عندما يشتد علي الاحساس بالتيه والتشظي، أستجمع ذاكرتي، وأقلب فيها عن نصائح جدتي. قالت لي مرة: "اللي عنده الله يزيده، واللي ما عنده الله يعطيه...". ولم أكن أدرك أن الغرافية رحمها الله كانت تريد أن تخفف من قلقي إزاء المستقبل الذي كنا نستحضره بكثير عناء، وكنا نبالغ في التسرع من أجل الامساك بتلابيبه المنفلتة من قبضاتنا الناعمة... المغرب، ليس مجرد درس في الجغرافية.. الروح فداه، والريح شداه.. الهوى أخذني، طيَّرني، صيَّرني ورقة في مهب الزفرات.. يا عبُّو الريح ! مهما صفا لك الغدير، فإنك لن تعبّ أوسع من شراهتك.. خذ نفساً، وافسح للخلق يستنشق ما تيسر من رحيق الوطن. إن للوطن متسعاً من العبق لا يوفِّيه النسيم غير هذا الحبق النابت طي الصدور.. صدر الأمر، تلاه الفقيه أو بطينة في بوابة الرواح، ويا أنوف ما دخلتك رائحة بطعم شحمة الأذن. اسمعي وعِي! وقولي للعين: حر وَبَش يحشم ويرمش ويضع نظارات سوداء درءً لسهام العيون الحولاء.. أحْوَل، هذا الذي وضع لخريطة الوطن بحرين، مع أن له ثلاثة بحور بالتمام والكمال.. ضيِّق صدرك أيها الجغرافي الذي ظل ساهياً عن لون المضيق في مدينة البرازخ.. الطين، جاءنا من جهة الشرق، يمتطي جناح الطير.. عفر كفك يا صاح، وسر لا تلو على بنت حنّاء.. مآبنا إليه، لا مفر.. وكان قد استقر الرأي على ركوب المصعد إلى الطابق الثامن.. كلام قليل وهمس كثير وبسمات ليست كالبسمات. في الكون، خلق كثير يعز عليك السلام عليهم حتى بقصبة الصيد.. وقليل هم المتربصون بودك.. ونعم المصير.