّوا لملايين من شبابناِ، جلُّهم مُعَطَّلون، ومن الطبقةِ المسحُوقة.. وفي بضعةِ أيام، يعودُ «الضيوف» إلى أوربا وأمريكا وغيرهِما، مُحَمّلين بالشّيكات، وبما خَفَّ وزنُه، وغلاَ ثمنُه.. ويبقَى فُقراؤُنا يَبحثون عن تفسيرٍ منطقِي لهذا التبذيرِ الشنيع للماليةِ العمومية.. وما النتيجة؟ لقد حَمَلُوا في حَقائبِهم عدةَ ملايير.. فما هي المردوديةُ بالنسبة إلينا؟ هل ما أُعطيَ لهم، سيعُودُ بنفعٍ ما على حالتِنا الاجتماعية المتدَنّية؟ لو كان ملايينُ من السياح الأجانب يأتون إلينا من أجل التّفَرُّج في ساحاتِنا العمومية، على النجوم العالمية، لحَسِبنا أن البلد ستكون له مداخيل مهمة قد تكون مُبرّرًا لتنظيم هذا المهرجان الدولي.. ولحَسِبْنا أن الغناءَ العالمي سيكون بالنسبة لنا ما هو عليه المونديال بالنسبةِ لروسيا.. روسيا ربحت المونديال لأن مع المونديال مداخيلَ سياحيةً كثيرة.. ونحن لم يأتِ إلينا سُياحٌ أجانب مع «موازين».. «موازين» جاءت فقط إلى فُقراءِ البلد.. وصناديقُ الدولة يتمُّ الأخذُ منها لفائدةِ نجومِ أوربا وأمريكا ومناطقَ أخرى.. على من تضحكون؟ الناسُ واعُون.. وفي النهاية، أنتم تضحكون على أنفُسِكم.. فلَسْنا نحنُ الفقراءُ خاسرِين.. نحنُ رابحون، لأنّ ما تفعلون لا يزيدنا إلا وعيًا بضرورة الوقوفِ على قدميْنا لكي نتَشاركَ جميعًا في بناء بلادِنا على أساسٍ ديمقراطي، عادِل، يَحكمُه القانون.. أما استمرارُكم في تبذيرِ خيراتِ البلد، فهذا له نهاية.. وفي النهاية، نهايةُ العَبَث.. انتَهت اللعبة! [email protected]