ملائكة الرحمة، لقب ارتبط بالممرضين والممرضات، وهو لقب لم يتم اختياره عبثا بل هو وصف دقيق لأشخاص كرسوا حياتهم لإنقاذ حياة الآخرين، وسهروا لينام المرضى دون ألم فلبسوا الأبيض لبث التفاؤل في نفوس المصابين، وسخروا قواهم لرسم البسمة على وجوه المنكوبين. تاريخيا، اضطلع مهنيو التمريض بدور جليل خلال مختلف المراحل والحقب في العمل على تضميد ما خلفته الحروب والكوارث الطبيعية والإنسانية من جراح ومآسي وعاهات مستدامة، متجاوزين كل المصاعب والظروف القاهرة سواء في المدن أو المناطق النائية، ومصرين على تقديم الخدمات الصحية دون كلل ولا تخاذل لفائدة الأفراد دون تمييز مبني على الدين أو الجنس أو المستوى الاجتماعي. ويشهد لهذه الفئة بأقوى نماذج البذل والعطاء، نظرا لجهودها ودورها الاجتماعي والصحي والإنساني، وترسيخا وتعزيزا لرسالة هذه المهنة النبيلة، نظرا لما يقدمه أصحاب الوزرة البيضاء للمجتمعات وللإنسانية جمعاء حتى أصبح يطلق عليهم لقب ملائكة الرحمة. كما تعد مهنة التمريض العمود الفقري للمنظومة الصحية، بفعل قدرتها على التأثير الايجابي على صحة المريض وتثمين المؤشرات الصحية والمساهمة في تامين الرعاية الصحية. وبلغة الإحصائيات، يشكل الممرضون والممرضات أكبر مجموعة من العاملين في القطاع الصحي والمهن الصحية عبر العالم، مما يجعلهم في اتصال دائم ومباشر مع المرضى ومع المواطنين والمجتمع، وهذا يترجم المسؤولية الجسيمة التي تقع على عاتقهم. ونظرا لأهمية هذا القطاع، حرص القائمون على الشأن الصحي في العالم على تدريس مهنة التمريض بالجامعات والمعاهد العليا، حيث تشمل شعبة التمريض تخصصات جمة انطلاقا من الإنعاش والمستعجلات، مرورا بأمراض القلب والشرايين والسرطان وأمراض الأطفال، وصولا للسلامة المهنية ورعاية المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة إلى جانب تخصصات أخرى. وبالموازاة مع ذلك، تناط مسؤوليات وواجبات أخرى بالممرضين والممرضات ترتبط أساسا بأدبيات وسلوكيات وأخلاقيات المهنة التي تنظم وتحكم عمل الممرضين والممرضات كآداب وسلوك الانتساب ومسؤوليات أخرى أقرها المجلس الدولي للمرضين والممرضات. ويحتفل يوم غد الجمعة، باليوم العالمي للتمريض عرفانا لمهنيي القطاع بالمجهودات الجبارة التي يبذلونها والخدمات الجليلة التي يسدونها في مجال حساس يفرض التعامل مع جميع أنواع البشر على اختلاف عقلياتهم وسلوكاتهم بنوع من الهدوء والالتزام وفي بيئة وظروف متغيرة على الدوام. وخلال هذه السنة، يخلد المجلس الدولي للمرضين والممرضات هذه المناسبة تحت شعار "الممرضون والممرضات، صوت من أجل الريادة .. بلوغ أهداف التنمية المستدامة "٫ حيث عملت المنظمة على إطلاق حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ترمي من خلالها إلى تحسيس المجتمع الدولي وأصحاب القرار بأهمية هذا القطاع في المنظومة الصحية. وتنص هذه المبادرة على نشر الممرضين والممرضات من كل بقاع العالم لتجاربهم المهنية بطريقة تبين أن الاستثمار في العناية الصحية يؤثر إيجابيا على صحة الأمم وبالتالي تطورها، كما سيقوم المجلس بإنشاء منصة افتراضية تحتوي على دراسات وبحوث تبرز بالملموس الإسهام الحقيقي للمهنيي التمريض في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويرجع اختيار 12 ماي من كل سنة للاحتفال بهذا اليوم انطلاقا من عام 1974، لتوافقه مع الذكرى السنوية لميلاد فلورنس نايتينجيل التي اشتهرت بأنها مؤسسة التمريض الحديث. وكانت فلورانس نايتنجيل، الملقبة ب "السيدة صاحبة المصباح" التي ازدادت سنة 1820 بإنجلترا، تؤمن بأهمية وضرورة وضع برامج لتعليم التمريض وأخرى لتدريس أخلاقيات المهنة، وتراهن على انخراط النساء بقوة في هذا المجال. واذا كان هذا اليوم الدولي مناسبة للاحتفاء بهذه المهنة والاشادة والاعتراف بالمجهود الذي يبذله الممرضون والممرضات والتضحيات التي تقدمها هذه الفئة من أجل توفير رعاية صحية ذات جودة وتخفيف الآلام عن المرضى، فإنه يبقى أيضا فرصة للوقوف على وضعية هذه الأطر الطبية الموازية من أجل تحقيق مطالبها وتوفير جو ملائم وظروف عمل مشجعة وتكوين يواكب التحديث والتطور الذي يعرفه القطاع. *و م ع