يفخر الكثير من سكان المدينة العتيقة في طنجة، بالماضي العريق لهذا الجزء من "عروس الشمال" الذي يعتبر شاهدا على حقب وفترات تاريخية عديدة. فهي التي تحتضن بين دروبها وحواريها عددا من البنايات والمآثر التي تحكي أحداثا تاريخية فاصلة رسمت ملامح مختلفة لعلاقات المغرب مع جيرانه الأوروبيين، كما تؤصل لعلاقة تعايش فريدة بين مكونات ثقافية مختلفة وأعراق متنوعة. غير أنّ كثيرا من سُكّان المدينة العتيقة، شيبا وشبابا، لا ينظرون بعين الرضا إلى حاضر هذا الإرث التاريخي، بل إنّ المرْءَ يلْمسُ غير قليل من "السّخط" لدى العارفين على وجه الخصوص بتاريخ هذه المدينة التي تعود نشأتها إلى قرون ضاربة في التاريخ. أما زوار المدينة، من السياح الأجانب والمغاربة على وجه الخصوص، فلا يصعب عليهم أن يلحظوا، حتى قبل الإنصات إلى بوح سكانها، بان المدينة العتيقة بكل إرثها الثقافي والحضاري، تعاني من "اختلالات عديدة"، وهذا ما يؤكده السكان والعديد من الفاعلين الجمعويين. احتلال للملك العمومي البداية من ساحة "باب طياطرو"، الممتدة من "باب فحص" حتى "عقبة القصبة"، والتي تعتبر فضاء تاريخيا بامتياز يشهد على ماض حضاري وثقافي مجيد بكل المقاييس. إلا أنها اليوم تشكل مسرحا للفوضى بجميع أنواعها وبمختلف تجلياتها. ويقول محمد مجدوبي، أحد سكان المدينة العتيقة "هناك حالة استياء عارمة تسود في أوساط التجار والسكان الأوضاع المزرية التي وصل إليها الحي التاريخي، بسبب فوضى الباعة المتجولين، بدءا من قوس باب الفحص نزولا إلى ساحة باب طياطرو ومنها إلى مدخل المدينة القديمة أيضا.". وتشير شهادات الكثير من سكان المدينة العتيقة، إلى أن هذا الشارع، يعيش من حين لآخر فوضى مرورية خانقة، الناجمة عن احتلال كامل من طرف الباعة المتجولين الذي يعرضون سلعهم من خضر وفواكه فوق مساحات واسعة من الطريق العمومية، ما يضيق مجال المرور والجولان بالنسبة للسائقين والراجلين. محمد مجدوبي، يتابع حديثه لجريدة طنجة 24 الإلكترونية، قائلا بأن "الكثير من سكان المدينة العتيقة ابتهجوا بتحرك قام به قائدة الملحقة الإدارية الثانية، من اجل تحرير الملك العمومي بالمنطقة الترابية التابعة لسلطته، إلا أنه لم يرقى إلى المستوى المطلوب". وفي نظر هذا المتحدث، فإن "ما يحدث في هذا الحي هو مسخ للتاريخ وضرب للجغرافيا وهدم لثقافة الجمال التي تمتع بها المواطن الطنجاوي لعقود، مما يشكل وصمة عار يتم ترسيخها في ذهنية كل أجنبي يزور مدينة طنجة.". فوضى تتحدى القانون بتاريخ 26 أكتوبر2017، أصدرت جماعة طنجة، قرارا يمنع الوقوف والتوقف ابتداء من الساعة العاشرة صباحا حتى الحادية عشر ليلا، في عدد من محاور المدينة العتيقة، وهي ساحة أمراح ودار البارود وسوق الداخل. كما يقضي نفس المقرر الجماعي الصادر تحت رقم 543/2017، بوضع علامات منع المرور، خلال نفس الفترة من كل يوم، على مستوى مدخل السقاية وباب حاجة ودار الدباغ، مع منع الوقوف بالجانب المحاذي لبرج الحجوي التاريخي. غير أن معطيات متطابقة، استقتها جريدة طنجة 24 الإلكترونية، تؤكد أن المقرر الجماعي المذكور لم يجد بعد طريقه إلى التطبيق، رغم مرور أزيد من أسبوع على صدوره، حيث ما تزال الفوضى العارمة مستمرة على أشدها، خاصة على مستوى عبور السيارات والدرجات الثلاثية العجلات التي تشكل تحركاتها عرقلة السير العادي للمواطنين والسياح الأجانب الذين يزورون المدينة العتيقة باستمرار. وحسب تصريحات متطابقة لسكان المدينة العتيقة، هذه الظاهرة تشكل إحراجا كبيرا لكل من تربطه علاقة بهذه المنطقة، مهيبين بالسلطات الأمنية لتكثيف جهودها للحد من هذه التسيبات والتجاوزات المستمرة. تراكمات حسابات انتخابية الناشط الجمعوي المتتبع للشان المحلي لمدينة طنجة، حسن الحداد، يعتبر أن "كل الاختلالات والمظاهر السلبية هي تحصيل حاصل لتراكمات سلبية عن سياسة تدبير هذه المدينة غياب رؤية علمية واستراتيجية مندمجة طيلة عقود من التدبير". وحسب الحداد، فإن المدينة العتيقة، أصبحت "وصمة عار على جبين مدينة طنجة، بالرغم من الاغلفة المالية التي خصصت لها خلال مراحل عديدة، خصوصا خلال مرحلة برنامج التهيئة الذي رافق استعدادات تنظيم المعرض الدولي لسنة 2012". ويرى المتحدث، أن المدينة العتيقة هي ضحية حسابات وسياسات انتخابية ضيقة من طرف الفاعلين في المدينة. مشيرا إلى ضرورة وضع خارطة الطريق مع كل المتدخلين السياحة الثقافة الأوقاف الداخلية الجماعة المجلس الإقليمي الجهة والمجتمع المدني ووضع القانون فوق كل اعتبار كما يجب الاستماع للمهنيين والحرفيين والتجار والتنسيق مع الغرف المهنية وتغليب المصلحة العامة. كما يرى ضرورة إشراك المجتمع المدني في تنزيل برامج للرقي بسلوك المواطنة، والتعامل بيد من حديد مع كل من خولت له نفسه تشويه والمس بالسير العادي والمصلحة العامة و براحة ساكنة المدينة العتيقة، خاصة وأنحن على مشارف افتتاح الميناء الترفيهي الذي يعتبر هذا الجزء من طنجة واجهته المباشرة.