مراكش.. قيوح يتباحث مع رئيس منظمة الطيران المدني الدولي    ترامب يعرض الوساطة بين إسرائيل وتركيا لحل التوتر في سوريا    "مايكروسوفت" تقيل إبتهال أبو سعد    طقس الثلاثاء.. تشكل كتل ضبابية أو ضباب محليا فوق السواحل الأطلسية    الصين تتعهد بالرد على أي زيادات إضافية في الرسوم الجمركية الأمريكية    برنامج الأغذية العالمي يحذر من أن خفض التمويل الأمريكي يهدد حياة الملايين    أنشيلوتي: لا نفكر سوى في مواجهة أرسنال بدوري أبطال أوروبا    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    بايتاس: الحكومة منسجمة وجميع مكوناتها تعمل على أن تبقى كذلك    رغم الحملات السابقة... محلات تجارية تحتل الملك العمومي بساحة الحنصالي بلا حسيب ولا رقيب    قطاع غزة ينعى قتلى غارات ليلية    بنك المغرب يستهدف الشباب لتعزيز الكفاءات المالية في إطار للأسبوع الدولي للثقافة المالية    إيلون ماسك يرفض "رسوم ترامب"    رائحة كريهة تقود لاكتشاف جثة رجل ستيني داخل منزله ببني ملال    "قمرة" يساند تطوير سينما قطر    ارتفاع ملحوظ في عدد الرحلات السياحية الداخلية بالصين خلال عطلة مهرجان تشينغمينغ    إسقاط الجزائر لطائرة مسيرة مالية يكشف خيوط رعايتها للإرهاب وتهديدها لأمن الساحل وإستقرار إفريقيا    "المغرب في قلب التحديات: نحو مجتمع متماسك وآمن"    المغرب وجل الشعب غاضب / 1من5    بين نور المعرفة وظلال الجهل    لا يوجد نظام في العالم يشبه النظام العسكري الجزائري.. شبح التدخلات وازدواجية المعايير    الاتحاد الاشتراكي يعلن الانخراط في مبادرة تشكيل لجنة تقصي دعم مستوردي المواشي    رسميا.. "الديربي" بين الوداد والرجاء السبت القادم انطلاقا من الساعة الثامنة مساء ب"دونور"    معرض الكتاب بالرباط يستقبل الشارقة كضيف شرف ويحتفي بمغاربة العالم    مندوبية السجون تقطع على أسر النزلاء فرصة تسريب الممنوعات    حزب "القوة الشعبية' البيروفي يؤكد دعمه للوحدة الترابية للمملكة بشأن الصحراء المغربية    فضيحة لغوية في افتتاح المعرض الدولي للكتاب: الوزير بنسعيد منشغل بهاتفه وشاشة العرض تنحر اللغة    توقعات أحوال الطقس ليوم الثلاثاء.. ارتفاع ملموس في درجة الحرارة    تفاصيل مثيرة.. نفق تهريب الحشيش بين سبتة والفنيدق يورط عناصر أمنية    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم لأقل من 17 سنة.. المنتخبان الإيفواري والمالي يحجزان بطاقة العبور لربع النهائي    المغرب يتوج بجائزة سياحية مرموقة    الضمان الاجتماعي يعلن عن مستجدات هامة تخص معاش التقاعد واسترجاع الاشتراكات للمستقلين    النفط عند أدنى مستوى في 4 سنوات بسبب الحرب التجارية    تحطيم سيارات يستنفر شرطة إنزكان    ‬كيف ‬نفكر ‬في ‬مرحلة ‬ترامب ‬؟    هل يُقلق وضوح إدريس لشكر بعض «المحللين والإعلاميين»؟    بنعلي يؤكد بطلان رقم "13 مليار درهم" المروج حول دعم استيراد الأضاحي    السلطات الصحية البريطانية تحقق في إصابة بفيروس (إمبوكس) غير معروفة الأسباب    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على انخفاض حاد    النشاط الصناعي.. بنك المغرب: ركود في الإنتاج وارتفاع في المبيعات خلال فبراير 2025    مضاعفات الحمل والولادة تؤدي إلى وفاة امرأة كل دقيقتين    أصغر من حبة الأرز.. جيل جديد من أجهزة تنظيم ضربات القلب يذوب في الجسم    الفرحة تعود لمنزل سلطان الطرب جورج وسوف (صور)    الدكتورة غزلان توضح ل "رسالة 24": الفرق بين الحساسية الموسمية والحساسية المزمنة    أوزود تستعد لإطلاق النسخة الأولى من "الترايل الدولي" الأحد المقبل    علوم اجتماعية تحت الطلب    مزراوي يحظى بإشادة جماهير مانشستر يونايتد    أغنية "تماسيح" جديد الشاب بلال تحتل المرتبة العاشرة في "الطوندونس" المغربي    مهمّة حاسمة للركراكي.. جولة أوروبية لتفقد مواهب المهجر استعداداً لتعزيز صفوف المنتخب    القاهرة ترفع ستار مهرجان الفضاءات المسرحية المتعددة    ماراثون مكناس الدولي "الأبواب العتيقة" ينعقد في ماي المقبل    روعة مركب الامير مولاي عبد الله بالرباط …    توضيحات تنفي ادعاءات فرنسا وبلجيكا الموجهة للمغرب..    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في طنجة 24 يوم 17 - 02 - 2025

يستعرض الدكتور البشير الحداد الكبير في هذا المقال دور المؤسسة الملكية في النظام السياسي المغربي، مع التركيز على اختصاصاتها الدستورية بعد إصلاح 2011.
ويتوخى هذا المقال، الذي تنشره جريدة طنجة 24 الإلكترونية في سياق اهتمامها بنشر الثقافة الدستورية، تسليط الضوء على الأدوار السياسية والدينية والعسكرية والتشريعية للملك، سواء في الظروف العادية أو الاستثنائية.
كما يناقش كيف ساهمت هذه الأدوار في تعزيز استقرار الدولة واستمرارية المؤسسات، مع إبراز التوازن بين السلطة الملكية وباقي المؤسسات الدستورية.
وفي ما يلي نص المقال، كما توصلت به الجريدة:
مقدمة عامة:
تلعب المؤسسة الملكية دورا هاما في النظام السياسي منذ نشأة الدولة المغربية، بحيث تعتبر القلب النابض والمحرك الأساسي، إذ يمكن القول أن الملكية هي من صنعت المغرب، وهذا راجع للأدوار التاريخية التي لعبتها سواء قبل الحماية وفي ظل الحماية وما بعد الإستقلال، وتدشين لمفهوم الملكية الدستورية.
تتلخص أهمية هذه الدراسة بتسليط الضوء على أهم الإختصاصات المنوطة بالمؤسسة الملكية، لاسيما بعد الإصلاح الدستوري الأخير dernière réforme constitutionnelle، كما تعود أسباب إختيارنا لهذا الموضوع، بإعتباره يحتل مكانة أساسية في مجال الدراسات الدستورية والعلوم السياسية، من خلال تشخيص الأنظمة السياسية، ثم بإعتبارنا باحثين في القانون العام.
وتتمحور الإشكالية الرئيسية لموضوع الدراسة فيما يلي: كيف ساهمت الإختصاصات الدستورية للمؤسسة الملكية في تدبير العهد الجديد ؟
للإجابة عن هذه الإشكالية، سنتناول هذا الموضوع وفق محورين:
المحور الأول: الملكية في الزمن الدستوري العادي والإستثنائي
عرف المغرب ستة دساتير في الزمن المعاصر، منذ سنة 1962، مرورا بسنوات 1970، 1972، 1992، 1996، وأخيرا 2011، حيث تعتبر سنة 2011 سنة إستثناء بكل المقاييس، أفرزت لنا دستورا جديدا، جاء تتويجا للخطاب الملكي التاريخي بتاريخ 9 مارس 2011، كما أن هذا الدستور كان منتظرا، إذ لكل عهد جديد دستور جديد، وبالتالي سنحاول التطرق من خلال هذا المحور لأهم الإختصاصات وذلك من خلال ما يلي:
*" الزمن العادي" :
بقراءتنا للدستور الجديد يمكن استنتاج أمر مهم، أن المؤسسة الملكية ذُكرت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في جميع الأبواب من الباب الأول إلى الباب الرابع عشر.
بالرجوع للفصل الأول، نجد تم التنصيص على أن النظام الدستوري المغربي يقوم على الملكية الدستورية الديمقراطية البرلمانية والاجتماعية، كما تم التنصيص في الفصل الرابع أن شعار المملكة الله-الوطن-الملك، وإذا عدنا للباب الثاني المعنون بالحريات والحقوق الأساسية، لا نجد لفظ المؤسسة الملكية، لكن مَن الضامن للحقوق والحريات بالمغرب؟ هو الملك، حسب منطوق الفصل 42.
لقد خصص المشرع الدستوري المغربي بابا كاملا للحديث عن المؤسسة الملكية واختصاصاتها، وتبويب الدستور لم يتم عشوائيا وإنما كل باب له دلالة خاصة، فإختيار الملكية في الباب الثالث هي إشارة من المشرع الدستوري على المكانة الأولى لجلالة الملك في النظام السياسي، حيث تم التنصيص على مجموعة من الإختصاصات من الفصل 41 إلى غاية الفصل 59.
لقد أكد الفصل 41 على أن الملك هو أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية، ويعتبر الرئيس الفعلي للمجلس العلمي الأعلى، المؤسسة الدستورية التي ترعى الحقل الديني تحت الرعاية الرسمية لجلالة الملك ولها حق إصدار الفتاوى في الدين الإسلامي الحنيف والسمح، بإعتبار أن التوجه الديني للمملكة إسلامي مائة في المائة حسب ما هو منصوص عليه في الفصل الثالث.
وإذا عدنا للفصل 42، نجده ينص على الإختصاصات السياسية لجلالة الملك بإعتباره رئيس الدولة وممثلها الأسمى، وبالتالي فالملاحظ هنا أن دستور 2011 عمل على فصل الإختصاصات الدينية عن الإختصاصات السياسية لجلالة الملك، إذ في الدساتير السابقة كان الفصل التاسع عشر يجمع بينهما.
إن الإختصاصات الدينية والسياسية لجلالة الملك كانت حتى قبل تدشين لمرحلة الملكية الدستورية، فمختلف سلاطين المغرب كانوا يتمتعون بصفة أمير المؤمنين، والصفة الدينية تعطي الحق للمؤسسة الملكية بالتدخل في أي مجال، على اعتبار أن جلالة الملك أو السلطان هو المكلف بالرعايا أو المواطنات والمواطنين.
ومن بين الإختصاصات الأخرى نجد تعيين أعضاء مجلس الوصاية حسب الفصل 44.
إن الحكومة المغربية تعتبر مسؤولة أمام البرلمان وقبله أمام جلالة الملك حسب منطوق الفصل 47، فهو الذي يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر الإنتخابات التشريعية، كما يعين باقي أعضاء الحكومة بإقتراح من رئيسها، وله سلطة الإعفاء أيضا، بناء على الاستقالة الفردية أو الجماعية لأعضاء الحكومة أو بطلب من رئيس الحكومة، وإذا قام هذا الأخير بتقديم إستقالته فإن الملك يعفي الحكومة بأكملها، وبالتالي نستنتج أن الحكومة قبل أن تحصل على التنصيب البرلماني المنصوص عليه في الفصل 88، عليها أولا أن تحصل على التعيين الملكي.
لقد نص الفصل 48 أن جلالة الملك يرأس المجلس الوزاري، إما بمبادرة منه أو بطلب من رئيس الحكومة، وله حق تفويض رئاسة هذا المجلس إلى رئيس الحكومة بناء على جدول أعمال محدد، لكن الملاحظ أنه منذ صدور دستور 2011، لم يسبق لرئيس الحكومة أن ترأس هذا المجلس، وجدير بالذكر أن هذا المجلس يحضره رئيس الحكومة والوزراء، بمعنى الحكومة بإستثناء كُتاب الدولة، والملاحظ أن في المجالس الوزارية المنعقدة يحضر كذلك مستشارو جلالة الملك، وهذا أمر طبيعي، فالمستشتار الملكي هو امتداد لجلالة الملك.
يلعب المجلس الوزاري دورا مهما في الإشراف وتوجيه عمل الحكومة وهذا ما يتضح لنا من خلال الفصل 49، فالمجلس الوزاري هو الذي يحدد توجهات السياسة العامة للدولة، على إعتبار أن السياسة العامة والسياسات العمومية والسياسات القطاعية يتم مناقشتها وتداولها في المجلس الحكومي .
لقد حدد الفصل 50 أن القوانين تظل عديمة الجدوى إذا لم يصدر الأمر بتنفيذها، فبعد المصادقة البرلمانية سواء على مشاريع أو مقترحات القوانين، فالدور يأتي على جلالة الملك الذي يعطيها الصبغة والصيغة التنفيذية من خلال إصدار الأمر بتنفيذها.
كما يملك جلالة الملك حق حل البرلمان إما بمجلسيه النواب والمستشارين أو أحدهما لكن هناك شروط وهي" بعد إستشارة رئيس المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيسي المجلسين وتوجيه خطاب للأمة والإعلان على ذلك بظهير" حسب منطوق الفصل 96.
من بين الأمور المهمة التي نص عليها الدستور الجديد، سلطة توجيه الخطاب، وهي سلطة منحصرة فقط بيد المؤسسة الملكية، بحيث إذا عدنا للوثيقة الدستورية لا نجد أي مؤسسة دستورية تملك هذا الحق، فالفصل 52 جعل من الملكية المغربية، ملكية متكلمة، ملكية توجه العمل السياسي والإداري والقضائي، وهذا ما أكد عليه الملك الراحل محمد الخامس، حيث قال أن العرش ليس كرسيا فارغا، فالمؤسسة الملكية بموجب هذا الفصل تملك حق توجيه خطاب للأمة والبرلمان.
إن المؤسسة الملكية لا يقتصر دورها فقط في المجالين الديني والسياسي، بل يشمل أيضا المجال العسكري والأمني، فالملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية وله سلطة التعيين في المناصب العسكرية بموجب الفصل 53، كما يعين في المناصب الأمنية بموجب الفصل 49 وفي المناصب الإستراتيجية حسب منطوق نفس الفصل.
لقد نص الدستور الجديد على مؤسسة حديثة وجديدة وهي مؤسسة المجلس الأعلى للأمن التي يرأسها جلالة الملك بموجب الفصل 54.
وبخصوص مجال السياسة الخارجية فشأنه شأن الحقل الديني، إذ ظل محفوظا بيد المؤسسة الملكية، وهذا ما يتضح لنا من خلال الفصل 55، أما المجال القضائي فعبر قرون مضت ظل القضاء تحت الرعاية الرسمية لسلاطين المغرب وهذا ما تمت دسترته فالملك هو من يرأس المجلس الأعلى للسلطة القضائية(الفصلين 56 و115)، وهو من يوافق بظهير على القضاة المعينين من طرف المجلس السالف ذكره حسب منطوق الفصل 57، كما يمارس حق العفو بموجب الفصل 58.
لقد رأينا مجالات تدخل المؤسسة الملكية سواء في الشق التنفيذي أو البرلماني أو القضائي، الأمر لا يقتصر فحسب على الباب الثالث من الدستور، بل يشمل باقي الأبواب وهذا ما سنراه من خلال ما يلي:
+ الباب الرابع: يرأس الملك افتتاح السنة التشريعية خلال يوم الجمعة الثاني من شهر أكتوبر من كل سنة، وبالتالي الإشراف على توجيه العمل السياسي، وتدشين الدخول البرلماني، من خلال الفصل 65، وبالرجوع للفصل 67 نجد بأن جلالة الملك يملك آلية إحداث لجان تقصي الحقائق البرلمانية، التي تعتبر وجها من أوجه التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
+الباب الخامس: خلاصات مداولات المجلس الحكومي يتم عرضها على جلالة الملك بموجب الفصل 92، وهذا أمر طبيعي، فالنظام الدستوري المغربي يقوم على ثنائية السلطة التنفيذية، فالمؤسسة الملكية والحكومة يتقاسمان ممارسة السلطة التنفيذية.
الباب السادس: بموجب الفصل 95، يمكن للملك أن يخاطب البرلمان ويطلب منهم قراءة جديدة لكل مقترح أو مشروع قانون، بمعنى سهر الملكية الدستورية على جودة التشريعات والقوانين، فالمؤسسة الملكية لها دور أساسي في تجويد العمل البرلماني، وجعل القوانين تعكس نبض المجتمع.
بالإضافة للفصل 104 الذي ألزم رئيس الحكومة أثناء حله لمجلس النواب بضرورة إستشارة الملك.
الباب السابع: إن الفصل 107 أكد بصريح العبارة أن جلالة الملك هو ضامن إستقلال السلطة القضائية، وبموجب الفصل 113 فإن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يمكنه إصدار آراء مفصلة حول كل مسألة تهم القضاء، وبخصوص الفصل 115 فإنه يؤكد بأن الملك يعين خمس شخصيات مشهود لها بالكفاءة لعضوية المجلس الآنف الذكر، كما أن الأحكام والقرارات القضائية تصدر وتنفذ بإسم الملك وطبقا للقانون بموجب الفصل 124.
+الباب الثامن: تعيين الملك لرئيس المحكمة الدستورية وستة أعضاء واحد منهم يتم إقتراحه من طرف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى وذلك بموجب الفصل 130، بالإضافة إلى إحالة القوانين والإتفاقيات الدولية على المحكمة الدستورية من طرف الملك قصد البت في مطابقتها للدستور.
+الباب التاسع: قد يتساءل الباحثون، أين هو دور المؤسسة الملكية في هذا الباب الخاص بالجماعات الترابية، الجواب في الفصل 145، فالولاة والعمال يعتبرون من الداعمين لمسلسل اللامركزية والجهوية ببلادنا، وبالتالي فالولاة والعمال يتم تعيينهم من طرف جلالة الملك في المجلس الوزاري، فنجاح الجهوية المتقدمة رهين بالمؤسسة الملكية، فالولاة والعمال لهم أدوار أساسية سواء بموجب الدستور الجديد(1) أو القوانين التنظيمية للجماعات الترابية(2) أو مرسوم ميثاق اللاتمركز الإداري(3).
+ الباب العاشر : إذا كان المجلس الأعلى للحسابات يعتبر الهيئة الأولى في المغرب المسؤولة عن ضمان الحكامة المالية وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، فإن رئيس هذا المجلس يحظى بالتعيين الملكي، كما أن تقاريره السنوية تُرفع إلى جلالة الملك بموجب الفصل 148.
+الباب الحادي عشر: إن المؤسسة الملكية هي المسؤولة عن تعيين رئيس المجلس الإقتصادي والاجتماعي والبيئي، وهذه المؤسسة هي حديثة العهد وتعتبر من مؤسسات الحكامة الجيدة في إطار التفسير الواسع للدستور الجديد وليس التفسير الضيق أي المؤسسات المنصوص عليها حصرا في الباب الثاني عشر.
+ الباب الثاني عشر: التعيين الملكي في مؤسسات الحكامة الجيدة من قبيل وسيط المملكة، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، رئيس مجلس المنافسة….إلخ، كما أن تقارير هذه الهيئات الإستشارية تُرفع إلى الملك.
+الباب الثالث عشر: الملك له حق مراجعة الدستور كاملا أو في بعض أجزاءه.
إذا كنا في هذا المحور اقتصرنا في شقه الأول إلى التطرق لإختصاصات المؤسسة الملكية في الزمن الدستوري العادي، فإننا سنتطرق في الشق الثاني للحديث عن الزمن الدستوري الإستثنائي وذلك عبر ما يلي:
لقد تحدث الدستور الجديد عن ثلاث حالات إستثنائية وهي:
+ حالة الإستثناء، إذ بموجب الفصل 59، يمكن للملك إعلان حالة الاستثناء، وقد سبق للمغرب أن أعلن عنها في عهد الملك الراحل الحسن الثاني وبالضبط سنة 1965، حالة الاستثناء تخضع لشروط وضوابط وهي كالآتي:
-ضوابط شكلية: إستشارة الملك لكل من رئيس الحكومة، ورئيسي المجلسين بالبرلمان المغربي، ورئيس المحكمة الدستورية، ثم توجيه خطاب للأمة، والإعلان عن هذه الحالة بظهير.
-ضوابط موضوعية: إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية.
+حالة الحصار: بموجب الفصل 74، يُعلن عنها بظهير ملكي يوقعه بالعطف رئيس الحكومة، مدتها ثلاثين يوما، لا يمكن تمديدها إلا بقانون، ويُتداول بشأنها في المجلس الوزاري حسب منطوق الفصل 49.
+ حالة الحرب: بموجب الفصلين 49 و99، يتم اتخاذ قرار إشهار الحرب من طرف الملك ويخبر البرلمان بذلك.
وجدير بالذكر أن الحالات الثلاث المذكورة تخضع للسلطة التقديرية لجلالة الملك، فهو الوحيد من يقرر فيها.
المحور الثاني: ربع قرن من التدبير الملكي الجديد
منذ تربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ورعاه عرش أسلافه المنعمين وتبنيه للمفهوم الجديد للسلطة سنة 1999، تم إحداث قفزات نوعية في نظام الحكم، وتدشين لثورة جديدة للملك والشعب، همت مختلف المجالات، وهذا ما سنعمل على توضيحه من خلال ما يلي:
+ المجال الإجتماعي: تنزيلا للرؤية الملكية السديدة والمتبصرة، تم إطلاق مجموعة من الأوراش الإجتماعية، همت محاربة الفقر والهشاشة ودعم القدرة الشرائية للمواطنين وتحقيق العدالة الإجتماعية والمجالية، من قبيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، صندوق التكافل العائلي، صندوق دعم الحماية الإجتماعية والتماسك الإجتماعي، برنامج تيسير، نظام المساعدة الطبية سابقا، تعميم الحماية الإجتماعية عبر تنزيل قانون الإطار 09.21 (4)، الذي هم تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، توسيع الإستفادة من التعويضات العائلية عبر اعتماد مقاربة حديثة تستهدف الفئات التي تستحق الدعم الإجتماعي من خلال آلية السجل الإجتماعي الموحد، ثم تعميم الإستفادة من التعويض عن فقدان الشغل، وتوسيع دائرة الإنخراط في أنظمة التقاعد، حيث أن الهدف الرئيسي هو هيكلة القطاع غير المهيكل، وإدخاله في النسيج الإقتصادي والاجتماعي، دون أن ننسى باقي البرامج الإجتماعية الأخرى، من قبيل برنامج فرصة، إنطلاقة، أوراش، برنامج دعم اقتناء السكن… إلخ.
+المجال الإقتصادي: كما هو معلوم أن الدولة لوحدها غير قادرة على الدفع بعجلة التنمية نحو الأمام، شأنها في ذلك شأن جميع دول العالم، لهذا يأتي الدور على القطاع الخاص، الذي أصبح في العهد الجديد لا يقتصر دوره فقط على الميدان الإقتصادي، بل أصبح يشمل أيضا المجال الإجتماعي من خلال دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا.
إن المغرب كسائر دول العالم، أصبح يركز على الإستثمار من خلال تحسين مناخ الأعمال، وتعزيز العدالة القضائية، بإعتبارها محفزا رئيسيا إلى جانب الإستقرار السياسي الذي ينعم به المغرب، فمنذ الإستقلال، كان المغرب يركز فقط على قوانين الإستثمار إلى أن انتهى به المطاف إلى تبني ميثاق الإستثمار السابق سنة 1995، لكن في العهد الجديد، قام بإحداث إطار مؤسساتي محفز للإستثمار، وهي المراكز الجهوية للإستثمار(5) التي تعبر عن عبقرية وحكنة المؤسسة الملكية، حيث تم إحداثها بموجب الرسالة الملكية التي تم توجيهها سنة 2002، وأصبح لها قانون خاص بها (47.18) (6)، الذي هو الآن عرضة للتعديل والتغيير، دون أن ننسى ميثاق الإستثمار الجديد الذي يشجع على تحسين جاذبية الإستثمار ويساهم بشكل فعلي في الرفع من النمو الإقتصادي وهو القانون الإطار 03.22 .
لقد دشنت المؤسسة الملكية مدن المهن والكفاءات قصد تكوين جيل جديد يلبي متطلبات سوق الشغل، كما ساهمت المؤسسة الملكية في جعل المغرب يطور من القطاع الفلاحي عبر اعتماد مخطط المغرب الأخضر واستراتيجية الجيل الأخضر Green génération، دون أن ننسى التركيز على القطاعات الواعدة ودعمها عبر صندوق محمد السادس للإستثمار الذي تم إحداثه تنفيذا للتعليمات الملكية السامية في خطابي العرش المجيد وافتتاح البرلمان سنة 2020.
وبخصوص الصناعة فقد انتقل المغرب إلى الصناعة المحلية عبر دعم المنتجات المحلية made in Morocco، ويعتمد على تنويع الصناعات: السيارات، الطائرات، النسيج، المواد الإلكترونية والكهربائية، الصناعة الدوائية وصناعة اللقاحات…إلخ، ثم
إنفتاح المغرب على مجالات جديدة من قبيل الطاقات المتجددة، كالطاقة الريحية والشمسية، أي الطاقات النظيفة التي تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، دون أن ننسى برنامج عرض المغرب بخصوص الطاقة الهيدروجينية.
لقد تم تعزيز السياحة وإطلاق مخطط المغرب الأزرق، حيث أن المغرب أصبح الوجهة المفضلة لدى العديد من السياح في مختلف دول العالم، لاسيما أنه مقبل على تنظيم تظاهرات رياضية مهمة من قبيل كأس إفريقيا، وكأس العالم.
+البنيات التحتية: إحداث المطارات والطرق السيارة والسريعة، إطلاق قطار فائق السرعة TGV، إنشاء الموانئ طنجة الناظور الداخلة نموذجا…إلخ.
+المجال الأمني: بفضل القيادة الرشيدة لجلالة الملك نصره الله وأيده، أصبح القطاع الأمني المغربي ذو صيت دولي، ومحطة اهتمام مختلف الأجهزة الأمنية والإستخباراتية في العالم، التي أصبحت تطمح للتعاون مع المغرب قصد تبادل الخبرات، فالمغرب أصبح عملة صعبة ونادرة في مجال محاربة الإرهاب والتطرف، إذ إستطاع تفكيك خلايا إرهابية عديدة، عبر يقظة أجهزته الأمنية والسرعة في الحصول على المعلومة وتبني المقاربة الإستباقية.
+ المجال الخارجي: السياسية الخارجية تعرف ازدهارا بفضل الرؤية السديدة لجلالة الملك نصره الله وأيده، فهي قائمة على الحزم والواقعية والتوازن وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتنويع الشراكات، كل هذا جعل من المغرب له وزن إقليمي ودولي، وكان له تأثير إيجابي مباشر على ملف الصحراء المغربية، هذا الملف الذي عرف نجاحات متتالية سواء في أروقة مجلس الأمن الدولي، لاسيما بعد دعم الدول الدائمة العضوية فيه، أمريكا وفرنسا نموذجين، أو من خلال دعم دولي واسع لمبادرة الحكم الذاتي وكذا فتح القنصليات بكل من العيون والداخلة المغربيتين.
+ تدبير الأزمات: ما يهمنا ما بعد 2011، فأزمة الماء والجفاف، لاحظنا كيف تدخلت المؤسسة الملكية عبر جلسات العمل وتبنت مجموعة من البرامج، كتحلية مياه البحر، بناء السدود، منع حفر الآبار بطريقة عشوائية، تشجيع الابتكار والبحث العلمي في مجال ترشيد المياه وإعادة إستعمال المياه العادمة للسقي، ترشيد استغلال المياه الجوفية، والحفاظ على الفرشة المائية.
وبخصوص جائحة كورونا، لاحظنا كيف استطاعت المؤسسة الملكية برزانتها وهدوءها تدبير الجائحة بنجاح، من خلال صرف الدعم الإجتماعي لجميع الفئات المتضررة في تلك الفترة، توفير اللقاحات بالمجان، إحداث صندوق تدبير جائحة كورونا، وفي زلزال الحوز سنة 2023 تم اعتماد نفس المقاربة من خلال ترأس جلالة الملك لجلسات العمل تُوجت بإحداث صندوق تدبير آثار زلزال الحوز، وإعداد برنامج لإعادة الإعمار والتأهيل المجالي وفك العزلة والتنمية الاجتماعية والإقتصادية بالمنطقة، ويمكن القول أن جلسات العمل التي هي عُرْف دستوري، تعتبر آلية ناجعة في تدبير الأزمات والقضايا الطارئة.
إن تدبير المؤسسة الملكية للأزمات لم يقتصر فقط على الشأن الداخلي، بل شمل أيضا الشأن الخارجي، وهذا ما لاحظناه، من خلال الدور الفعال لجلالة الملك في القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى الأزمة الليبية، وتدخل المغرب في حل العديد من الأزمات الإفريقية…إلخ.
خاتمة عامة:
لقد استطاعت المؤسسة الملكية بعبقريتها تدبير العهد الجديد بكل حزم وواقعية ونجاعة وشجاعة، كل هذا منح للمغرب مكانة عالية أمام الأمم، وأصبحت للمغرب الزعامة والريادة الإقليمية في شتى المجالات، فالمؤسسة الملكية ما يميزها أنها حافظت على الأسلوب التقليدي الذي ميز الأمة المغربية طيلة قرون مضت، لكنها في نفس الوقت سايرت النظام العالمي الجديد، فالمؤسسة الملكية هي من بين المؤسسات الملكية في العالم التي لا تتوفر على حساب رسمي في وسائل التواصل الاجتماعي وهذا ما يميزها، إذ حافظت على جذورها التاريخية وأصالتها، ورزانتها، وحكمتها، فالخطب الملكية السامية تتميز بلغة عالية المستوى بعيدة عن الشعبوية التي أصبحت منتشرة بين العديد من رؤساء دول العالم.
لقد تمكنت المؤسسة الملكية عبر اختصاصاتها المنوطة بها الدفع بالمغرب إلى مصاف الدول المتقدمة، وسنختم بمقتطف من الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد سنة 2017:"…شعبي العزيز،
إني أعتز بخدمتك حتى آخر رمق، لأنني تربيت على حب الوطن، وعلى خدمة أبنائه.
وأعاهدك الله، على مواصلة العمل الصادق، وعلى التجاوب مع مطالبك، ولتحقيق تطلعاتك…"
الهوامش:
1- ظهير شريف 1-11-91 الصادر بتنفيذ دستور 2011،بتاريخ 29 يوليوز 2011،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر،بتاريخ 30 يوليوز 2011، الصفحة: 3600.
2- ظهير شريف 1.15.83 الصادر بتنفيذ القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات،بتاريخ 7 يوليوز 2015،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6380،بتاريخ 23 يوليوز 2015،الصفحة: 6585.
-ظهير شريف 1.15.84 الصادر بتنفيذ القانون التنظيمي 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم،بتاريخ 7 يوليوز 2015،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6380،بتاريخ 23 يوليوز 2015،الصفحة: 6625.
-ظهير شريف 1.15.85 الصادر بتنفيذ القانون التنظيمي 113.14،بتاريخ 7 يوليوز 2015،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6380،بتاريخ 23 يوليوز 2015،الصفحة:6660.
3- مرسوم 2.17.618 بمثابة ميثاق اللاتمركز الإداري الصادر بتاريخ 26 دجنبر 2018، والصادر في الجريدة الرسمية عدد 6738 بتاريخ 27 دجنبر 2018، الصفحة: 9787.
4- ظهير شريف 1.21.30 الصادر في 23 مارس 2021 بتنفيذ القانون الإطار 09.21 المتعلق بالحماية الإجتماعية،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6975 بتاريخ 5 أبريل 2021،الصفحة: 2178.
5- للمزيد من المعلومات هناك مرجع قيم ل: سعاد بلعربي، المراكز الجهوية للإستثمار بين الرؤية الملكية والممارسة العملية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، السنة الجامعية 2018-2019.
6- ظهير شريف 1.19.18 الصادر بتنفيذ القانون المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وبإحداث اللجان الجهوية الموحدة للإستثمار بتاريخ 13 فبراير 2019 ،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6754،بتاريخ 21 فبراير 2019،الصفحة: 834.
*دكتور في القانون العام والعلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.