تدخل معظم الأحزاب السياسية غمار المنافسة في الانتخابات العامة التشريعية والجهوية والجماعية لثامن شتنبر المقبل، بوجوه " تقليدية " ألف المواطن رؤيتها، لسنوات، على الملصقات واللافتات عند كل محطة انتخابية. أهو ثبات النخب وعجزها على الدوران لتمنح في كل استحقاق من الاستحقاقات وجوها و"بروفايلات" جديدة من شباب ذوي كفاءة وقدرة على التدبير السياسي على المستوى المحلي والوطني، تنسجم والتحولات التي يشهدها المجتمع المغربي؟ أم هي ظاهرة انتخابية ضرورية تعتمدها أعرق الديمقراطيات باللجوء إلى " بروفايلات مخضرمة " لها من التجربة والحنكة والامتداد الشعبي والنفوذ ما يؤهلها ويعزز حظوظها للفوز بالمقاعد ؟. إنها " ماكينات انتخابية " كما يصطلح عليها إعلاميا، تلجأ لها الأحزاب، لضمان أكبر عدد من المقاعد، وهي ظاهرة، في نظر المتتبعين للشأن الانتخابي، لا تعيب الممارسة الديمقراطية، حيث أثبتت تجارب انتخابية دولية مختلفة، أن المرشحين الذين يتم اختيارهم وتزكيتهم في العديد من الدول الديمقراطية مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، تكون لهم حظوظ كبيرة للفوز بالتزكية وسط أية مجموعة أخرى، حيث يتم تزكية شاغلي "الوظائف البرلمانية" أو يتم اختيار مرشحين جدد يملكون خصائص مماثلة لصفات الممثلين الذين تم انتخابهم. ويبدو أن المشهد الانتخابي بالمغرب لم يحد عن هذه القاعدة ، فالمتتبع للحملة الانتخابية عبر وسائل الإعلام يصطدم غالبا بنفس الوجوه التي ارتبط إسمها بسنوات من " الهيمنة " سواء على مستوى البرلمان أو الجماعات المحلية أو مجالس الجهة. فبعد انطلاق الحملة الانتخابية واكتمال صورة المشهد الانتخابي بتقديم الأحزاب جميع مرشحيها الذين يخوضون غمار هذه الانتخابات، يتضح جليا أن الهيئات السياسية مضت إلى إعادة ترشيح الوجوه الانتخابية التي اعتادها المشهد الانتخابي خلال المحطات السابقة، وهو سلوك لم يقتصر على حزب دون آخر، وذلك سعيا من هذه الأحزاب إلى الحصول على مقاعد مضمونة بالمجالس المنتخبة. وقد اشتد التنافس بين معظم الأحزاب السياسية حول استقطاب وجوه معروفة ألفت الترشح لولايات انتخابية عديدة بحكم توفرها على قاعدة انتخابية واسعة بفضل شبكة واسعة من العلاقات منحتها رأسمال اجتماعي واقتصادي داخل دوائر نفوذها. وإذا كانت القوانين الانتخابية قد تضمنت مجموعة من التعديلات تهم تخليق الحياة العامة وضمان نزاهة الانتخابات وإشراك جميع النخب وخاصة الشباب، فإن هيمنة هذه الظاهرة لدى غالبية الأحزاب السياسية، وإن كانت ممارسة معمول بها، يدفع إلى طرح العديد من الأسئلة تتعلق بالأساس بمدى استعدا هاته الهيئات لفتح الباب أمام أطرها الشابة لولوج المؤسسات التمثيلية ترابيا وتشريعيا، تعطي من خلالها إشارات على أنها مؤسسات تعيش على نبض تطلعات المجتمع وطموحاته. وفي هذا الصدد، يقول عبد المنعم لزعر أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق السويسي بجامعة محمد الخامس الرباط، إنه يتعين الإشارة إلى أن الأحزاب السياسية تختار دائما من يملك حظوظ كبيرة للفوز. وأردف قائلا أن " القاعدة هنا هي أن الأحزاب السياسية تختار شاغلي الوظائف الانتدابية ومحترفي الانتخابات أو تقوم بالبحث عن بروفايلات مشابهة لهم". وبالتالي، يضيف الباحث، فإن الرهان على الوجوه التقليدية، يعتبر المسلك الآمن للأحزاب للحصول على المقاعد أو الحفاظ عليها، كما يعتبر " خيارا حزبيا لتقليل المخاطر التي يمكن أن تواجه الأحزاب السياسية عند مراهنتها على وجوه جديدة ". ويرى الباحث الأكاديمي أن "هناك توافق وتواطؤ بين الأحزاب السياسية وبين النخب التقليدية" فالأحزاب السياسية هدفها هو الحصول على المقاعد والنخب التقليدية هدفها هو الحفاظ على المواقع. لذلك، يتابع المتحدث، "فهذه الممارسة تكشف عن تحالف مصلحي يتأسس على صفقات سياسية بدون مخاطرة وبعائدات سياسية مضمونة للطرفين". وبين مطالب تشبيب وتجديد النخب داخل الأحزاب السياسية، يبدو أن الواقع الانتخابي يفرض خيارات أخرى أمام هذه التشكيلات السياسية، خيارات أكثر براغماتية وأقل مجازفة بمقعد انتخابي مضمون، يحكمها منطق ضمان الفوز في الانتخابات اعتمادا على اعتبارات موضوعية يفرضها المعطى الانتخابي، مما يجعل منح الفرصة لوجوه شابة ذات كفاءة يحتاج إلى مزيد من التجسيد على أرض الواقع.