وفجأة أشرقت وجوه الناس بعد أن عراها لفترة مديدة السهوم وأدركها الوجوم بعد أن انحبس المطر و طال أمد الانتظار... و فجأة طار التقطيب والعبوس من النفوس وانتفى وانقشع عنها ودبت في حناياها البهجة والحبور ونسي الناس مشاغلهم وهمومهم و تساموا بهامتهم يرنون إلى سماء طنجة المتدثرة بوشاح غائم وهي تصب ماءها و تسخو بخيرها بعد أن تفتحت أبوابها بالأمطار المنهمرة ، تغسل جسد المدينة من الأدران المتراكمة و تطهر النفوس من كل كرب وانقباض وتشيع البهجة في الأفئدة والقلوب ... فحمدا لله ، لقد مطرنا بفضله ورحمته . أنت الان في طنجة في يوم مطر ، تصغي إلى همس الماء المسكوب فوق أرضها وتجرف ببصرك المشاهد الوادعة من حولك ...حركة المرور في الشوارع تبدو لك على غير مألوف عادتها خافتة وزحف الأقدام على الأرصفة آخذ في الانخفاض ... أنت الآن في طنجة في يوم مطر... بعض الصور التي تتراءى لك تزيدك انتشاء كلما جدت عليها بنظراتك... المدينة في هذا اليوم المبارك خلعت عنها كساء الغبار وارتدت ملامحها حلة مطرية تسر الناظرين ... أنت الآن في طنجة في يوم مطر ... صور الأجواء المطرة تتوالى أمام بصرك وكلها تهز قرارة النفس وتملأها بهجة .... فهؤلاء المشاة على الرصيف يحثون خطاهم محتمين بمظلاتهم تحت زخات المطر ، وأولائك أطفال بوجوه مبللة تلفظهم بوابات المدارس ، يركضون في غبطة و تصايح وتلاعب وتملأ ضحكاتهم وصيحاتهم الأزقة والطرقات ، وذاك شخص ناكس الرأس ومتلفع بجلبابه يهرول في أكثر من اتجاه باحثا عن ملاذ يقيه المطر المتساقط ... الحافلات المثقلة بالركاب والسيارات تطوي الشوارع وقد أرسلت عجلاتها المياه المتجمعة في بعض الحفر، توزعها في سخاء وبلا اكتراث على الراجلين ، المياه المرسلة تلامس وجوههم و تبلل ثيابهم لكن من غير أن تثير حنقهم . الكل تتملكه النشوة وتعتريه الفرحة وكأنه يحتفي بعيد المطر ... أنت الآن في طنجة في يوم مطر ، تمر بجانب المقاهي فتحدثك مقاعدها المبللة الشاغرة المصفوفة على قارعة الشوارع الرئيسية أنها لم تعد محجوزة وأن بعض مرتاديها المتوارين إنما قد فزعوا إلى داخل المقاهي ، يترشفون الشاي والقهوة ويرسلون من نوافذها أبصارهم فإنهم ينتظرون صفاء الجو للعودة إليها وممارسة هوايتهم المفضلة ... أنت الآن في طنجة في يوم مطر ... الماء المسكوب يطرق الأرض والجدران والسطوح والأبواب والشرفات و الشوارع والأشجار بل والقلوب ، ومع كل قطرة مطر تلهج ألسنة الناس المستبشرة وجوههم بشكر الله وحمده ... يا ألله كم يليق بك المطر يا طنجة ! أمطري يا سماء وأعيدي الأمل إلى النفوس و البهاء و النضارة إلى المدينة ، فاللهم صيبا نافعا واللهم صيبا هنيئا ...