ما أن دقت الساعة الثانية بعد منتصف الليلة التي سيليها أول أيام شهر رمضان المبارك، حتى عاد "با العربي"، من جديد ليمارس مهنة "طبال السحور" التي اعتاد القيام بها منذ سنوات طويلة، بالرغم من علمه أنها لم تعد ذات فائدة في هذا الزمن الذي يزخر بوسائل أكثر فعالية في إيقاظ الناس من أجل تناول وجبة السحور. ويعد "طبال السحور" من التقاليد الشعبية القديمة في المغرب وخاصة في مدينة طنجة، حيث يقوم محترفو هذه المهنة بالتجوال في الأحياء السكنية والشوارع الضيقة في الفجر الباكر خلال شهر رمضان المبارك، وذلك لتنبيه المسلمين باقتراب موعد السحور. تبدأ رحلة "با العربي" في منتصف الليل، حيث يتجول في الشوارع والأزقة بصوت عالٍ يحمل الإيقاع والإيقاظ، ويستمر هذا النشاط حتى طلوع الفجر. ويحاول "با العربي"؛ من خلال هذه المهنة الموسمية، إعادة إحياء التقاليد والعادات المغربية الأصيلة خلال شهر رمضان، عبر طوافه على المنازل المتواجدة بحي "طنجة البالية"، ومحاولة إيقاظ أهلها بضربات متناغمة على جلدة طبلته العتيقة. ولا يلقي هذا "الطبال" ذو الستين من العمر؛ بالا لهذه الأجهزة الحديثة، ولا للتغيير الذي يحدث على عادات الطنجاويين في هذا الشهر حيث يفضل أغلبيتهم السهر فيه وقضاء الليالي في السمر والحديث الجماعي داخل البيوت، فهو يمضي بعزم في الدروب والأزقة محاولا إحياء عادة رمضانية ترسخت في ذاكرة الجميع، وصارت جزء لا يتجزأ من الموروث الثقافي والتاريخي المرتبط بهذه الفترة من السنة. ويقول "با العربي"؛ أنه سار على درب أباءه وأجداده اللذين وهبوا جزء من وقتهم خلال هذا الشهر الكريم، لإيقاظ النيام وحثهم على السحور الذي أوصى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في إحدى أحاديثه، وذلك رغم العائد الضئيل والشكاوى المتكررة من بعض الرافضين لهذه العاد وعلى الرغم من أن مهنة "طبال السحور؛ تعد من أهم الموروثات الشعبية الرمضانية في المغرب، فإن بعض السكان يشعرون بالإزعاج من صوت الطبول والطبالين خلال ساعات الليل الأولى، ويعتبرون أنه يؤثر سلبًا على نومهم. مع ذلك، فإن الكثيرين يرون أن "طبال السحور" يعد تقليدًا مهمًا في المجتمع المغربي ويعمل على ترسيخ الروحانية والدينية في قلوب المسلمين، كما أنه يمثل عنصرًا مهمًا في بناء الروابط الاجتماعية وتعزيز التضامن والتآخي بين أفراد المجتمع.