دار العام دورته بسرعة، وعاد العربي "60 سنة"، لمزاولة تقليده السنوي الذي اعتاد عليه منذ عقود في إيقاظ الصائمين ودعوتهم لتناول سحورهم قبل آذان الفجر. فما أن دقت الساعة مشيرة إلى حوالي الثانية بعد منتصف الليلة التي سيليها أول أيام شهر رمضان المبارك، حتى كان المعلم "العربي"، قد بدأ جولته الليلية الأولى، حاملا طبلا كبيرا وخشبتين. يشق "العربي" أزقة في أحياء بئر الشعيري ومبروكة وبعض الأحياء المجاورة، غير آبه بالأنوار البادية من نوافذ عدد من المنازل، فمعظم الناس ما زالوا ساهرين إلى هذا الوقت المتأخر في هذه الليلة الصيفية الحارة، ومع ذلك يصر العربي على التقدم أكثر وسط مختلف الأحياء والأزقة، وهو يقرع الطبل بإيقاعات متناسقة لا تختلف أبدا عن تلك التي كان يحدثها في سنوات خلت عندما كان إيقاظ الناس للسحور رهينا بأصوات الطبل، "الأمر لا يعدو أن يكون مجرد محاولة للحفاظ على هذا الموروث الذي اعتنى به الأباء والاجداد"، يشرح العربي الأسباب التي تدفعه إلى القيام بهذا العمل في وقت لم يعد وراءه أي جدوى، ثم يضيف "إنه عمل تطوعي لا نبتغي من ورائه لا مال ولا شهرة". سؤال جدوى استمرار مهمة "طبال السحور"، تقابله آراء معظمها تتفق على أن الضرورة التي وجدت لأجلها هذه المهنة قد انتفت، بعد أن أصبح كل بيت يتوفر على وسائل تيكنولوجية تغني عن أصوات قرع الطبل. أما عندما يتزامن شهر رمضان مع فصل الصيف، كما هو الشأن خلال الأعوام الاخيرة، فإن وجود مرور الطبال من الأحياء يصبح "ما عنده حتى معنى"، يعبر عبد الإله. ج "26 سنة- إطار بشركة خاصة". لكن هذا لا يعني، حسب عبد الإله، أنه يجب التفريط في هذا الموروث الشعبي الذي ظل يضفي أجواء خاصة على الليالي والأيام الرمضانية أجواء خاصة،"فلا بد من المحافظة على طبال السحور كمهنة رمزية، لأنها تعيد إلى ذاكرة اجيال صورا جميلة"، يضيف هذا الشاب متحدثا. خديجة، وهي طالبة جامعية "23 سنة"، تشاطر عبد الإله نفس الرأي، معتبرة أن "طبال السحور" يعتبر من أهم المشاهد الرمضانية في هذا الحي –تقصد حي مبروكة-، وفي جميع أحياء مدينة طنجة وباقي المدن المغربية، "الطبال هو الحلاوة ديال رمضان"، تعبر خديجة مختتمة حديثها. وفي المقابل، هناك من يعتقد انه حتى هذه الرمزية التي تشكلها مهنة طبال السحور، يجب أن يتم تجاوزها، لأنه بات مصدر إزعاج لا أكثر، "فيهم غير الصداع"، تقول سناء.ع، ممرضة بإحدى المصحات في المدينة، ثم تضيف بنوع من السخرية "إذا كان من الضروري المحافظة على هذا التراث، فبالإمكان برمجة منبه الهاتف على رنين بصوت الطبل". رأي لم يفاجئ "العربي" على الإطلاق، بل يؤكد أن هناك صنف من الناس لم يعودوا يستسيغون وجود "طبال السحور"، ويوضح أنه في غير مرة طالبه بعض الناس بالكف عن إصدار أصوات طبله "المزعجة" لكن مع ذلك ، يردف "العربي" بأنه ما زال يلقى ترحيبا كبيرا من طرف الأغلبية، بل إن البعض يصل به الكرم إلى حد دعوته لتناول السحور. يرتفع صوت المدفعية بشكل مفاجئ في سماء مدينة طنجة، معلنا أوان وقت الإمساكية، لكن " العربي" ما زال لم يتوقف عن النقر فوق سطح طبله، غير آبه بكلام الناس المتضارب حول جدوى استمرار عمله من دونه، إنه نفس التحدي الذي يبديه وهو يمر وسط الأحياء التي تتعالى فيها أصوات مختلفة من داخل منازل وهم في أوج السهر والسمر الصيفي الرمضاني.