تخطو مدينة طنجة بثبات وعزم لتصبح قطبا حقيقيا لصناعة السيارات بالبحر الأبيض المتوسط, ومع إنتاج أولى سيارات مصنع رونو المرتقب في الأسابيع المقبلة, ستكون مدينة البوغاز في مستوى منافسة باقي الأقطاب الإقليمية المتخصصة في هذا النوع من الصناعات ذي القيمة المضافة العالية. وقد شرعت المنطقة منذ عدة سنوات في التوجه نحو هذا التخصص الصناعي الواعد, مستفيدة من القرب الجغرافي من أوربا والتسهيلات الضريبية المعتمدة في المنطقة الحرة للتصدير واليد العاملة المؤهلة التي توفرها مؤسسات التكوين بالمنطقة, لكن يبقى حدث استقرار عملاق صناعة السيارات الفرنسي "رونو" علامة فارقة سترفع مدينة طنجة إلى مصاف مناطق الإنتاج العالمية.
مصنع رونو، حجر الزاوية في أرضية التصنيع يعتبر مصنع رونو حجر الزاوية في مخطط إنشاء أرضية عالمية متكاملة متخصصة في صناعة وتركيب السيارات, ويتطلب تشييده استثمارا بقيمة 600 مليون أورو على مساحة إجمالية قدرها 300 هكتارا. ومن شأن هذه الوحدة الصناعية, التي ستنتج أولى سياراتها خلال الأسابيع المقبلة وفق الجدول الزمني المحدد, أن تنتج 30 سيارة في الساعة, أي حوالي 170 ألف سيارة سنويا, قابلة للرفع إلى حوالي 400 ألف سيارة بعد تركيب خط الإنتاج الثاني في أفق 2013. وسيوفر هذا المصنع حوالي 6 آلاف منصب شغل مباشر و 30 ألف منصب شغل غير مباشر لدى المجهزين والممونين على المدى المتوسط, مما يعتبر رافعة حقيقية لسوق الشغل على مستوى الجهة. ويعول عملاق صناعة السيارات الفرنسي على مصنع طنجة لمضاعفة مجهوداته في الشرق الأوسط وإفريقيا, التي تزخر بمؤهلات غير مستغلة لحد الساعة, إذ سيتوجه 90 في المائة من إنتاج المصنع نحو التصدير, مقابل 10 في المائة فقط لتلبية الطلب الداخلي على هذه العلامة التجارية.
مصنع رونو وتأثير المغناطيس منذ الإعلان عن نية "رونو" الاستقرار بمدينة طنجة, استقطبت المنطقة استثمارات مهمة لممونين يرغبون في مواكبة نمو هذه السوق الواعدة, بينما عززت وحدات مستقرة سلفا من عتادها الصناعي تماشيا مع توقعات ارتفاع الطلب على أجزاء السيارات, علما أن المنطقة الحرة تحتضن حوالي 60 مقاولة متخصصة في القطاع. وبالفعل, فقد كان لمصنع "رونو" تأثير المغناطيس بالنسبة لمجموعة من الممونين على المستوى الدولي, إذ تطمح هذه الأرضية إلى بلوغ معدل اندماج محلي يتراوح بين 70 و 80 في المائة, أي الحصول على غالبية أجزاء السيارات من مجهزين مستقرين في الجوار. فقد افتتح الفاعل الفرنسي "إف إس دي" بالمنطقة الحرة للتصدير بطنجة وحدة صناعية, الأولى من نوعها للمجموعة بالقارة الإفريقية, لإنتاج أجزاء السيارات باستثمار إجمالي يقارب 30 مليون أورو, ويمتد المصنع على مساحة إجمالية تفوق 5 هكتارات. ويأتي استقرار شركة "إف إس دي", التي تعتبر من المزودين الرئيسيين لرونو, في سياق رؤية طويلة الأمد (بين 20 و 25 سنة) لتموين سوق صناعة السيارات وطنيا, مع تصدير حوالي 20 في المائة من الإنتاج لتلبية حاجات الأسواق المجاورة بإسبانيا والبرتغال. كما استقرت العديد من الشركات الإسبانية بجهة طنجة لتكون قريبة من موقع الإنتاج, كما هو الأمر بالنسبة لشركة "بيثا" المتخصصة في صناعة مقاعد السيارات, بالإضافة إلى شركة "خوبيلسا" التي قررت استثمار 11 مليون أورو لتعزيز وحدتها الإنتاجية بمدينة طنجة. فيما قررت الشركة الأمريكية "دلفي أتوموتيف", المتخصصة في صناعة كابلات السيارات, الرفع من طاقتها الإنتاجية خلال سنة 2011 بتوسعة مصنعها الثاني بطنجة على مساحة 6400 متر مربع لإنتاج أنظمة وحزم الكابلات النوعية وأنظمة الربط العالي الدقة, ما مكن من إحداث 1200 منصب عمل جديد.
تكوين الموارد البشرية رهان النجاح بالموازاة مع أشغال تشييد الأرضية الصناعية لرونو, انطلقت جهود تكوين جيل جديد من التقنيين والأطر المتخصصة, وتم خلال مارس الماضي افتتاح "معهد التكوين في مهن صناعة السيارات طنجة المتوسط" لتكوين العاملين والتقنيين والأطر, باستثمار بقيمة 86 مليون درهم بتمويل من الدولة المغربية ودعم من الوكالة الفرنسية للتنمية. ويهدف المعهد, الأول من بين أربعة معاهد من الجيل الجديد بالمغرب ويمتد على مساحة 5600 مترا مربعا, إلى تكوين الموارد البشرية لمصنع "رونو" ولشركات الممونين والمجهزين, ويضم 22 مدرسة و8 ورشات للتكوين ومقرات للتكوين الموازي والإدارة. لكن على المستوى الوطني, انخرط المغرب في برنامج طموح للتكوين المهني في قطاع صناعة السيارات بهدف تمكين مقاولات القطاع من الموارد البشرية ذات الكفاءات الضرورية للنمو والتطور, استجابة إلى توقعات الحاجة من الموارد البشرية التي تصل إلى حوالي 70 ألف شخص خلال الفترة الممتدة من 2009 و 2015 في مهن صناعة السيارات.