الطريق الساحلية الممتدة على طول المسافة الرابطة بين مدينة طنجة ومدينة سبتة، تحمل للمسافر عبرها، أجواء مختلفة عما تركه خلفه في المدينة من ضجيج وزحام ورتابة مملة. فإلى جانب منظر الطبيعة الخلابة المطلة على مضيق جبل طارق حيث تبدو بوضوح جبال وهضاب الضفة الشمالية،هناك مشهد نساء قرويات بشاشياتهن الجبلية ومناديلهن الملونة بالأحمر والأبيض، يصطفن على حافة هذه الطريق، وهن يلوحن بربطات قزبزور او معدنوس لسائقي السيارات المارة. أغلب نساء القرى والمداشير الواقعة بتراب الجماعات التابعة إداريا لإقليم فحص انجرة، يتخذن مساحات من ناصية الطريق الرابطة بين طنجة والقصر الصغير بصفة خاصة، فضاءات لعرض بضائع بسيطة لا تتجاوز ما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وبصلها، الى جانب ما يستخلصنه من ألبان البقر والماعز ومنتجاتها وأيضا ما يطهونه من رغائف طازجة على نار حطب هادئة مثل هدوء محيطهن البدوي البسيط . هو إذن جانب من أنشطة معيشية بسيطة، دأبت هاته النسوة على ممارستها لتدبير لقمة عيش أسرهن ، قبل أن يخترع "حكماء" هذا العالم قصة يوم 8 مارس الذي خصصوه للاحتفاء بالمرأة ودورها في المجتمع، مع أن جل نساء العالم، من بينهن جبليات طنجة، ظللن يكافحن قبل قرون عديدة من حلول سنة 1977، ومع ذلك فإن كاميرات التلفزيون وعدسات المصورين تفضل ملاحقة "مناضلات الخمسة نجوم" باعتبارهن رموزا للنساء النشيطات. ومن بين هاته المناضلات المنسيات بين جبال قرى ومداشر إقليم فحص أنجرة، يمكن لمستعملي الطريق الساحلية المطلة على مضيق جبل طارق، أن يلتقي السيدة منانة التي اعتادت أن تفترش مكانها على جانب الطريق بالقرب من مدشر "الزرارع" رفقة العشرات من قريناتها المنحدرات من هذه القرية أو غيرها من القرى المجاورة، من أجل انتظار زبائن تقول السيدة منانة عنهم بأن أغلبهم لا يأتون بمحض الصدفة لاقتناء بضاعتها الطازجة، وإنما، تضيف هذه السيدة ذات الثلاثينات من العمر بلكنة جبلية واثقة، الكثير من هؤلاء الزبائن ياتون في وقت مضبوط خشية نفاذ البضاعة. القناعة والثقة في تحصيل الرزق، هما الصفة التي تشترك فيها جميع هاته النسوة المناضلات المنسيات، اللائي ينلن ما يستحقنه من تكريم واعتراف بكفاحهن، لا في اليوم العالمي للمرآة ولا في غيره من الأيام. لكنهن مستمرات في تجسيد أروع نماذج النضال النسائي الحقيقي.