يسعدني السيد العمدة محمد البشير أن أراسلكم للتفاعل مع ما عبرتم عنه من رغبة في نصب تمثالين وسط المدينة ، للمساهمة بالتعريف ببعض رجالات و رموز طنجة الخالدة . والحقيقة و بفضل الموقع الجيوستراتيجي الاستثنائي لطنجة ، و امتدادها التاريخي بالغ العمق ، و تعاقب مختلف أنواع الحضارات عليها ( الأمازيغية و الفينيقية و الرومانية و العربية .. ) أضحت هذه المدينة الساحرة خزانا مدهشا للآثار التاريخية و المنجزات الحضارية البشرية ، و منبعا لا ينضب للرأسمال اللامادي الخصب . و بعد عقود من الإهمال الممنهج و التهميش غير المقبول ، عادت مؤخرا و بقوة إلى دنيا الانطلاق نحو البناء التنموي الشامل ، مثلما يبعث طائر الفينيق من رماده ، حاملا معه كل معالم التجدد و الخلود ! وعلى الرغم من إيماننا بمستقبل هذه الحاضرة المتوسطية الوارفة ، إلا أننا لن نمل من تنبيه السادة المسؤولين والمعنيين بتعميرها و تهيئتها ، وإعدادها لمنافسة المدن العالمية الصاعدة ، إلى مظاهر القصور و معالم الخصاص ، قصد البحث عن الحلول الواقعية والعلمية ، و الكفيلة بجعلها من أرقى المواقع السياحية العالمية . و لعل أهم هذه الجوانب المعيبة التي يجب التجند لمحاربتها في أقرب الآجال ، التقوية الفعلية و الجادة للبنية التحتية للمدينة ، من مد الطرق و بناء الجسور والأنفاق ، لتسهيل عملية مرور وسائل المواصلات و تجهيزها بأنابيب الصرف الصحي ، و الوقوف في وجه مافيا البناء العشوائي ، و العمل المتواصل من أجل خلق مزيد من المؤسسات و المرافق العمومية ، من قبيل المستشفيات و المدارس و أسواق القرب النموذجية ، و المركبات الرياضية و الفنية و الثقافية ، و تطهير المدينة من جيوش المتسولين و المتسكعين و مرشدي السياح المزورين ، و إعداد رجال أمن مختصين في عالم السياحة التي أضحت موردا اقتصاديا لا ينضب في كبريات المدن العالمية ، دون أن ننسى الحدب بالفضاءات الخضراء ، و الحدائق الغناء عالية الجودة و المراحيض العمومية ، و مراقبة الشواطئ و المواقع الطبيعية و المحافظة على رونقها و بهائها .. و في نفس السياق - صديقي العمدة الأعز – من الجائز جدا التفكير المسؤول في تزين المدينة بكل أنواع الكماليات الأخاذة ، من أعمدة الكهرباء و إقامة النصب التذكارية و التماثيل المحتفية برموز المدينة العريقة ، للاحتفاظ بالذاكرة الجماعية ، و تخليد من ساهم بالتعريف بمجمع البحرين في كل الميادين الإبداعية و عبر مر السنين . و على ذكر التماثيل ، فإنني أوافقكم إلى أبعد مدى على المشروع الذي أعلنتم عنه ، و المتمثل في إقامة تمثالين لكل من الرحالة الطنجي محمد بن عبد الله اللواتي المعروف بان بطوطة ، و البطل الأسطوري هرقل ، فهما يعكسان بحق أروع ما يميز مدينة طنجة من عبق التاريخ و سؤدد الحضارة و قمة المجد ! لكن دون أن يتطلب الأمر أي استشارة لا من المجلس العلمي المحلي و لا من المجلس العلمي الأعلى ، ولا من الفقهاء المحترمين ، صحيح أن ظاهرة التماثيل ليست معهودة بالشكل الكافي في تاريخنا العربي القديم و الجديد ، إلا أن الموضوع المعني بالأمر لا شأن له مطلقا بالمعطى الديني بحصر المعنى ، بقدر ما أنه يخص المعنيين بالمنجز الفني و الجمالي أولا و أخيرا . و على أمل أن تخصوا هذه الرسالة المتواضعة بالقراءة ، لكم مني أطيب المنى و أزكى التحيات !