قد يتساءل البعض : هذه اسطنبول وأخواتها في لحظتها التاريخية ؛ فما بال طنجة ؟ أن يستشهد جواد ابن طنجة وهو يؤازر حق إخوانه الأتراك في الحفاظ على سيادية أصواتهم واختياراتهم التي همّت الدبابات بدوسها ؛ حدث لا يبقي في رمزيته عند العقلاء قيمة للاعتبار العددي في التقدير والمماثلة، سيما ونحن ننتمي إلى مدرسة تقول : " من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن احياها فكأنما أحيا الناس جميعا" . شجرة الحرية التي تنسم الأتراك عبيرها البالغ الطيبة بعد عقود عجاف من سطوة العسكر، لتنطلق قاطرة العلم والإبداع والتنمية متسلقة السلّم الأممي في الرقي، ومنتقلة من دولة مدينة إلى دائنة، ومن المرتبة111 عالميا إلى 12 في ظرف لم يتجاوز عقدا من الزمن ؛ يوجد لها في ساكنة طنجة "عروق" عبَّرت عن نفسها بشموخ صمودا في وجه وسائل الإرهاب إبان الحراك الشعبي سنة 2011 ساعة انطلق ربيع الدمقرطة يستحث الجماهير أن تسترد مقتضيات رشدها الذي صادره الاستبداد زمنا طويلاً وحجّر عليه بشهادة مزورة صاغها ذات ليل بهيم مأجورون معممون و"مكرفطون". مازلت أذكر كيف خابت مساعي مختلف التشكيلات الأمنية المدججة بأنواع شتى من العتاد أن تنال يوم 6 مارس من السنة السالفة الذكر من ثبات الجموع المتظاهرة شيباً وشبابا رجالاً ونساءً، وكنت ساعتها عضواً في تنسيقية المدينة ممثلاً للمنظمة التي يعرف وزير الداخلية الحالي "أن الناس تعرفها"، والذي كان إذَّاك واليا بطنجة ، حيث كان شكلنا الاحتجاجي مزمعاً تركيزه فقط بساحة بني مكادة التي صارت حينها "ساحة التغيير" فظنت الألوية الأمنية التي كانت تدار مباشرة عبر خط يصل غرف الولاية بغرف الداخلية بالرباط؛ أن الإمعان في الضرب والاعتقال واستعمال خراطيم المياه وصافرات الانذار بأضوائها التي نصحهم "علماء الأشياء" أن لونها الأزرق جالب للرهبة؛ فكان أن صرنا بعد نقل "المعركة " إلى مختلف الشوارع التي تصب في الساحة نرى شبابا يتسابق إلى شاحنات خراطيم المياه يلتقط صورا "تذكارية" تحت صبيبها، وآخرون يتمددون أمام صفوف المدججين لا يأبهون إن كان العصاسيستهدف الرأس أم البنان ، وظل الأمر على ما ذكرت إلى غروب شمس ذلك اليوم، فما كان من المدير الحالي لديوان لوزير الداخلية إلا أن يطلب حوارا مع التنسيقية لتهدئة الوضع اشترطنا له أمورا ثلاثة : - الوقف الفوري لمختلف أشكال العنف -إطلاق سراح جميع المعتقلين - إلقاء التنسيقية كلمة ختامية من وسط الساحة التي مُنِعناها في إشارة لمشروعية الاستمرار في الاحتجاج السلمي عن مطالبنا العادلة وفي الوقت الذي استماتت السلطة على عادتها في عدم القبول بالشروط مجتمعة حيث رفضت الشرط الأخير ؛ قلنا لهم : حسنا تفضلوا أنتم وأوقفوا الاحتجاجات، وهممنا بإيقاف التداول؛ فكان الختام قبولا للشروط جميعها، وعندما ذهبنا نطمئن على إطلاق سراح المعتقلين أذكر أن أحدهم -وقد أُخلي سبيل الجميع - بادرني بالقول أن حافظة نقوده أخذت منه ، وبعد التحري وجدنا أنها محتفظ بها إلى جانب محجوزات أخرى في مقر أمني يبعد عن البناية المركزية التي كنا بها، فهوتف المقر المذكور الذي أوصلها إلى المعني بالأمر حيث نحن ، فلما فتحتها أمامه تبين أنه كان له بها وثائقه ومعها عشرون درهما، فقلتُ له مازحا : قبح الله سعيك يارجل ، كم ضاع من بنزين الشعب اليوم سدى ثم تهدر أنت أيضاً منه في تحرك "فوركونيط"من مكان بعيد لتأتيك بحافظة بها عشرون درهما ؟!! وكانت بعدها خمس دقائق من مخاطبة الجماهير التي عاودت الاحتشاد في الساحة كافية لانصراف "الحجيج" راشدين امتثالا لتنسيقيتهم التي كانت تحاكي في طريقة اشتغالها، وفي تشكلها على أرضية المبادئ والقيم ؛ التفاف الموافق والمخالف ضد الانقلاب على الحاكم الذي صالح شعبه فصار الشعب درعه الواقي.