لا حديث هاته الأيام عند الرأي العام وكذا وسائل الإعلام إلا عن الأمطار والفياضانات، والخسائر الناتجة عن هذا الأخير...الشيء الذي يدعونا إلا تعميق النظر في طبيعة هاته الظواهر وتحليلها بشكل يعتبر من خلاله أولي البصائر والنُهَى، مصداقا لقوله تعالى »فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ «(سورةالحشر:الآية 2) وذلك حتى لا تمر علينا هاته الأحداث دون إفادة أو استفادة. من المعلوم أن الريح والرعد والبرق والمطر.. كلها آيات من آيات الله وجند من جنوده يتصرف فيها ويصرفها متى شاء و كيف يشاء، قال تعالى في آيات محكمة ودقيقة في هذا الشأن » لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ {11}هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وينشئ السَّحَابَ الثِّقَالَ {12} وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ« {13} (سورة الرعد)، وهذا كلام يدل بقراءة القرآن المسطور (المصحف) وبالتأمل في القرآن المنظور (الكون) على أن القادر سبحانه وتعالى هو المتصرف في الطبيعة وفي سننها كاملة، عكس ما يظنه من يؤلهون هاته الطبيعة، أو يسمون هاته الظواهر عن قصد أو عن غير قصد ب"غضب الطبيعة" هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ما أصاب المغرب الحبيب في هاته الأيام من أمطار استثنائية، كان لها وقع خاص على قلوب المغاربة: فمنهم من استبشر خيرا بسنة فلاحية واعدة، ومنهم من اكتوى بنار فقدان قريب أو منزل أو متاع ومنهم ومنهم..وهذا كله بأمر الله، دون أن ننسى كل من تهاون أو غش أو قصر في مسؤوليته في بناء قنطرة مغشوشة أو تعبيد طريق أو قيام بواجب.. فهو عن ذلك مسؤول. الذي يهمنا في هذا المقام وله صلة مباشرة بموضوعنا، هو أن ما حصل وما نشهده هاته الأيام، ينبغي أن يكون سببا رئيسا للفزع والهروب والرجوع إلى الله سبحانه ، قال تعالى »فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ{50} « (سورة الذاريات) دون الخوض فقط في تحليلات سطحية مرحلية ونسيان ما هو أهم، لأن الذي ينبغي أن يعلم ويُستوعب هو أن الأمطار التي تأتي بالرحمة، قد تأتي كذلك بالعذاب، إن تمادى الناس في المعاصي والآثام كما هو معلوم من سنن الأمم السابقة، فقد أهلك الله قوم نوح بالطوفان، قال تعالى: »وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ {42} قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ {43} «(سورة هود)، وأهلك الله قوم عاد بالريح قال عز وجل »وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ {6} «(سورة الحاقة)... ولذلك كان الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام _كما صح عنه_ كلما رأى ريحا أو غمامة تغير لونه وفزع إلى ربه، فعن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة زوْج النبي r أنَّها قالت: كان النبيُّ r إذا عصفتِ الريح قال: (اللَّهمَّ إنِّي أسألُك خيرَها، وخيرَ ما فيها، وخيرَ ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرِّها، وشرِّ ما فيها، وشرِّ ما أرسِلت به)، قالت: وإذا تخيلت السماء - يعني تغيَّمت وتهيأت للمطر - تغيَّر لونُه، وخرج ودخل وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سُرِّيَ عنْه، فعرفتُ ذلك في وجْهه، قالتْ عائشة: فسألتُه فقال: (لعله - يا عائشة - كما قال قومُ عاد: فلمَّا رأوْهُ عارضًا مستقْبِل أوديتِهم قالوا هذا عارضٌ مُمْطِرنا) رواه مسلم. ولذلك وجب علينا ألا نغتر ببسط نعم الله علينا فقد يكون استدراج للمغترين، ولهذا فقد كان من هديهr أنه كان يقول إذا نزل المطر (اللَّهُمَّ صيّبًا نافعًا)، رواه البخاري، وفي رواية لأبي داود: (اللَّهُمَّ صيبًا هنيئًا)، وثبت عنْه أيضًا أنَّه قال: (مُطِرْنا بفضْل الله ورحمته)،رواه البخاري. أما إذا نزل المطر وخشي منه فيدعي بقوله r: (اللَّهمَّ حوالَيْنا ولا عليْنا، اللَّهُمَّ على الآكام، والظِّراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر)، أخرجه الشيخان، كما كان كذلك يستغل وقت نزول المطر بالدعاء، قال r(ثنتان لا يُرَدُّ فيهما الدُّعاء: عند النداء، وعند نزول المطَر) أخرجه الحاكم، وحسَّنه الألباني -رحِمه الله-. فاللهم كما أغثْت بلادنا بالأمطار فأغِث قلوبنا بالإيمان واليقين و ألهمنا الرشاد في القول والعمل، و مكنا من جميل الإفادة وكريم الاستفادة. * أستاذ باحث في أصول الفقه ومقاصد الشريعة