من مطلب ساكنة طنجة هو تجديد النخبة لأنها في الحقيقة ليست حاجة عرضية ، وإنما ارتقت اليوم ، أكثر من أي وقت مضى، إلى مستوى الضرورة القصوى، لضخ دماء جديدة في شرايين حياتنا السياسية عموما والحزبية خصوصا، والتي هرمت وأصبحت جزءا رئيسيا في المشكل عوض أن تكون جزء من الحل. لكن الإشكالية اليوم تظل مرتبطة بصيغ ووسائل وسبل وإجراءات وثقافة ونهج تحقيق هذا المبتغى ، الذي هو محط اجتماع الفعاليات الحية بعروس الشمال، لأنه بكل بساطة، لكل زمن رجالاته وأطره ونخبه، وأنه للتاريخ ورمزيته دور في الحاضر، مثلما هو للحاضر وشبابه ونخبه من أدوار، هذا هو السبيل الأجدى و الأنجع . كما أن البنية الديمغرافية الشابة لبلادنا عموما، وبطنجة على وجه الخصوص، يعتبر عاملا مساعدا بشكل كبير على التجديد المأمول، لكن شريطة أن تعمل شريحة الشباب الواسعة على الانخراط والمشاركة والاندماج لتتمكن تدريجيا من خلق التحول الديمغرافي داخل بنياتنا السياسية، ولتتبوأ مواقع المسؤولية والتدبير والتقرير بشكل طبيعي. لكن التجديد المتوخى ليس هو مجرد استبدال النخبة الحالية الهرمة بنخبة جديدة عاجزة، متواكلة بدعوى أنها محسوبة على الشباب، فالشبيبة الطنجاوية كانت دائما في قلب تحولات المجتمع، على امتداد التاريخ الحديث للمغرب، ولن تستوي سيرورة الاطمئنان على الغد إلا باستعادة الشباب الطنجاوي لهذا الدور المبني على استهداف تجديد الأداء، وزرع ثقافة المسؤولية والمواطنة والمشاركة، وخلق التراكم، وتفجير الطاقات الخلاقة الكامنة في المجتمع الشبابي. إن تجديد النخب بطنجة مطلب ثابت، إذا كان المراد هو التفاعل مع الواقع وتحدياته، والرغبة في التأثير فيه ، والأمر أكثر إلحاحية اليوم نظرا للتطورات التي تعرفها بلادنا والقضايا الكبرى التي تشكل أولويات المرحلة الحالية وانبثاق جيل جديد، يتميز بطموحاته واهتماماته وحاجياته وإمكانياته. فمدينة طنجة تحتاج اليوم إلى نخبة جديدة لكن ليس بالأعمار فقط ولكن أيضا بالرؤى والمشاريع والعلاقات والخطابات وطرق العمل حتى تعيش زمانها حقا ، لكن لا يعني ذلك تهميش القيادات التاريخية والنخب الحالية بل الاندماج والتفاعل بين النخب بما يسمح بخلق التوازن بين التجربة والخبرة من جهة والطموح من جهة أخرى، وبين التراكم التاريخي والتطلع المستقبلي، وذلك لضمان التجديد في إطار الاستقرار. ولن يتحقق تجديد النخب السياسية والاجتماعية إلا بديمقراطية حقيقية تضمن تميز الكفاءات النزيهة والانفتاح على الأطر الشابة واستيعابهم من خلال بنيات استقبال جديدة ومتنوعة ، وقد يكون ذلك عبر المؤسسات الحزبية والهيآت الموازية و جمعيات المجتمع المدني وغيرها. إننا اليوم في حاجة ماسة لحركة شبابية متعددة المجالات والتيارات في طنجة ، تعمل في إطار من التنافس الشريف، وتقدم للوطن والأحزاب و المجتمع المدني رؤى جديدة وطاقات مبدعة ، لكن لن يتأتى لها ذلك إلا بدعم من الدولة لتمكينها من وسائل العمل واستعمال الفضاءات العمومية والإعلام العمومي قصد التأطير والتواصل والتعبئة. إذا كان هناك شبه إجماع في طنجة على أن المشاركة السياسية للشباب ضرورية لتفعيل التغيير، فإن البعض يرى أن مشاركة الشباب السياسية في ظل أحزاب يتحكم فيها أناس أكل الدهر عليهم وشرب ، لن يؤدي إلى تغيير النخب السياسية ولا البرامج الاقتصادية والاجتماعية الفاشلة، بل أكثر من ذلك سيؤدي إلى الحفاظ على سيناريو البقاء والاستمرار بثوب جديد ، وبالمقابل فإن التفكير في التغيير يبدأ بخلق قطيعة سياسية مع الماضي بكل سلبياته، أي بتشبيب الأحزاب ، لكي تستقل فيها مبادئ الديمقراطية عكس الأحزاب العجوزة التي يستحيل خلق ديمقراطية حقيقية داخلها، تحس بهموم الشباب وتستحضرها في كل وقت وحين ، مما يجعلنا أقرب لمشاكلهم ومعاناتهم سواء في البطالة أو التعليم أو السكن وغيرها من المشاكل التي أضحت معضلات بفعل التراكمات وسوء التدبير والفساد. إن المتتبع للشأن السياسي وتدبير الشأن العام الذي عرفته مدينة طنجة ،يلاحظ الإختلالات التي صاحبت طريقة إدماج مكونات المجتمع المحلي ، بحيث تأسست على علاقات انتهازية مع بعض الأشخاص وتمتيعهم بامتيازات، وفي المقابل تم تهميش الأطر والكفاءات الشابة من أبناء المنطقة وتشجيع احتكار بعض الأشخاص للثروات المحلية وهذا ما أثر سلبيا على تدبير الشأن المحلي. إن مدينة طنجة تحتضن فعاليات وكفاءات شبابية ، إلا أنها مازالت مهمشة من طرف النخبة التقليدية التي تتخوف من سحب البساط من تحت أقدامها، لذا ستظل هذه الأخيرة تعاكس أي تغيير بهذا الخصوص وبجميع الوسائل والطرق الممكنة.