إذا كانت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، قد وفرت أرضية مهمة لتحسين ظروف عيش سكان الكثير من مناطق العالم القروي، فإن مدشر "خندق زرارع" التابع لجماعة القصر الصغير بإقليم فحص أنجرة، يمثل في الواقع أرضية لهذا البرنامج التنموي، باعتبار روح المبادرة أصيلة عند سكانه لا سيما من النساء. ففي هذا المدشر تبرز المرأة، كفاعلة رئيسية في شتى مجالات الحياة اليومية، بدء من تحمل أعباء البيت والأبناء، إلى تدبير شؤون المعيشة، فضلا عن حرصها على توعية وتثقيف نفسها من خلال تخصيص وقت للعلم والمعرفة. الطريق نحو هذه القرية الجبلية المطلة على مضيق جبل طارق، عبر الطريق الساحلية بين طنجة ومركز جماعة القصر الصغير، تبرز فيها أهم ملامح ريادة المرأة القروية، حيث يصادف معظم المسافرين نساء بقبعات نباتية، يترقبن أصحاب السيارات، ويلوحن للسائقين ومن معهم بربطات قثاء وبقول وجبن وبصل وعطور نباتية، في محاولة لجذب انتباههم إلى بضاعتهن التي يفترشنها تحت ظل مبنى صغير. مبادرة ببصمة نسائية وفي هذا المكان الذي يطلق عليه قرية الزرارع، تفترش النسوة بشكل يومي مساحتهن المخصصة تحت ظل هذه البناية، التي شيدت خصيصا لإيوائهن من حر الشمس، بشكل يساعدهن على ممارسة تجارتهن البسيطة. بعفوية ولباقة، تعرض إحدى هؤلاء النسوة بضاعتها على أحد الزبناء الذي توقف بسيارته في هذا السوق النسوي. هذه السيدة وهي خمسينية تدعى خديجة مرصو، بوجه بشوش لم تمنع تجاعيده ارتسام ابتسامة دائمة في وجه زبائنها، تقول "كل يوم نجيء إلى هنا مشيا على الأقدام لمسافة بعيدة لنسترزق الله، ونبحث عن زبائن يهتمون بمنتجات فلاحية محلية، تتميز بكونها طبيعية". "فكرة إنشاء هذا السوق نبعت من منطلق مساعدة المرأة القروية على تحسين ظروف اشتغالها في تسويق المنتوجات المحلية"، تتحدث أمينة اللغميش، رئيسة جمعية سنبلة لرعاية وتنمية المرأة بخندق الزرارع أنجرة، عن فكرة هذا السوق الذي تم إحداثه في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وتضيف اللغميش في حديث لطنجة 24 "هذا الفضاء جعل هؤلاء النسوة في مأمن من الأخطار التي يمكن أن يتعرضن لها أثناء مزاولة نشاطهن". وحسب المتحدثة الجمعوية، فإن المرأة في مدشر الزرارع هي "صاحبة المبادرة بل إنها شريكة أساسية لزوجها في تدبير مصاريف الحياة اليومية من خلال ممارسة هذا النشاط التجاري". حرص على التعلم اهتمام نساء مدشر خندق الزرارع، ليس منصبا فقط في الجانب المتعلق بلقمة العيش، هناك أيضا اهتمام ووعي متزايدين بجانب التعليم ومحاربة الأمية، لذلك ارتأت جمعية سنبلة أن توسع نطاق أنشطتها ليشمل مجال محاربة الأمية لفائدة نساء المنطقة، وذلك من خلال إطلاق برنامج في هذا الإطار بالتعاون مع النيابة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بإقليم فحص أنجرة، وفق ما تكشف عنه أمينة اللغميش متحدثة لصحيفة "طنجة 24" الإلكترونية. بشرى المروجي، واحدة من المستفيدات من برنامج محو الأمية، تعتقد أنها أصبحت مختلفة كثيرا عما كانت عليه قبل أن تسجل نفسها في دروس محو الأمية، "كنا متشوقين باش نتعلمو نقراو ونكتبو"، تتحدث بشرى ذات الثلاثينات من العمر باللكنة الجبلية لسكان منطقة فحص أنجرة. و تضيف بشرى أن القراءة والكتابة يسهلان على المرأة تعلم فروض الدين وأركان الإسلام. وتعتبر أن من يتخلف عن هذه الدروس هو "أناني ومتكبر"، في إشارة مباشرة إلى بعض رجال المنطقة الذين استنكرت عليهم استكثارهم على نساء صرن يخضن في مسائل وأمور عصية على الرجال بعد أن تعلمن القراءة والكتابة. لا مجال للطلاق ما يميز مدشر خندق الزرارع أيضا، هو التماسك الأسري والاجتماعي بشكل كبير يحول دون تسجيل حالات طلاق كثيرة العدد في صفوف الأزواج. ومما يساعد على تثبيت هذا التلاحم، وفق ما توضحه أمينة اللغميش، هو " معرفة ببعضهم البعض وعادتهم على التزاوج فيما بينهم، مما يجعل الأسباب المؤدية للطلاق غير واردة في كثير من الأحيان" معرفة سكان المدشر ببعضهم ليس السبب الوحيد لندرة حالات الطلاق، هناك سبب آخر حسب بشرى المروجي، إنه التربية، هذا السبب حسب بشرى يجعل النساء بصفة أساسية على قناعة تامة بالأهداف الحقيقية للزواج، "حنا عارفين الحقوق ديالنا كاملة.. بلا ما تجي المدونة وتقولنا ها شني عندكم وشني ما عندكمشي"، حسب تعبير بشرى