في سنوات الثمانينيات ظهر فيلم كوميدي شهير عنوانه «هل يوجد أحد في الطائرة». ويحكي الفيلم قصة طائرة تحلق في السماء في جو عارم من الفوضى ولا أحد يدري هل ستنزل سالمة أم لا. اليوم يطرح المغاربة نفس السؤال بصيغة جديدة وهم يتساءلون إلى أين تسير هذه البلاد في هذا الجو العارم من الفوضى والعشوائية، وهل سيأتي يوم يتعافى فيه المغرب من أمراضه الكثيرة أم إن مصيره سيكون الهلاك. منذ الاستقلال وإلى اليوم لا أحد يعرف كيف سيتم وقف نهر الفساد والاختلاس الذي يجرف ممتلكات الشعب ويضخها في سدود المسؤولين الفاسدين واللصوص «المحترمين». مهرجان الفساد قائم في المغرب على قدم وساق، والناس يتساءلون ألا يوجد في هذه البلاد كلها من يستطيع وقف هذه الكارثة. وفي ميدان القضاء، يبدأ الكثير من القضاة الفاسدين تلاوة أحكامهم الجائرة بعبارة «باسم جلالة الملك»، بينما هم يقبضون ثمن البقرة وابنتها ويدلون بأحكام ما أنزل الله بها من سلطان، ويحولون العدالة إلى مهرجان هائل للظلم والجبروت، وخلف ظهورهم الآية القرآنية: «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»، بينما كان من المفروض أن يوضع أمام أعينهم وليس خلفهم الحديث الشريف: «الظلم ظلمات يوم القيامة». وفي مجال الإعلام، يتصرف مسؤولو القنوات التلفزيونية العمومية وكأنهم ورثوها عن آبائهم في أوراق عدلية. وها هي القناة الثانية التي يمكن أن تختنق في ربع ساعة إذا توقف الفقراء عن مدها بالمال الوفير، تتصرف بعنجهية وغرور مرضيين وكأنها قناة تمطرها السماء بالذهب والفضة، بينما المغاربة البسطاء يمدونها بأوكسجين الحياة كل يوم عبر الضرائب التي يؤدونها متخفية في فواتير الماء والكهرباء. هل يوجد إعلام عمومي في العالم يسرق المعونة من أناس لا يشاهدونه وبطريقة احتيالية وفوق ذلك يتعجرف؟ وفي التعليم، يتكدس 70 تلميذا من أبناء الشعب في قسم واحد بسبب ندرة المدارس، أو يقطعون عشرات الكيلومترات كل يوم من أجل الوصول إلى المدارس النائية وبطونهم شبه فارغة، بينما المحظوظون يتلقون تعليما يقودهم مباشرة إلى المناصب الكبرى والمعاهد الأجنبية. لقد ظهرت الطبقية في التعليم حتى قبل أن يظهر اليعقوبي بمسدسه وهو يطلق النار ويصرخ «نتوما غير بخّوش.. نتوما غير دبّان». وفي الصحة يموت الفقراء في ردهات المستشفيات أو يظلون ينتظرون مواعيد العمليات الجراحية، فيكون عزرائيل السباق إلى أخذ أرواحهم لأنهم فقراء ولا يتوفرون على ثمن العلاج، بينما تتحرك طائرات الهيلوكبتر لنقل مرضى أغنياء أو سياح مصابين. والذي يتأمل أرقام الحوامل اللواتي يمتن عند الولادة ومعاناة الأمهات في القرى والمناطق البعيدة في «أجمل بلد في العالم»، فإن رأسه سيشيب قبل الأوان. حتى الرياضة لم تسلم من هذا الحمق الغريب. وفي آخر مباراة للديربي بين الوداد والرجاء فهم الناس بسرعة أن الهدف منها كان هو التعادل لأسباب أمنية. هل توجد في العالم كله مباراة تنتهي بالتعادل لأسباب أمنية؟ من الأفضل عدم إجرائها لأسباب أمنية، أما بيع التذاكر ل50 ألف متفرج في مباراة مخدومة سلفا فهذا شكل جديد وخطير من أنواع الضحك على ذقون المغاربة. في طول البلاد وعرضها مهرجانات فساد واختلاس طوال العام، وللأسف لا توجد قنوات تلفزيونية تنقلها إلى المشاهدين مباشرة كما يحدث في مهرجانات الرقص والدّوخة، ومع ذلك فإن المتهمين الأساسيين اليوم ليسوا اللصوص بل هم الذين ينادون بضرورة وقف الفساد والتبذير وحماية سمعة المغرب التي لوثتها حماقات المسؤولين وعصابات النهب وجماعات ولوبيات القمع وإعلام غسل الأدمغة. يمكن للناس أن ينظروا إلى أي مكان لكي يروا حالات مستعصية من الفساد واليأس القاتل، لكن الذين يشيرون بأصابعهم إلى مكامن الخلل والخطر في هذا البلد يوصفون بالتيئيس وبالعدمية. من هو العدمي والمجرم الحقيقي، هل هو اللص أم الذي يصرخ في الناس «أمسكوا اللص؟». أمام كل هذا ينظر الناس باستغراب إلى كل ما يجري وهم يتساءلون إن كان يوجد في البلاد من يستطيع وقف تمريغ سمعة شعب بكامله في الوحل. هل يوجد أحد في الطائرة يجعلها تنزل بسلام؟