كثيرة هي الغايات التي رسمها الله سبحانه وتعالى بشرعه الصيام في شهر رمضان، وجعله دورة سنوية مكثفة يجتهد فيها الصائمون لتزكية نفوسهم وتطهير أجسامهم وتنقية قلوبهم، حيث يجمع الفقهاء على أن تحقيق تقوى الله عز وجل هو الهدف الأساسي والأسمى الذي فرض من أجله الصيام. وللصيام في شريعة الإسلام مقاصد عظيمة وأهداف نبيلة، ليس الغرض منها حرمان الإنسان من الطيبات والملذات، وإنما كتب الله تعالى الصيام على عباده ليكون لهم غرسا مثمرا يعود عليهم نفعه في الدنيا والآخرة، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”، وبذلك يحصل الصائم على مرتبة التقوى التي هي من أهم مقاصد الصيام الكبرى. وفي إضاءات خص بها وكالة المغرب العربي للأنباء، قال الأستاذ عبد الكامل بولعمان، أستاذ الدراسات الإسلامية وخطيب بالمجلس العلمي المحلي للرباط، إن التقوى هي ثمرة العبادات كلها، فهي وقاية للعبد من الوقوع في المحرمات، ولذلك كانت منزلة التقوى هي المقصد الأسمى والغاية الكبرى، والهدف الأعلى للواجبات، ولغيرها من السنن والمستحبات. وأوضح أن للصيام في الشرع مفهوم واسع، فهو ليس الإمساك عن جميع المفطرات فحسب، بل هو كذلك الإمساك والابتعاد عن كل معصية وخطيئة، وعن الشر والفساد، والإضرار بالغير، وضبط للسان، وتهذيب للنفس، وتطهير للبدن، وتغذية للروح، “فالصوم إجمالا إقبال على الله تعالى بالطاعة والخضوع، ومناجاة له بالدعاء والخشوع، فمن لم يهذبه صيامه فكأنه ما صام، ومن لو يؤدبه قيامه فكأنه ما قام”. في مدرسة الصيام، يقول الأستاذ بولعمان، يتعلم المرء الصبر والمصابرة الذي هو غاية ومقصد من مقاصد الصيام الكبرى، فمطالبة العبد بالكف عن الحاجيات الضرورية التي تعتبر عين الحياة عنده ثم ترغيبه في الإكثار من النوافل بعد أداء الفرائض، وتنبيهه إلى تطهير نفسه من كل المحرمات، ودعوته إلى تحسين أخلاقه، وعدم الدخول في الخصومات والجدال العقيم، لا يكون ولا يتم إلا بالصبر واحتساب الأجر عند الله تعالى. كما أبرز أن الصيام هو العبادة الوحيدة بين العبادات التي يتجلى فيها الإخلاص لله بين العبد وربه، وصلة حقيقية بين الله تعالى وعبده الصائم لا يمكن أن يتدخل فيها طرف ثالث، وهو عزم وإرادة وصدق وإخلاص وقوة، وسمو ورفعة على كل ما يسيطر على الناس من ضرورات مادية وأهواء نفسية وشهوات جسدية. وذكر من جهة أخرى، بأن شهر رمضان مليء بالأحداث العظام في تاريخ الأمة المسلمة، فهو شهر نزول القرآن، وشهر الانتصارات والملاحم، ففي ال17 منه في السنة الثانية للهجرة وقعت غزوة بدر الكبرى، مضيفا أنه “شهر فيه من أنواع العبادات والأعمال الصالحة وما يقع فيه من الخير والإحسان، هو من أعظم النعم التي امتن الله بها على عباده، واستحضار هذه النعم يقود إلى شكرها، كما يقود إلى إعطاء رمضان ما يستحقه من العبودية لله، والاجتهاد فيه بالأعمال الصالحة”. وخلص الأستاذ بولعمان إلى أنه يتعين على المسلم المؤمن أن يحقق في نفسه مغزى الصيام بالانتقال من صيام الجسد إلى صيام اللسان، ومن صيام اللسان إلى صيام القلب، بتحقق تقوى القلوب، مؤكدا أنه إن لم تحصل التقوى في شهر رمضان فما تحقق الهدف الذي من أجله شرع الصيام.